تحليلات

تطورات الحرب الروسية الأوكرانية

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية شهرها السابع، تطورت خلالها الأحداث وحملت العديد من التداعيات على مختلف النواحي، إلا أنه من الصعوبة بمكان تحديد مستقبل الأزمة بسبب طبيعتها المتغيرة في جانبها العسكري وأبعادها السياسية والاقتصادية.

ويعد هذا الإصدار هو الثالث ضمن سلسة إصدارات يناقش فيها المركز الأزمة الأوكرانية بأبعادها المختلفة، حيث عالج الإصدار الأول الحرب الروسية مع الغرب وفرص الاستفادة منها فلسطينياً، بينما عالج الإصدار الثاني تداعيات الأزمة الأوكرانية على الأطراف الفاعلة والمتأثرة بها وأبرز مكاسبها وخسائرها جراء الأزمة.

نناقش في هذا التقدير تطور الحرب الروسية على أوكرانيا من عملية عسكرية محدودة إلى أن أصبحت حرب استنزاف لأطرافها المختلفة، ونسعى لاستقراء السيناريوهات الممكنة لمستقبل الأزمة.

 

الحرب الروسية في أوكرانيا: التطور من عملية عسكرية محدودة إلى حرب استنزاف

مرت الحرب الروسية الأوكرانية بعدة مراحل، يمكن استعراضها على النحو الآتي:

  • شنت روسيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي ما أسمته “عملية عسكرية” في أوكرانيا، على خلفية سعى أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو، وقد سعت روسيا من خلال هذه العملية إلى إلحاق هزيمة عسكرية بالجيش الأوكراني، وفرض حصار كامل على العاصمة كييف يؤدي إلى إسقاط الحكومة الأوكرانية، ومن ثمَّ فصل أوكرانيا عن الغرب وإعادتها إلى دائرة النفوذ الروسي.
  • بدأت العملية بقيام القوات الروسية بشن هجوم واسع لتدمير المقدرات العسكرية الأوكرانية، تمهيدًا لحصار كييف وعدة مدن أوكرانية استراتيجية، لكنها لم تستطع تحقيق أهدافها بالسرعة المتوقعة، حيث نجحت المقاومة الأوكرانية – وبمساعدة سياسية وعسكرية واستخبارية من الغرب – في الحد من التقدم الروسي ومنع سقوط مدينتي كييف وخاركيف.
  • لم تنجح فكرة الحرب الروسية الخاطفة، فاعتمدت روسيا استراتيجية حرب الاستنزاف والتقدم البطيء، لتحقيق السيطرة على إقليم دونباس شرق البلاد والقطاع الجنوبي من أوكرانيا المحاذي لشبه جزيرة القرم، والذي يضمن استمرار سيطرة روسيا عليه.
  • صمدت الحكومة الأوكرانية في وجه الهجوم الروسي، الأمر الذي دفع الدول الغربية لتعزيز الدعم المقدم لها على الصعيد السياسي والعسكري والاستخباري، مستغلة الحرب لإنهاك وإضعاف روسيا في حرب استنزاف غير مباشرة.
  • أشارت الأحداث الأخيرة إلى تحقيق أوكرانيا نجاحات تكتيكية في المعارك الدائرة مع القوات الروسية، حيث نجحت في استعادة مساحات كبيرة نسبياً من أراضيها في إقليم خاركيف شمال شرق البلاد بالدرجة الأولى وفي إقليم خيرسون جنوب البلاد بالدرجة الثانية، حيث وُصِف الانسحاب الروسي من هذه المناطق بأنه “أسوأ هزيمة للقوات الروسية منذ إجبارها على العودة من أطراف العاصمة كييف في مارس/ آذار الماضي”، ومع ذلك لا تزال روسيا تسيطر على 20% من الأراضي الأوكرانية.
  • أعلن الرئيس الروسي التعبة الجزئية من قوات الاحتياط وكل من لديه خلفية عسكرية، وذلك بدءاً من يوم الأربعاء 21 سبتمبر 2022، ليعكس دخول مرحلة جديدة في الحرب الروسية الأوكرانية ورسالة تهديد للغرب وأكرانيا، بأن روسيا ماضية في معركتها لتأمين حدودها.

 

السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الأزمة

في ظل تطورات الحرب، فقد بات من الصعب على أطرافها المباشرة (روسيا/ أوكرانيا) وغير المباشرة (الغرب) التراجع، حيث:

 

بالنسبة لروسيا:

  • اتخذت روسيا قرار بدء الحرب، ولكن ليس من السهل عليها وقف هذه الحرب قبل إنجاز أهدافها، لأن ذلك سيشكل تراجعاً لنفوذ روسيا على الصعيد الدولي، كما سيشكل كذلك ضعفاً لحضور بوتين على الصعيد الداخلي.
  • تراهن روسيا على إيقاع خسائر فادحة بالأوكرانيين؛ لكسر إرادتهم في الاستمرار في المقاومة، كما تراهن روسيا أيضًا على أن تفضي الضغوط الاقتصادية المتعلقة بإمدادات الطاقة إلى انهيار وحدة الناتو وانقسام الموقف الأوروبي.
  • تسعى روسيا لتعزيز تحالفها مع الصين، في ظل التوتر الحاد في العلاقات الأميركية- الصينية بسبب مسألة تايوان، وتعزيز علاقاتها بالدول الفاعلة (تركيا والهند والسعودية وجنوب إفريقيا ودول الشرق الأوسط)، في محاولة منها لزعزعة الهيمنة الأمريكية كقطب عالمي واحد.

 

بالنسبة لأوكرانيا والدول الغربية:

  • الإمدادات العسكرية الغربية لأوكرانيا تشجعها على الصمود لدحر القوات الروسية أو على الأقل تحسين شروط التفاوض في المستقبل.
  • يراهن الغرب على أن الخسائر الروسية المتزايدة في ساحة الحرب، والعقوبات المالية والاقتصادية، ستُضعف نظام بوتين، وستقوض قدرات روسيا على مواصلة الحرب في المدى المتوسط.
  • تفرض القوى الغربية ضغوطًا مستمرة لمنع الصين من توفير دعم ملموس لروسيا، اقتصاديًّا وتقنيًّا وعسكريًّا.
  • تبذل الولايات المتحدة الأمريكية جهدًا مستمرًّا للحفاظ على وحدة حلف الناتو وتوسعته عبر انضمام السويد وفنلندا للحلف، فضلاً عن إقناع الحكومات الأوروبية بالخطر الاستراتيجي الروسي على مستقبل أوروبا واستقرارها.
  • عززت الولايات المتحدة من إنتاجها النفطي وتسعى لإقناع دول أوبك بضخ مزيد من النفط إلى السوق؛ للحفاظ على استقرار الأسواق ومساعدة أوروبا على تعويض مصادر الطاقة الروسية.

 

في ظل هذه المواقف والتوجهات، فإن مستقبل الأزمة قد يأخذ أحد السيناريوهات الآتية:

 

السيناريو الأول: توقف الحرب في مستوى زمني قريب

ويقتضي هذا السيناريو أن تتوقف الحرب الدائرة خلال فترة قريبة من خلال أحد الشكلين الآتيين:

  1. انتصار أحد طرفي الصراع:

حيث يتمكن أحد طرفي الصراع من تحقيق نصر عسكري على خصمه، وقد يأتي هذا النصر بأحد الأشكال الآتية:

  • أن تتمكن روسيا من تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في إسقاط حكومة زيلينسكي أو إجبارها على الاستسلام.
  • أن تتمكن القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب من إخراج القوات الروسية من الأراضي التي استولت عليها.

 

  1. التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار والدخول في مفاوضات لتسوية الأزمة:

حيث إن استمرار الحرب لفترة طويلة، دون تمكن أحد الطرفين من حسم المعركة لصالحه، سيدفع أطراف الصراع لقبول وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات بسبب التكاليف الباهظة للحرب.

لكن في ظل التطورات الأخيرة ودوافع الأطراف الفاعلة، فإن فرص تحقق هذا السيناريو محدودة خاصة في المدى الزمني القريب، ما يعني أن الأزمة مرشحة للاستمرار في العام 2023.

 

السيناريو الثاني: استمرار الحرب لسنوات

بحيث تسيطر حالة من الجمود العسكري على الأزمة، بدلاً من الاستمرار في المستويات الحالية من القتال، وألا يحقق أي من الجانبين تقدمًا حاسماً في ساحة المعركة، وسيكون ذلك الوضع أقل استقراراً من الهدنة والتسوية الدبلوماسية، لكنه أقل حدة من الحرب واسعة النطاق، وهو سيناريو مشابه للسيناريو الذي ظهر في دونباس في عام 2014.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى