تحليلات

أساليب الاحتلال لاغتيال المقاومين في الضفة الغربية ودلالاتها

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

أعلن رئيس وزراء حكومة الاحتلال تصفية “وديع الحَوَح” أحد قادة مجموعة “أسود العرين” خلال العملية التي شنتها قواته الليلة وصباح اليوم في مدينة نابلس وبلدتها القديمة تحديداً، فيما أعلن جيش الاحتلال أن قوات من الجيش و”الشاباك”، وقوات اليمام الخاصة التابعة لشرطة الاحتلال استهدفت شقة “سكنية” تستعملها “عرين الأسود” كمعمل لتصنيع المتفجرات بعد معلومات عن تواجد أعضاء من المجموعة فيها.

وقد أعلنت المصادر الطبية الفلسطينية استشهاد خمسة فلسطينيين، بينهم “الحَوَح” وعضو آخر من “عرين الأسود”، وإصابة العشرات بينهم عدة حالات خطرة.

تأتي هذه العملية بعد يومين من إعلان “عرين الأسود” أن الاحتلال اغتال أحد قادتها وهو “تامر كيلاني”، بعبوة ناسفة لاصقة في دراجة نارية وُضعت في أحد أزقة حارة الياسمينة في البلدة القديمة، وانفجرت عند مرور الشهيد بجوارها فجراً ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة استشهد على إثرها.

 

أساليب متعددة في الاغتيال

مع طريقة تنفيذ عملية اغتيال الشهيد تامر كيلاني، قبل يومين، تم استحضار الأسلوب القديم الجديد للاحتلال، وهو الاغتيال عن بعد باستعمال العبوات المتفجرة، وفيه يستعين الاحتلال بعملاء محليين أو وحدات خاصة تقوم بزرع العبوة ومن ثم وفي لحظة معينة لاحقاً يتم الضغط على الزر لتنفجر العبوة وتقتل الشخص المستهدف.

بعملية اليوم يعود الاحتلال إلى أسلوب آخر في الاغتيال، وهو إدخال وحدات خاصة من قواته بسرّية إلى داخل المدن والقرى الفلسطينية، متخفّية في عربات تحمل لوحات تسجيل فلسطينية، وذلك بهدف مباغتة المقاومين واغتيالهم، وهو ما جرى في عملية اغتيال الشهداء الثلاثة: أدهم مبروك (الشيشاني)، ومحمد الدخيل، وأشرف المبسلط، يوم الثامن من شباط/ فبراير الماضي 2022 في قلب نابلس وفي وضح النهار..

حيث تسلل جنود الاحتلال بزيهم وكامل عتادهم في سيارتين مدنيتين تحملان لوحات فلسطينية، اعترضتا سيارة الشهداء في حي المخفية بنابلس، ومن ثم قفز الجنود منهما وأمطروا سيارة الشهداء بوابل كثيف من الرصاص، وتأكدوا من قتل جميع من بداخلها، ثم انسحبوا بذات السيارات التي جاؤوا فيها دون أن يعترضهم أحد.

ولابد من الإشارة إلى أسلوب الاغتيال من الجو باستعمال الطائرات المسيّرة، حيث ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي أن رئيس أركان جيش الاحتلال أعطى الضوء الأخضر لقادة قواته في الضفة الغربية لاستخدام الطائرات المسيّرة المُسلّحة لتنفيذ عمليات اغتيال، وهذا الأسلوب لم يتم اللجوء إليه حتى الآن، على الأقل بحسب ما يأتي في بيانات المتحدثين باسم جيش الاحتلال.

 

الثمن بات كبيراً

لم يعتد الفلسطينيون في الضفة الغربية على أساليب الاغتيال المذكورة أعلاه خلال السنوات الأخيرة، فأسلوب اغتيال الشهيد تامر كيلاني لم يجر في الضفة الغربية منذ عملية السور الواقي، وأسلوب اغتيال الشهيد وديع الحَوَح يتم اللجوء إليه على فترات متباعدة، وأسلوب الاغتيال من الجو بواسطة الطائرات المسيّرة لم يتم العمل به حتى اللحظة وفق بيانات جيش الاحتلال، فكيف كان يتم اغتيال المقاومين؟

لقد اعتاد الفلسطينيون في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة على قيام جنود الاحتلال بعمليات القتل المباشر داخل مدن وقرى الضفة الغربية بشكل “صاخب”، حيث يتوغل الجنود على متن آلياتهم وجيباتهم المصفحة بأعداد كبيرة، ويقوموا بمحاصرة منازل يتواجد فيها المقاومون، وتندلع اشتباكات تنتهي باغتيال المستهدفين، ومن ثم ينسحب جنود الاحتلال وآلياتهم بعد أن يُوقعوا في الفلسطينيين قتلاً وإصابات وخسائر مادية..

وللأسف، يأتي هذا في سياق معتاد منذ سنوات، تعيشه مدن وقرى وبلدات الضفة الغربية، حيث تستبيح جيبات جيش الاحتلال وآلياته المصفحة الضفة الغربية يومياً لتنفيذ عمليات اختطاف واعتقال المواطنين الفلسطينيين، أو دهم مؤسسات ومنشآت أو حتى متاجر في قلب المدن والقرى، أو هدم مبانٍ ومنشآتٍ وخاصةً منازل منفذي العمليات الفدائية، وهذا كانت تعيشه مدن وقرى الضفة الغربية بشكل شبه يومي على الأقل، وكانت ترافقه مظاهر التصدي من شبانٍ بالحجارة.

إلا أن لجوء الاحتلال إلى الطريقة التي تم فيها اغتيال الشهيد تامر كيلاني وبعده الشهيد وديع الحوح يعطي دلالة واضحة على حجم التحديات التي بات يواجهها الاحتلال عند تنفيذه عمليات القتل بحق المقاومين الذين يلاحقهم ويسعى لاغتيالهم، حيث لم يعد يستطيع استباحة مدن وقرى الضفة الغربية كما كان يفعل سابقاً دون أن يرافق ذلك تصدي المواطنين لآلياته وجنوده، ودون اندلاع اشتباكات بين المواطنين العزل وجنوده المدججين بالسلاح والمحصنين داخل عرباتهم المصفحة، وغالباً ما تؤدي تلك الاشتباكات إلى إصابات وربما شهداء في صفوف الفلسطينيين، وإرباك في صفوف الاحتلال.

ويمكن القول إنه منذ بداية العام الجاري لوحظ ازدياد حالة التصدي لآليات وجنود الاحتلال المتوغلين في مدن وقرى الضفة الغربية، وتمثل ذلك بالتصدي الشعبي من قبل المواطنين والشبان خصوصاً، والذي تجاوز الرشق بالحجارة إلى الزجاجات الحارقة وغيرها، وصولاً إلى التصدي بالرصاص والعبوات المتفجرة من قبل المقاومين، وذلك بالتزامن مع بدء الاحتلال عملية “كاسر الأمواج” في نهاية آذار/ مارس الماضي.

 

الدلالات

  • تصاعد أعمال المقاومة في الضفة الغربية بالشكل الذي بات يُلحق خسائر وازنة لدى الاحتلال على عدة صعد: أمن واستقرار المستوطنين، سلامة وأمن الجنود والروح المعنوية لهم، صورة المؤسسة العسكرية والأمنية للاحتلال.
  • تصاعد المخاطر الأمنية التي تواجه قوات الاحتلال المقتحمة لمدن وقرى وبلدات الضفة الغربية، وتصاعد المعيقات في وجه هذه القوات أمام تحقيق أهدافها.
  • تصاعد روح المقاومة والتصدي في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية بشكل بارز، ما يدفع الجماهير الفلسطينية للتصدي لقوات الاحتلال وتشكيل عائق أمام قدرتها على تحقيق أهدافها.
  • أصبحت المقاومة مزاجاً شعبياً عاماً في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية بغض النظر عن الميول والتوجهات الحزبية والفصائلية، فترى كوادر من مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية يواجهون قوات الاحتلال جنباً إلى جنب مع عناصر من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، بالشكل الذي تجسدت فيه الوحدة الفلسطينية في الميدان.
  • ازدياد المؤشرات على عدم تمكن عملية “كاسر الأمواج”، التي أطلقها جيش الاحتلال قبل ستة أشهر، من كسر موجات المقاومة في الضفة الغربية، بل إن أمواج المقاومة تتمدد في شتى أنحاء الضفة الغربية.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى