تحليلات

خيارات الاحتلال والمقاومة في ظل تعقد المشهد الأمني على الساحة الفلسطينية

خاص – اتجاهات

مقدمة

تعيش الساحة الفلسطينية حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، نتيجة لتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وضد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والممارسات الإرهابية اليومية التي يقوم بها المستوطنون وقادتهم من سرقة للأراضي الفلسطينية والاستمرار في نهج الاستيطان والاستيلاء على البيوت الفلسطينية وتنظيم الهجمات برعاية رسمية ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية والداخل المحتل، ناهيك عن الاقتحامات المتكررة لجيش وشرطة الاحتلال لمدن ومخيمات الضفة الغربية المحتلة وتنفيذ حملات الاعتقال والقتل الممنهج بحق الإنسان الفلسطيني.

نتج عن هذا الإجرام الإسرائيلي اشتداد حالة المقاومة في عموم الضفة الغربية، حيث قفزت المؤشرات إلى مستويات غير مسبوقة في تعداد العمليات ونوعيتها، بالإضافة إلى عدد غير مسبوق أيضاً من القتلى الإسرائيليين والإصابات، ناهيك عن توسع دائرة المقاومة لتشمل كل مساحة الضفة الغربية تقريباً، من جنين شمالاً حتى الخليل جنوباً، ومن أريحا شرقاً إلى طولكرم غرباً.

وما بين الفعل ورد الفعل، بدت الساحة الفلسطينية غير مستقرة، ما صاعد حجم التهديدات المتبادلة، فالاحتلال الإسرائيلي هدد بالتصريح والتلميح بنيته توجيه ضربة عسكرية لقيادات من المقاومة، تتهمهم بتوجيه وتمويل العمليات في الضفة الغربية من داخل فلسطين وخارجها.

أما المقاومة بدورها، فقد صاعدت من وتيرة عملياتها خلال الفترة الأخيرة، وأبدت استعدادها للتعامل مع تهديدات الاحتلال، بل إنها -أي المقاومة- تسعت لتشكيل ضغط على الاحتلال خلال فترة الأعياد اليهودية التي يريدها أن تمر بهدوء.

تستخدم المقاومة لتشكيل هذا الضغط الأمني على الاحتلال مجموعة من الأدوات، ففي غزة مثلاً، نشطت المسيرات الحدودية القريبة من السياج الأمني، أما في الضفة الغربية استمرت العمليات بأشكالها واتساع رقعتها، وفي المسجد الأقصى ومدينة القدس، يستمر الفلسطينيون في الرباط في المسجد الأقصى والتحشُّد حوله؛ لصد المستوطنين ومحاولاتهم تهويد المدينة.

أما الأداة الأهم بين كل هذه الأدوات، فتتمثل في التنسيق بين ساحات المقاومة في داخل فلسطين، ناهيك عن التنسيق المشترك بين ساحات المقاومة المختلفة، وهو ما يعطي زخماً أكبر لمقاومة الاحتلال، ويمثل رادعاً أمامه من الاستفراد بأي ساحة.

نناقش في هذه الورقة خيارات الاحتلال الإسرائيلي وخيارات المقاومة في التعامل مع التوتر المتصاعد في فلسطين:

أولاً: خيارات الاحتلال

يرى الاحتلال في تصاعد العمليات في الضفة الغربية أنها الخطر الحقيقي، حيث أن الضفة الغربية في نظر الاحتلال هي محور الصراع، وفيها يتمدد المشروع الاستيطاني ويكبر يوماً بعد آخر، وفيها أكثر من 750 ألف مستوطن يطمح قادة الاحتلال إلى زيادتهم إلى مليون في غضون سنوات قليلة.

لذلك، وبرغم تصاعد العمليات وقتلها أكثر من 36 مستوطناً وجندياً منذ بداية العام الجاري، إلا أن الاحتلال ومن خلال المستوى الأمني والعسكري لا يريد تصعيد رد الفعل ضد المقاومة وحاضنتها الشعبية، حتى لا يستفزها بتنفيذ عمليات أوسع، حيث يستمر الاحتلال وجيشه وأجهزته الأمنية بتنفيذ عمليات محدودة لا تستمر لأكثر من ساعات، يقتحم فيها المخيم أو المدينة ويعتقل أو يغتال النشطاء المطلوبين أو يداهم أماكن تخزين وتصنيع وما شابه، ثم ينسحب من مكان العملية بسرعة حفاظاً على جنوده وآلياته وتأكيداً على عدم استفزاز المقاومة بتنفيذ عمليات أكثر كما قلنا سابقاً.

أما في غزة، فيستمر الاحتلال بسياسة الحصار والتضييق المحسوب بمقدار محدد، دون أن يجبر المقاومة على الدخول في مواجهات عسكرية للمطالبة بتحسين الحياة في غزة، فيقوم تارة بمنع التصدير من غزة، وتارة يغلق معبر “إيرز” بوجه العمال الفلسطينيين بحجة الأعياد اليهودية، وبحجة “عدم توفر الهدوء على حدود قطاع غزة” في إشارة إلى المسيرات اليومية التي ينظمها شباب فلسطينيون غاضبون، وبدأ الجيش قبل يومين بقصف مراصد للمقاومة شرق قطاع غزة رداً على المظاهرات الحدودية.

إن السلوك الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، واعتماد نفس الخيارات وأدوات الضغط يؤكد عدم رغبة الاحتلال في التصعيد على أيٍ من الجبهات، في ظل تنامي قلقه من توحد أكثر من جبهة من جبهات المقاومة في حال اندلاع مواجهة معه.

ثانياً: خيارات المقاومة

تتبنى المقاومة الفلسطينية بالتوافق مع فصائل المقاومة في الإقليم، خياراً استراتيجياً، يتمثل في دعم وإسناد المقاومة في الضفة الغربية وتصعيدها، وذلك من خلال التمويل والتوجيه والتسليح، ناهيك عن السياسة الإعلامية وحالة الإسناد الشعبي.

لكن تصريحات قادة الاحتلال باغتيال قادة في المقاومة الفلسطينية، يتهمهم بتوجيه العمليات في الضفة الغربية من لبنان وغزة، دفع المقاومة في غزة إلى اعتماد خيارات تكتيكية بحيث لا تسحب البساط من تحت الحالة الثورية في الضفة الغربية، وبنفس الوقت، ترسل رسالة للاحتلال بأن المقاومة لن تسمح لإسرائيل بتوجيه أي ضربة لغزة أو قادة المقاومة الموجودين فيها.

لذلك، طبقت المقاومة خيار المظاهرات الحدودية، بحيث تشاغل الاحتلال الإسرائيلي وتضع أمامه مهددات أمنية تلفت أنظاره عن توجيه أي ضربة أو تنفيذ أي اغتيال في غزة، ويعبّر هذا عن قدرة المقاومة على إنتاج الخيارات وتوظيفها في الزمان والمكان والظروف المناسبة، بالرغم من أن الاحتلال يريد أن تكون المقاومة مأزومة في خياراتها ومحصورة في خيارين اثنين فقط، وهما إمام الصمت المطلق، أو الذهاب إلى عمل عسكري يكون مبرراً للاحتلال لتوجيه ضربة تدميرية كبيرة لقطاع غزة.

في المجمل، يمكن القول إن خيارات الاحتلال وخيارات المقاومة قد تم تبنيها من الجانبين بحذر شديد، تبعاً للرغبة العامة بعدم التوجه إلى تصعيد أمني في أيٍ من الجبهات (قطاع غزة، الضفة الغربية، الجبهة الشمالية)، نظراً لأسباب تخص كل طرف على حدا، ناهيك عن ترتيبات إقليمية يجري الحديث عنها في مجالات الطاقة والتطبيع، وبالتالي فإن الدول الإقليمية أيضاً تضغط لمنع التصعيد في المنطقة.

 

للحصول على نسخة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى