تحليلات

الحرب الروسية مع الغرب وفرص الاستفادة منها فلسطينياً

خاص– اتجاهات


مقدمة

شهد العقدان الأخيران موجة من الأزمات بين روسيا والغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد اتخذت هذه الأزمات أشكالاً متعددة منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي، وبغض النظر عن شكل الأزمات، إلا أنها تمتد تاريخياً إلى فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي شرقاً والولايات المتحدة غرباً، كما أن لها أهدافاً استراتيجية تتمثل في تزعم العالم، بثرواته واقتصاده وطرق تجارته ومصادر الطاقة وخطوط نقلها وأسواقها، بالإضافة إلى أهداف أخرى.

 

انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، ومنذ ذلك الحين عملت روسيا على إعادة إنتاج قوتها لتحقيق أهدافها، وما هي إلا عشر سنوات حتى برز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معلناً خطواته لاستعادة قوة بلاده ونفوذها في العالم، فبدأ بإنتاج الأسلحة وتطويرها، وعقد الاتفاقات والأحلاف مع دول العالم المختلفة.

 

شعر الغرب بالخطر الروسي، فبدأوا بنسج الخطط والتحالفات لمواجهة روسيا، واعتمدوا سياسات مختلفة كان أبرزها تكوين نفوذ في المناطق الحيوية لروسيا والقريبة من حدودها، لكن روسيا استطاعت مواجهة الغرب في أكثر من موقعة وعلى أكثر من شاكلة، فبدأت روسيا بمد الغاز لأوروبا واحتكار هذه السلعة الاستراتيجية، ولم تنته عند هذا الحد في تقييد الغرب، بل وجّهت ضربات عسكرية للمصالح الغربية في جورجيا عام 2008م، ثم جزيرة القرم 2014م، وليس انتهاءً بما نشهده اليوم من حرب على أوكرانيا بدأت منذ نهاية فبراير 2022م وما زالت مستمرة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، والتي تصر فيها روسيا على استعادة مكانتها في العالم كدولة مؤثرة وفاعلة وقادرة على مواجهة الأخطار المحدقة بها.

 

الانعكاسات الدولية والإقليمية للحرب الروسية مع الغرب في أوكرانيا

ألقت الحرب الروسية مع الغرب بظلالها على العالم بأسره، وفي مختلف المجالات والأصعدة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية والأمنية والجيوسياسية، ومن أبرز هذه الانعكاسات:

  1. يتجه العالم إلى تراجع نظام القطب الواحد باتجاه نظام متعدد الأقطاب (الولايات المتحدة والغرب في مواجهة الصين وروسيا).
  2. بروز ضعف المؤسسات الدولية في مواجهة الحروب وتحقيق السلم العالمي.
  3. التسبب بأزمة طاقة عالمية، حيث أن الكثير من الدول وفي مقدمتها الدولة الأوروبية تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، وهو الأمر الذي تسبب بحالة من الابتزاز لأوروبا في قرارها السياسي، ما دفع الولايات المتحدة للعمل على تخفيف هذه الأزمة من خلال الضغط على حلفائها لزيادة الإنتاج (السعودية) والتعجيل في الاتفاق النووي الإيراني ما يرفع القيود عن النفط الإيراني.
  4. التسبب بأزمة غذاء في العالم كله وشهد العالم ارتفاعاً في الأسعار، حتى بالرغم من الحلول التي تم التوصل إليها برعاية تركيا لتصدير الحبوب من أوكرانيا.
  5. توجه الولايات المتحدة للتركيز على مناطق (أوروبا والمحيط الهادئ) في حين تراجع اهتمامها في مناطق أخرى أبرزها الشرق الأوسط وهذا دفعها باتجاه تخفيف حدة التوتر في هذه المناطق مثل: تسريع مفاوضات النووي الإيراني، وتجنب التوتر بين “إسرائيل” وأعدائها في المنطقة.

 

فرص الاستفادة الفلسطينية من الحرب الروسية مع الغرب

بالرغم من الآثار السلبية للحرب الروسية مع الغرب على العالم بأسره، إلا أن هناك جوانب يمكن الاستفادة منها في هذه الحرب، على المستوى الفلسطيني، وفيما يلي التفاصيل:

  1. التوجه إلى مؤسسات المجتمع الدولي من أجل استصدار قرارات تدين دولة الاحتلال “الإسرائيلي”، كما قام هذا المجتمع بالمسارعة لاعتبار العمليات الروسية في أوكرانية عدواناً وسارع إلى إدانته، في حين أن دولة الاحتلال تمارس الإرهاب والعنف والتهجير ضد الفلسطينيين ولم يتحرك المجتمع الدولي على مدار أكثر من 70 عاماً.
  2. نشر الرواية الفلسطينية التي تقوم على أساس أن الشعب الفلسطيني يعاني من آخر احتلال في التاريخ، تماماً كالشعب الأوكراني الذي يعاني من العدوان الروسي، بل واعتبار أن مظلومية الشعب الفلسطيني أحق بالتصديق والتأييد العالمي لأن الاحتلال “الإسرائيلي” هو إحلالي أما العدوان الروسي فسينتهي في وقت ما.
  3. المطالبة بحصة فلسطين من غاز البحر الأبيض المتوسط، فكما يمكن للسلطة الفلسطينية المطالبة بحصة الغاز في البحر المتوسط بالطرق الدبلوماسية، يمكن كذلك للمقاومة الفلسطينية المسلحة أن تضغط على الاحتلال، وذلك من خلال الضغط العسكري الذي يسند المطالبة الفلسطينية الدبلوماسية، تماماً كما هو التناغم الحادث في لبنان بين موقف الحكومة وموقف المقاومة المسلحة (حزب الله) في مطالبة دولة الاحتلال بالابتعاد عن حصة لبنان من الغاز في المنطقة المتنازع عليها.
  4. إيجاد مرجعية تفاوضية جديدة وكسر احتكار الولايات المتحدة الأمريكية ووساطتها في العملية السياسية بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، وهذا قد يؤدي إلى إيجاد حالة من التنافس بين روسيا والصين كقطب شرقي للعالم، والولايات المتحدة وأوروبا، وقد عبّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمة له، عقب إعلان الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” القدس عاصمة لدولة الاحتلال، عن عدم قبول أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً وحيداً في عملية السلام.
  5. اكتساب القدرة على التمثيل السياسي لقوى المقاومة الفلسطينية والاعتراف بهم من قبل روسيا، فالأخيرة تعترف بحركتي حماس والجهاد الإسلامي كقوتين مؤثرتين في القضية الفلسطينية، لا بل وأكثر من ذلك، فكلتا الحركتين لديهما ممثل رسمي في روسيا، على عكس الولايات المتحدة الأمريكية التي تضع الحركتين على قوائم الإرهاب.
  6. على المقاومة الفلسطينية استثمار قوة الحليف الإقليمي، وهنا نقصد إيران التي سارع الغرب إلى تهيئة الأجواء لاستعادة الاتفاق النووي معها ورفع العقوبات، آملاً من ذلك أن تقوم إيران بإنتاج النفط والغاز واستعادة التوازن في سوق الطاقة بعد تضرره نتيجة الحرب الروسية مع الغرب، وبذلك تكون إيران قد حازت على امتيازات جديدة وخففت من الحصار والعقوبات المفروضة عليها بما يضمن لها استمرار النفوذ السياسي والأمني في المنطقة، وهذا يتيح لإيران استمرار وتكثيف الدعم العسكري والمالي والأمني للمقاومة الفلسطينية، ما يدفع المقاومة لتطوير إمكاناتها وزيادة قوتها على الأرض.

 

توصيات

يعتمد حجم الاستفادة من هذه الفرص على حجم الإرادة السياسية، وامتلاك الأدوات المناسبة للضغط على المعنيين بتوفير الحقوق للشعب الفلسطيني بوصفه شعباً تحت الاحتلال، ويمكن الخروج بالتوصيات الآتية:

  1. التواصل الفعلي والسريع مع روسيا والصين كقائدتين للقطب الشرقي من العالم من أجل مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
  2. تكثيف العمل على نشر الرواية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني، وتوظيف إمكانات السفارات الفلسطينية من أجل تحقيق هذا الهدف.
  3. ضرورة توجه السلطة الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية لإدانة الاحتلال.
  4. يتوجب على المقاومة المسلحة الفلسطينية زيادة حجم مراكمتها للقوة واستغلال أي باب من أجل تطوير القدرات العسكرية والأمنية.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى