تحليلات

الأهداف الأمنية الروسية من ضرب البنية التحتية الأوكرانية

خاص– اتجاهات

 

أعقب عملية تفجير جسر القرم منتصف شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي هجمات صاروخية روسية مركزة استهدفت البنية التحتية على طول الخارطة الأوكرانية بما فيها العاصمة كييف، وقالت وزارة الدفاع الروسية أن الهجمات تأتي رداً على استهداف جسر القرم الذي يربط شبه جزيرة القرم بالأراضي الروسية.

بدا الاستهداف الروسي المركّز للبنية التحتية الأوكرانية وكأنه مرحلة جديدة من العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا ضد أوكرانيا، مرحلة انتقل فيها الاستهداف من التركيز على الأهداف العسكرية فقط، إلى شمول الاستهداف لمراكز الخدمات والبنية التحتية، وهي المرحلة الأصعب على أوكرانيا حتى اللحظة، إذ أن ضرب البنية التحتية يعني شلّ حركة البلاد، وإدخال الأوكرانيين في أتون الصراع وتأثرهم مباشرة بالعملية العسكرية الروسية.

 

إن الاستهداف الروسي المركز ضد البنية التحتية في أوكرانيا يحمل في طياته أهدافاً ورسائل عديدة، أبرزها تلك الأهداف الأمنية التي تفرض نفسها كمؤثر قوي في سياق العملية العسكرية والصراع الروسي مع أوكرانيا ومن خلفها الغرب بشكل عام، ومن أبرز هذه الأهداف الأمنية:

 

1- تأكيد موسكو أنها لا تزال تمتلك زمام المبادرة في تثبيت قواعد الاشتباك في أوكرانيا بما يتيح لها البقاء في موقع الهجوم والتأثير لا موقع الدفاع، وهو الأمر الذي تريد موسكو من خلاله إبقاء العملية العسكرية داخل أرض العدو وعدم السماح بانتقالها إلى الأراضي الروسية، وهذا يحقق لها الأمن والتفوق والقوة في أي مفاوضات قادمة.

 

2- استهداف البنية التحتية الأوكرانية يشكل ضغطاً على المواطنين الأوكران، حيث أن الاستهداف يمثل مسّاً مباشراً بحاجات الأوكرانيين من ماء وكهرباء ومواصلات واتصالات وغيرها، وبما أن استهداف البنية التحتية يضغط على المواطنين الأوكران، فإنهم لن يصمدوا طويلاً، وسيسعون إلى تشكيل رأي عام ضاغط على النظام في كييف من أجل التفاوض مع الروس بأي شروط تنهي الحرب، سيّما وأن المساعدات الغربية لكييف ما زالت مقتصرة على الأسلحة، مع غياب واضح للمساعدات في إصلاح البنية التحتية المدمرة.

 

3- بناء محددات أمنية تساهم في رفع تكلفة استهداف المصالح الروسية، خصوصاً بعد استهداف جسر القرم كما أشرنا في بداية هذه الورقة، ومفاد هذه التكلفة أن روسيا ستلحق ضرراً كبيراً بكل من يعمل على استهداف المصالح الروسية.

 

4- الضغط على العالم في مجال الطاقة، وشرح هذا الهدف باختصار هو أن الروس يريدون تقديم أوكرانيا للعالم كنموذج حي لدولة بدون طاقة أو بنية تحتية، ما سيؤثر سلباً على كل مناحي الحياة، وهذا سيجعل الأوروبيين يخضعون للشروط الروسية من أجل الحصول على الطاقة حتى لا يصبحوا مثل أوكرانيا.

 

5- قطع الإمدادات الغربية لكييف، حيث عمدت القوات الروسية إلى توجيه ضربات صاروخية لمطارات مدنية وسكك قطارات وأنفاق يستخدمها الغرب في توفير الإمدادات العسكرية واللوجستية للقوات الأوكرانية وكتائب المرتزقة في أوكرانيا، كذلك استهدفت القوات الروسية أنظمة اتصالات تستخدمها القوات الأوكرانية للتواصل وتوفير معلومات من حلف النيتو والمخابرات الأمريكية والبريطانية وغيرها.

 

6- رسالة تفيد بأن الضربة القادمة ستكون لمراكز صنع القرار، حيث تدرجت موسكو في ضرباتها، أولاً: الأهداف العسكرية البحتة في أوكرانيا، وثانياً: البنية التحتية والخدماتية، في تأكيد أن المرحلة الثالثة من الاستهداف ستكون لمراكز صنع القرار، مثل القصر الجمهوري ووزارة الدفاع ومجلس الوزراء وغرف العمليات المركزية وغيرها، وهذا ما يبدو أن كييف قد فهمته.

 

7- التأثير بمسار المفاوضات المقبلة بين الروس والأوكران، بحيث أن هذه الضربات ستضعف الموقف الأوكراني وستضطره لتقديم تنازلات؛ أملاً في إنقاذ ما تبقى من الدولة والحياة في أوكرانيا.

 

ختاماً، إن ما تقدم ذكره من أهداف أمنية هو ما تسعى موسكو لتحقيقه من خلال الضربات التي وجهتها وما زالت للبنية التحتية الأوكرانية، والمرجّح هو أن الروس سيستمرون في توجيه هذه الضربات لتكون جزءاً أساسياً من بنك الأهداف الروسي في أوكرانيا، ومن أجل استمرار الضغط على كييف للقبول بتسوية تميل فيها الكفة السياسية والأمنية لصالح موسكو، سيّما مع دخول موسم الشتاء الذي سيكون له بالغ الأثر على المواطنين الأوكران وعلى النظام الحاكم في كييف.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى