تحليلات

عملية “كاسر الأمواج”.. الامتدادات والمآلات

خاص– اتجاهات

مقدمة

منذ مطلع العام 2022 تصاعدت وتيرة العمليات التي استهدفت جيش الاحتلال “الإسرائيلي” والمستوطنات والمستوطنين، ووصلت ذروتها في آذار/ مارس الماضي، الذي شهد عدة عمليات مسلحة في الداخل المحتل أسفرت عن مقتل 11 “إسرائيلياً” وإصابة عدد آخر، وهو ما وُصِف “إسرائيلياً” بأنه جرأة وتطور خطير يستدعي رداً عاجلاً، فكان الإعلان عن بدء عملية عسكرية وأمنية تحت اسم “كاسر الأمواج”، تهدف إلى وقف العمليات وتوفير الأمن للاحتلال ولمستوطنيه ولجيشه، وبما أن مجمل العمليات التي حدثت في الداخل المحتل كان قد انطلق منفذوها من مدن الضفة الغربية وتحديداً مدينة جنين، كانت بداية عملية “كاسر الأمواج” من جنين.

 

امتدادات عملية “كاسر الأمواج”

عند الحديث عن عملية “كاسر الأمواج” والسلوك “الإسرائيلي” خلالها، لا يمكن فصلها عن سابقاتها من عمليات وأحداث، فيمكن القول بأن عملية الالتحام التي قام بها فلسطينيو الداخل المحتل مع الشرطة “الإسرائيلية” خلال عدوان أيار/ مايو 2021 في مدينة اللد وغيرها من المدن المحتلة، كانت قد أعطت المستوى الأمني “الإسرائيلي” إنذاراً بحالة الغليان التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وتفكير فصائل المقاومة بالربط بين الساحات الفلسطينية (غزة، الضفة، القدس، الداخل) لتوحيد جهود مقاومة الاحتلال، كان هذا التفكير قد بدأت ملامحه بالظهور سيّما بعد أن نجحت المقاومة في الرد على اعتداءات المستوطنين في مدينة القدس وحي الشيخ جراح في شهري نيسان/ إبريل و أيار/ مايو 2021 بقصف مدينة القدس بالصواريخ، ثم الدخول في معركة شاملة تركزت في قطاع غزة لكن تداعياتها استمرت في التمدد لتشمل الضفة الغربية والداخل المحتل، وتم ترجمة هذه التداعيات من خلال العمليات الفلسطينية المسلحة التي أثرت على أمن دولة الاحتلال.

 

عقب هذه العمليات قرر المستوى الأمني “الإسرائيلي” بدء عملية عسكرية وأمنية لمواجهة المقاومة وسلوكها، وبالتالي شملت العملية مجموعة عمليات “خاطفة وانتقائية” تمثلت في اعتقالات لمطلوبين، وتصفية لآخرين، وهدماً لمنازل وتضييق على حركة المواطنين، وكذلك اعتقال قيادات وازنة في فصائل المقاومة وتجميد حسابات مالية وتصنيف مؤسسات مدنية على أنها داعمة للإرهاب وحظر نشاطها في الضفة الغربية المحتلة..

 

ولم يقف الأمر عند الضفة المحتلة بل إن قطاع غزة كان له نصيب من العملية العسكرية، حيث أقدمت قوات الاحتلال على شن عملية عسكرية محدودة ضد قطاع غزة استهدفت خلالها حركة الجهاد الإسلامي، وتمكنت دولة الاحتلال من اغتيال اثنين من القادة المركزيين في التنظيم، وذلك بعد تهديدات أطلقها الجهاد الإسلامي ضد دولة الاحتلال قال فيها أنه سيرد على اعتقال مسؤوله البارز الشيخ بسام السعدي في مخيم جنين.

 

وبعد العدوان على غزة اشتدّت العمليات في الضفة المحتلة من طرف المقاومين الفلسطينيين حيث نقلت صحيفة معاريف عن ضابط “إسرائيلي” كبير قوله: “إطلاق النار من قبل المسلحين على القوات الإسرائيلية كان الأكبر منذ سنوات”، وبتنا نسمع عن عمليتين أو ثلاث عمليات في اليوم الواحد، ما دفع الاحتلال لتشديد ملاحقته للمقاومين، فاغتال القائد في كتائب شهداء الأقصى “إبراهيم النابلسي” والقائد في الذراع العسكري للجهاد الإسلامي “علاء زكارنة” من جنين.

 

وهنا برز أمام دولة الاحتلال تحدٍ من نوع آخر، يتمثل في بروز جيل جديد من المقاومين، شباب في مقتبل العمر يقودون العمليات ويتصدون للاجتياحات والتوغلات في مدن الضفة المحتلة، فقد أظهرت الإحصاءات أن كل منفذي العمليات سواء في الداخل المحتل أو في مدن الضفة الغربية هم في العشرينات من العمر، ما يعني أنهم ولدوا في ظل اتفاق أوسلو، وما يعني أيضاً أن هذا الجيل لم يخضع لعمليات كي الوعي وإغراءات “السلام الاقتصادي”، وهو ما يدلل على فشل سياسات الاحتلال في احتواء الشعب الفلسطيني على حساب قضيته وحقوقه.

 

مآلات عملية “كاسر الأمواج”

تشير المعطيات الميدانية أن حالة الملاحقة للمقاومين في الضفة الغربية المحتلة من خلال عملية “كاسر الأمواج” لم تفلح حتى الآن في وقف أو إضعاف حالة المقاومة المسلحة، وهو ما يشكل معضلة أمنية لدولة الاحتلال، لأجل ذلك كشفت القناة 12 “الإسرائيلية” في الخامس من آب/ أغسطس الماضي أن “المناقشات تضمنت إمكانية شن عملية عسكرية واسعة في جنين كونها منبع العمليات الإرهابية، لكن المعضلة أن هناك تخوف من تصاعد وتيرة العمليات في مدن الضفة”.

 

لكن يبدو أن هناك إصراراً “إسرائيلياً” على مواصلة العملية العسكرية الأمنية “كاسر الأمواج”، وهذا ما صرح به رئيس الوزراء دولة الاحتلال “يائير لابيد” حينما قال: “كل من يريد إيذاءنا يجب أن يعلم أنه سيدفع ثمن أي ضرر يلحق بمدنيينا، ولن يجد مكان للهرب إليه”.

 

وأمام حالة الإصرار “الإسرائيلية”، تدخل على الميدان متغيرات جديدة تكشف للمرة الأولى وجود لاعبين داعمين للعمل المقاوم، فقد صرّح قائد الحرس الثوري الإيراني “حسين سلامي” بأن “عملية تسليح الضفة تجري حالياً مثلما تسلحت غزة”، وهو ما يدلل على وجود حالة تنسيق وربط بين الساحات المختلفة داخل فلسطين، وتنسيق عالي المستوى بين أقطاب ما يعرف بــ “محور المقاومة”، وهو ما يفرض تحديات أمنية كبيرة أمام دولة الاحتلال، بجانب التحدي الأهم كما أسلفنا، وهو بروز جيل جديد يؤمن بالعمل المقاوم لاسترداد الحقوق بالرغم من الإغراءات “الإسرائيلية”.

 

خاتمة

يمكن القول بأن عملية “كاسر الأمواج” بالرغم من شدتها وكثافتها، إلا أنها لم تنجح حتى اللحظة في تحقيق الأمن للاحتلال ولمستوطنيه ولجيشه، ولعل أكثر ما يدلل على ذلك هو ازدياد عمليات المقاومة وتركزها في نابلس وجنين، وظهور جيل جديد مؤمن بضرورة المقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه، ولم يتأثر بعمليات كي الوعي وإغراءات “السلام الاقتصادي”.

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى