تحليلات

فرص التصعيد بين حزب الله ودولة الاحتلال في ضوء أزمة ترسيم الحدود البحرية

خاص– اتجاهات

شهد العامان الأخيران مفاوضات بين لبنان ودولة الاحتلال بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية بهدف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وفي الإطار، أظهر لبنان اهتماماً كبيراً في الوصول إلى ترسيم حدودي يحفظ حقه في التنقيب عن الغاز والنفط، من أجل تخفيف الأزمة الاقتصادية في لبنان.

ترتكز المفاوضات إلى خط 23 وهو الخط البحري الممتد إلى الغرب بين لبنان ودولة الاحتلال مقابل رأس الناقورة ويتضمن هذا الخط مجموعة من الحقول النفطية والغاز أبرزها: كاريش، قانا، التي تريد دولة الاحتلال أن تؤول ملكية هذه الحقول إليها في عملية التفاوض، وهو ما يرفضه لبنان رسمياً وشعبياً.

أمام حالة الرفض اللبناني، والسعي “الإسرائيلي” لإنجاز المفاوضات بما يتناسب مع مطامعها في حقول الغاز والنفط سيّما مع وجود الوسيط الأمريكي المنحاز لدولة الاحتلال، نشبت أزمة بين لبنان ودولة الاحتلال أدت إلى تعطيل المفاوضات ودخول حزب الله بشكل فاعل على خط الأزمة، وهو ما جعل المنطقة مرشحة لمزيد من التوتر الموجود أصلاً، حيث هدد الحزب بتوجيه ضربة عسكرية لمنصة كاريش، معززاً تهديداته بخطوات ميدانية ورسائل إعلامية، جاءت على النحو الآتي:
• إرسال ثلاث طائرات مسيرة “استكشافية” إلى منصة كاريش، تم استهدافها وإسقاطها من قبل دفاعات جيش الاحتلال.
• نشر فيديو تضمن صوراً وإحداثيات لمنصة كاريش وسفن الحفر والإنتاج العاملة في الحقل، واستعدادات الحزب لاستهدافها بواسطة صواريخ موجهة من طراز “نور”.
• إطلاق أمين عام حزب الله حسن نصر الله تصريحات حول امتلاك الحزب قوة بحرية قادرة على استهداف وتعطيل العمل في منصة كاريش.

في ظل المعطيات السابقة، يمكن الوقوف على ثلاثة سيناريوهات متوقعة لمستقبل أزمة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال، وهي على النحو الآتي:

1. السيناريو الأول: فشل التوصل لاتفاق واحتمالية التصعيد
يفرض هذا السيناريو فشل الوساطة الأمريكية في التوصل لاتفاق بين لبنان ودولة الاحتلال بشأن تقسيم المنطقة البحرية بما يضمن حرية الدولة اللبنانية في التنقيب عن النفط في حدودها البحرية، وبالتالي قيام حزب الله بتوجيه الضربة التي هدد بها، وهو ما يعني استدعاء رد إسرائيلي ضد لبنان بناءً على حجم الضربة التي سيوجهها الحزب، والتي قد تفضي إلى شكلين من التصعيد، على النحو الآتي:
أ‌. تصعيد محدود مسيطر عليه في إطار الفعل ورد الفعل دون تطور الأمور إلى مواجهة مفتوحة.
ب‌. تدحرج الأمور وتصاعدها لمواجهة مفتوحة قد تتطور للسيناريو الذي تخشى منه دولة الاحتلال “حرب الشمال الأولى” تشترك فيها سوريا والمليشيات الإيرانية في الشمال والعراق.
يصطدم هذا السيناريو بعدة معضلات أساسية تعيق تحققه، وتمنع الأطراف الفاعلة من الذهاب نحو التصعيد، وهي على النحو الآتي:
• حالة الاضطراب التي يعاني منها لبنان في ظل تصاعد أزماته الداخلية، وعدم قدرته على تحمل تبعات حرب جديدة، ما سيشكل كابحاً أمام حزب الله في التوجه نحو التصعيد.
• الوضع السياسي داخل الكيان في ظل قرب الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين ثاني/ نوفمبر القادم، ناهيك عن نجاعة السياسة “الإسرائيلية” التي تنتهجها في مواجهة تهديدات حزب الله في الجبهة الشمالية.

2. السيناريو الثاني: التوصل لاتفاق، وإزالة حالة التوتر
يفرض هذا السيناريو نجاح مختلف الأطراف في التوصل لاتفاق بين لبنان ودولة الاحتلال بشأن تقسيم المنطقة البحرية، وبالتالي إزالة حالة التوتر القائمة.
يبقى هذا السيناريو مرتبطاً بموقف الدولة اللبنانية ومدى تعاطي حزب الله مع هذه الطرح؛ نظراً لتمسك لبنان بالخط 23، وهو الخط الذي ترفض دولة الاحتلال التنازل عنه، وقد اقترح الوسيط الأمريكي حلاً بترسيم خط متعرج يقسم المنطقة المتنازع عليها إلى قسمين، بحيث يأخذ لبنان ملكية حقل قانا، بينما تأخذ دولة الاحتلال ملكية حقل كاريش، لكن هذا الحل رفضه لبنان وحزب الله.

3. السيناريو الثالث: المماطلة والتسويف وإبقاء الأزمة تراوح مكانها، دون التوصل إلى حل
يعتبر هذا السيناريو هو الأرجح، حيث تسعى دولة الاحتلال بالتنسيق مع الوسيط الأمريكي لكسب مزيد من الوقت بدعوى وجود حكومة “إسرائيلية” انتقالية لا تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات سيادية تتنازل فيها عن بعض “حقوق إسرائيل المائية” وفق زعمهم، لكن هذا السيناريو ومع أنه مطبق في الوقت الحالي، إلا أن حزب الله قد وضع عامل الوقت كتحدٍ أمام الوسيط الأمريكي ودولة الاحتلال حتى منتصف سبتمبر القادم.
وإذا ما مضى هذا الوقت دون التوصل إلى اتفاق، فإن هذا يفتح المجال أمام العودة لحالة التوتر.

الخاتمة:
تعتبر مسألة ترسيم الحدود أحد المسائل العالقة منذ سنوات بين لبنان ودولة الاحتلال، وبالرغم مما تحمله في طياتها من مخاطر التصعيد في ظل تهديدات حزب الله واستعدادات الجيش “الإسرائيلي”، إلا أنها قد تشكل فرصة أمام الدولة اللبنانية للحفاظ على حقوقها المائية من خلال التوصل لاتفاق، أو على أقل تقدير عقد الوسيط الأمريكي “صفقات جانبية” مع لبنان تحسّن من أوضاعه المعيشية (الكهرباء، الغذاء، الوقود، السيولة النقدية، ..)؛ بهدف تسكين موقف الحكومة اللبنانية وبالتالي ضبط موقف حزب الله وعدم الذهاب نحو التصعيد.

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى