تحليلات

ما بعد عملية الخليل؟!

تقدير موقف

خاص– اتجاهات

 

أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية مساء الإثنين مقتل مستوطنة وإصابة مستوطن آخر في عملية إطلاق نار قرب مستوطنة كريات أربع جنوب الخليل، ليرتفع بذلك عدد القتلى الإسرائيليين منذ بداية العام الجاري إلى 35 قتيلاً ما بين جندي ومستوطن، وهو عدد يفوق عدد القتلى الإسرائيليين خلال العام الماضي كله، الأمر الذي دفع صحيفة يديعوت أحرونوت لوصف عام 2023 بأنه العام الأصعب من حيث عدد القتلى نتيجة العمليات الفدائية في الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية.

تأتي عملية الخليل في ضوء جملة من المتغيرات والتطورات شهدتها الضفة الغربية، كان أبرزها:

  1. تصاعد عنف المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية (اعتداءات وحرق ممتلكات وإطلاق نار.. إلخ)، الأمر الذي يشكل دافعاً للفلسطينيين لتنفيذ عمليات فدائية رداً على هذه الاعتداءات.
  2. تصاعد أعمال المقاومة في شمال الضفة الغربية، حيث جاءت العملية بعد أقل من يومين على عملية حوارة في نابلس التي قتل فيها اثنان من المستوطنين، وبعد أقل من أسبوعين على مقتل شرطي إسرائيلي وإصابة ثلاثة مستوطنين خلال عملية فدائية في وسط مدينة تل أبيب، نفذها فلسطيني جاء من قلب مخيم جنين.
  3. استمرار عمليات الاحتلال واقتحاماته المتكررة للمدن والمخيمات الفلسطينية؛ في محاولة لكبح تصاعد المقاومة في الضفة الغربية.

لقد كشفت عملية الخليل عن فشل الاحتلال في تحقيق عامل الردع، فبالرغم من إجراءات الاحتلال وعملياته المتكررة في مختلف مناطق الضفة الغربية خاصة في مدينتي جنين ونابلس، إلا أن عمليات المقاومة الفلسطينية المنطلقة من تلك المناطق لم تتوقف، ناهيك عن أن تصاعد المقاومة في شمال الضفة الغربية شكل حالة نضالية تحفيزية لمناطق أخرى، ما يعني فشل الاحتلال وإجراءاته في تحقيق عامل الردع.

من جهة أخرى جاءت عملية الخليل كتأكيد على استمرار المقاومة وتوسع انتشارها في جميع أنحاء الضفة الغربية من شمالها حتى جنوبها، لتفتح بذلك جبهة جديدة أمام جيش الاحتلال ومنظومته الأمنية، طالما حاول الاحتلال تحييدها أو عزلها عن الانضمام للحالة الثورية الفلسطينية المقاومة في شمال الضفة الغربية، من خلال إلهائها بالخلافات الداخلية والنزاعات العشائرية.

 

نجاح المقاومة الفلسطينية في إدخال منطقة الخليل في جنوب الضفة الغربية ضمن البؤر الساخنة والمتفجرة، إلى جانب جنين ونابلس في شمال الضفة الغربية، سيشكل التحدي الأمني الأصعب لدولة الاحتلال ومنظومته الأمنية، وذلك لعدة اعتبارات:

  1. طبيعة منطقة الخليل وحالة التداخل الكبيرة بين الفلسطينيين والمستوطنين، حيث يوجد في الخليل أكثر من 30 مستوطنة و20 بؤرة استيطانية، تضم أكثر من 25 ألف مستوطن، ومحاطة بعشرات الحواجز، ما يعني وجود أهداف كثيرة يسهل على المقاومين الوصول إليها إذا ما كان هناك قرار بتنفيذ عملية فدائية.
  2. تمثل الخليل مخزوناً بشرياً مؤيداً للمقاومة، وتحتوي على كميات كبيرة من الأسلحة التي سهّل الاحتلال وصولها لأيدي الفلسطينيين لإشغالهم في نزاعاتهم العشائرية هناك.

في ضوء ما سبق يخشى الاحتلال أن تشكل عملية الخليل مقدمةً لسلسة عمليات فدائية تشهدها منطقة جنوب الضفة الغربية خلال المرحلة القادمة، ما سيشكل تحدياً وتهديداً أمنياً كبيراً لدولة الاحتلال ومستوطنيه.

وعليه يبحث قادة الاحتلال سبل مواجهة تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية، في ظل أن التقديرات الأمنية تشير إلى أن عمليات المقاومة في الضفة الغربية خلال الفترة الماضية هي عمليات شبه منظمة تنفذها خلايا فلسطينية، بتمويل وتوجيه خارجي، ويشير الاحتلال بأصابع الاتهام إلى إيران وقوى المقاومة في غزة ولبنان، وهو ما صرح به نتنياهو وغالانت خلال تعليقهم على عملية الخليل، حيث جاءت تصريحاتهم على النحو الآتي:

  • رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال: “نحن في خضم موجة عمليات موجهة من إيران وأذرعها“.
  • وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، قال: “ما يجري من عمليات يتم بتمويل إيران وأذرعها التي تبحث عن أي طريقة لإلحاق الأذى بنا، سنتخذ عدة إجراءات لإعادة الأمن وكل الخيارات مطروحة“.

في ضوء ذلك تم عقد اجتماع للمجلس الوزاري المصغر “الكابينت”، وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم اتخاذ سلسلة من القرارات، أهمها “مهاجمة المقاومين ومن أرسلهم، وتم تفويض رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الجيش غالانت للتصرف في هذا الشأن”.

وفي إطار تعليقها على قرارات الكابينت كتبت صحيفة “يسرائيل هيوم”: “نتنياهو وغالانت فقط، هما من سيقوموا بتحديد الوقت ومتى ومن سيضربون، فالهدف من تفويض الكابينت لنتنياهو وغالانت بالتصرف بشأن أي عملية عسكرية هو المحافظة على عنصر المفاجأة على غرار ما حدث خلال عملية الدرع والسهم ضد الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وعملية البيت والحديقة في جنين”.

من جهته وجد زعيم حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان في قرارات الكابينت فرصة لمهاجمة نتنياهو وحكومته، واتهامهم بالرضوخ “للإرهاب”، حيث صرح قائلاً: “حكومة نتنياهو فقدت صوابها، ورئيسها نتنياهو يتبنى منذ عام 2018 سياسة الرضوخ لحماس، من يقود ويمول موجة العمليات في الضفة هي حماس في قطاع غزة، يوجد مقر في غزة مهمته التامة تعميق حالة الرعب للمستوطنين في الضفة الغربية، أما الوجه الآخر للموجة فهو صالح العاروري، المسؤول عن أنشطة الجناح العسكري في الضفة الغربية، إذا كان نتنياهو يهتم بمحاربة الإرهاب، عليه ضرب رأس الأفعى، أولئك الذين يعطون الأوامر ويحولون الأموال ويدعمون العمليات، العنوان واضح وهو حماس وقطاع غزة”.

 

التقدير:

  • إن تصاعد المقاومة في الضفة الغربية وتوسع انتشارها، يشكل تحدياً وتهديداً أمنياً كبيراً لدولة الاحتلال ومستوطنيه، سيسعى الاحتلال بكل السبل لإيقاف هذا التصاعد والتوسع.
  • من المتوقع أن يتركز سلوك الاحتلال لمنع تصاعد وتوسع المقاومة في الضفة الغربية في تكثيف عملياته الأمنية بما فيها الاغتيالات ضد النشطاء والمقاومين في الضفة الغربية، مع احتمالية تطور ذلك إلى شن عمليات عسكرية واسعة في مناطق محددة في الضفة الغربية تستهدف البنية التحتية للمقاومة في تلك المناطق، على غرار ما حدث في جنين.
  • بالرغم من توجيه اتهامات صريحة من قبل قادة الاحتلال لإيران وقوى المقاومة الفلسطينية في غزة ولبنان بالوقوف خلف تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية عبر التوجيه والتمويل، فإنه من غير المتوقع أن يقدم الاحتلال على إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى الدخول في مواجهة واسعة سواء مع حزب الله في لبنان أو مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إلا أن ذلك لا يلغي احتمالية قيام الاحتلال بتنفيذ عمليات أمنية في قطاع غزة تستهدف شخصيات ومراكز يرى الاحتلال أنها تقف وراء عمليات دعم وتوجيه المقاومة في الضفة الغربية، دون أن يقود ذلك إلى مواجهة واسعة.

 

 

للاطلاع على تقدير الموقف بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى