دراسات

مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني

مواقف الأطراف الفاعلة والسيناريوهات المتوقعة لمستقبل الاتفاق

 

خاص– اتجاهات

مقدمة:

جرت مؤخراً جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بوساطة أوروبية، في محاولة لإعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والدول الغربية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد انسحاب بلاده من الاتفاق في مايو 2018.

تركزت هذه الجولة حول مسودة اتفاق قدمها الوسيط الأوروبي للطرفين الإيراني والأمريكي، والتي تتضمن رفع العقوبات الاقتصادية تدريجيا عن طهران (الإفراج عن جزء من أموالها المجمدة، السماح لها بتصدير النفط)، مقابل تراجعها عن خطواتها النووية.

وقد جرى الحديث عن تقدم سريع وغير متوقع في هذه الجولة، في ظل تأكيد واشنطن قرب التوصل إلى اتفاق وحديثها عن استعداد طهران للتنازل عن قضايا رئيسية، ووصف طهران لمسار المفاوضات بالإيجابي على الرغم من تأكيدها أن لديها خطوطاً حمراء.

تناقش هذه الورقة مواقف أهم الأطراف الفاعلة والسيناريوهات المتوقعة لمستقبل الاتفاق النووي.

أولاً: مواقف أهم الأطراف الفاعلة

سنرصد هنا مواقف أهم ثلاثة أطراف فاعلة في الأزمة، وهي على النحو الآتي:

  1. الموقف الإيراني:

تسعى إيران للتوصل لاتفاق يحقق لها عدة أهداف، أبرزها:

  • رفع العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة ترامب بعد انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، والتي ألحقت أضراراً غير مسبوقة بالاقتصاد الإيراني، وفي هذا السياق تطالب إيران بإزالة كافة العقوبات بما فيها تلك المفروضة على الحرس الثوري، فضلاً عن تقديم ضمانات بعدم الانسحاب من الاتفاق مجددًا.
  • تجنب التعرض لإدانة دولية من خلال تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن نشاطاتها النووية في ثلاث مواقع([1])، وتطالب بإنهاء التحقيق بشأنها ومنع تسييسه، لأن أي إدانة بهذا الشكل سيترتب عليها عقوبات بقرارات دولية وليست أمريكية فقط.
  • الاحتفاظ بالتكنولوجيا النووية مع استعدادها لتقديم ضمانات بشأن سلمية برنامجها النووي، عبر العودة لالتزاماتها تجاه مراقبة برنامجها النووي من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقد اعتمدت إيران في إدارة أزمة الاتفاق النووي على الاستراتيجيات الآتية:

  • الضغط على الطرف الآخر من خلال تقييد نشاطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة المنشآت الإيرانية، وتخفيض الالتزام الإيراني بشأن نشاط المنشآت النووية (رفع نسب التخصيب، تفعيل أجهزة الطرد المركزي، …).
  • تخفيض التوتر مع دول الجوار (المحادثات السعودية- الإيرانية بوساطة عراقية، عودة السفير الإماراتي لطهران، سعي إيران للتفاوض مع مصر والأردن، تخفيف حدة التوتر في المناطق الساخنة: مياه الخليج واليمن والعراق).
  • تعزيز قدراتها العسكرية والعملياتية لمواجهة التهديدات الموجهة ضدها (التموضع الإيراني في سوريا، مناورات عسكرية، …).
  • تعزيز تحالفاتها مع الصين وروسيا في ظل خلافاتهما مع الولايات المتحدة والغرب، وذلك من خلال عقدها اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الصين والتفاوض مع روسيا لعقد اتفاق مماثل، فضلاً عن انضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون([2]) وسعيها للانضمام لمجموعة بريكس([3]).
  • تعزيز حضورها الإقليمي عبر تعزيز علاقاتها مع تركيا وقطر.

لكن في ظل مواقف الأطراف الأخرى والتطورات الإقليمية والدولية، فإن خيارات إيران تتمثل في الآتي:

  • التوصل لاتفاق جيد يمنحها الفرصة لتجاوز العقوبات المفروضة عليها وتداعياتها الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بتحرير أصولها المالية المجمدة واستعادة حصتها في سوق النفط والاستفادة من أزمة النفط المترتبة على الأزمة الأكرانية، مقابل تقديم ضمانات تلبي مطالب الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة.
  • قد تفرض نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر القادم، مزيداً من القيود على الإدارة الأمريكية مع تعاملها مع إيران، وبالتالي قد تفقد إيران الفرصة الحالية في حال عدم التوصل لاتفاق جيد.
  • في المقابل أصبح وضع إيران أفضل في ظل الصراع الروسي الغربي واحتدام التنافس الأميركي الصيني، كما أن تعزيز علاقاتها بروسيا والصين سيتيح لها طرقا جديدة للتهرب من العقوبات الأميركية، الأمر الذي يعزز رفض إيران لأي اتفاق سيئ.
  • لا تستطيع إيران تحمل المسؤولية عن إفشال المفاوضات، لأن ذلك سيؤدي إلى فرض عقوبات دولية أكبر وإضعاف اقتصادها، علاوة على ارتفاع احتمالات نشوب صراع عسكري.

 

  1. الموقف الأمريكي:

كانت العودة للاتفاق النووي المبرم عام 2015 هي أحد الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي جو بايدن، لكن الواقع الذي فرضته تطورات الأحداث (تأثير عقوبات ترامب ضد إيران، موقف الكونغرس خاصة مع قرب انتخابات التجديد النصفي، مواقف حلفاء الولايات المتحدة خاصة “إسرائيل”، التطبيع)، دفع الإدارة الأمريكية للسعي لتحقيق الأهداف الآتية:

  • تحسين اتفاق عام 2015 وفرض مزيد من الالتزامات على إيران وتعزيز مراقبة نشاطاتها النووية من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
  • جدولة رفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب ضد إيران على القطاعات الاقتصادية والمالية والنفطية، بما يتناسب مع مستوى الالتزام الإيراني بتطبيق القيود على برنامجها النووي، والسعي لإبقاء بعض تلك العقوبات، خاصة التي تستهدف الحرس الثوري.

وقد اعتمدت الولايات المتحدة في إدارة أزمة الاتفاق النووي على الاستراتيجيات الآتية:

  • عزل إيران سياسياً والضغط عليها اقتصادياً عبر مواصلة فرض عقوبات ترامب والتهديد بفرض عقوبات جديدة، لدفع إيران للقبول باتفاق نووي جديد.
  • مراقبة النشاط النووي الإيراني سواء من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو من خلال العمل الاستخباري.
  • التأكيد على دعم وحماية “إسرائيل”، ودعم حربها الاستخبارية ضد إيران لكن دون الوصول لحالة الصدام المباشر.
  • العمل على بناء تحالف أمني شرق أوسطي مضاد لإيران، يضم “إسرائيل” وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (خاصة السعودية والإمارات)، وذلك من خلال تسريع وتيرة التطبيع مع تجاهل القضية الفلسطينية.

لكن في ظل مواقف الأطراف الأخرى والتطورات الإقليمية والدولية، فإن خيارات الولايات المتحدة تتمثل في الآتي:

  • استمرار المفاوضات تزاماً مع إدارة الضغوط على إيران، للدفع باتجاه التوصل لاتفاق يضمن تقييد نشاطات إيران النووية ويبقي القيود على الحرس الثوري الإيراني، ويحقق لإدارة بايدن جملة من الإنجازات (ضبط التوتر في المنطقة بما يتيح لها التركيز على صراعها مع روسيا والصين، تعزيز سوق النفط، طمأنة حلفائها خاصة “إسرائيل”، رافعة في انتخابات الكونغرس القادمة).
  • التوصل إلى حل وسط أو اتفاقات جزئية أو مؤقتة- على الرغم من أوجه القصور- يعتبر أفضل من الواقع الذي تصبح فيه إيران دولة نووية، وأفضل من اللجوء للخيار العسكري.
  • في حال تعثر المفاوضات، ستتفادى الولايات المتحدة الإعلان رسمياً عن فشل المفاوضات([4])، وستدخل مرحلة مفاوضات أخرى وضغوط جديدة على إيران، لأن فشل المفاوضات سيفرض على واشنطن تبني خيارات بديلة للتعامل مع إيران، وأبرزها الخيار العسكري، وهو أمر يبدو أنه غير متاح حالياً في ظل تركيزها على الصراع مع روسيا والصين، علاوة على تداعيات هذا الخيار على المنطقة و”إسرائيل”.
  • التلويح بخيار القوة العسكرية ضد إيران إن لم تفلح الجهود الدبلوماسية، كنوع من الضغط على إيران وطمأنة لحلفائها بشأن عزمها منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وهو ما أكد عليه الرئيس الأمريكي بايدن خلال زيارته لدولة الاحتلال في يوليو الماضي بأن “إدارته ستُبقي خيار القوة العسكرية على الطاولة ضد إيران إن لم تفلح الجهود الدبلوماسية معها”.

 

  1. الموقف “الإسرائيلي”:

تسعى “إسرائيل” للتأثير على مجريات المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني وعلى صورة الاتفاق النهائية، وذلك لتحقيق عدة أهداف، أبرزها:

  • منع إيران من امتلاك تكنولوجيا نووية يمكنها استخدامها للحصول على سلاح نووي يخل بالتفوق “الإسرائيلي” في هذا المجال.
  • إخضاع البرنامج النووي الإيراني- في ظل عدم القدرة على إنهائه- لرقابة دولية صارمة تضمن محدوديته.
  • منع إيران من استخدام الاتفاق في تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية ومعالجة أزمتها الاقتصادية.
  • تضمين الاتفاق قيوداً على نشاط إيران الإقليمي وبرامجها التسليحية خاصة الصواريخ البالستية.

وقد اعتمدت “إسرائيل” لتحقيق ذلك على الاستراتيجيات الآتية:

  • مواجهة خطر البرنامج النووي الإيراني من خلال استراتيجية “القتل بألف جرح”، والتي تعتمد على عمليات استخبارية داخل وخارج إيران تهدف إلى الكشف عن البرنامج النووي وإعاقته وتحييد الشخصيات المؤثرة فيه، لكن مع تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران.
  • ضرب وإضعاف “أذرع إيران في المنطقة” (التموضع الإيراني في سوريا، حزب الله، اليمن، العراق، المقاومة الفلسطينية) عبر جهود أمنية وعسكرية.
  • التحريض ضد إيران وشيطنتها والعمل على تجييش الولايات المتحدة والعالم والإقليم ضدها.
  • تكثيف التواصل والتنسيق مع الإدارة الأمريكية للتأثير على موقفها تجاه مفاوضات الاتفاق النووي، ودفعها نحو مزيد من التشدد تجاه إيران.
  • تكثيف جهود التطبيع بدعم أمريكي، من خلال استغلال تخوفات بعض الدول من النفوذ الإيراني، والسعي لتكوين تحالف إقليمي تقوده “إسرائيل” ضد إيران.
  • التنصل من أي التزامات تجاه أي اتفاق نووي مع إيران لا يراعي مطالبها، والتأكيد على أن خياراتها مفتوحة للحفاظ على أمنها([5])، واستمرار التلويح بالخيار العسكري على الرغم من التحديات التي تقف أمام فرص نجاحه علاوة على التداعيات التي يحملها هذا الخيار.

لكن في ظل مواقف الأطراف الأخرى والتطورات الإقليمية والدولية، فإن خيارات “إسرائيل” تتمثل في الآتي:

  • التوصل لاتفاق يمكن أن تعتبره “إسرائيل” جيداً بالنسبة لها هو أمر يعني اتفاقاً سيئاً بالنسبة لإيران (استسلام)، وهو أمر من المستبعد حدوثه في ظل التفاعلات العالمية.
  • استمرار السياسات “الإسرائيلية” في مواجهة “الخطر الإيراني”، وسيكون ذلك مجالاً للتنافس الانتخابي في انتخابات الكنيست القادمة.
  • ممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية عبر الطرق الدبلوماسية وتجييش الكونغرس الأمريكي وحلفائها في المنطقة، من أجل التشدد حيال إيران.
  • استمرار التلويح بالخيار العسكري مع تجنب اللجوء إليه، في ظل ضعف فرص نجاحه في تحييد البرنامج النووي الإيراني علاوة على مخاطره على “إسرائيل”.

 

ثانياً: السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الاتفاق النووي

في ظل هذه المعطيات، فإن مستقبل الاتفاق النووي يتمحور حول واحد من السيناريوهات الثلاثة الآتية:

  • السيناريو الأول: فشل المفاوضات نهائياً

ويتمثل هذا السيناريو بتمسك كل من الولايات المتحدة وإيران بمواقفهما وشروطهما للتوصل لاتفاق جديد، بالقدر الذي يؤدي إلى فشل المفاوضات بشكل نهائي.

إن هذا السيناريو يؤدي إلى رفع مستوى التوتر والتصعيد الذي قد يصل لعمل عسكري في المنطقة، الأمر الذي يحمل عدة تداعيات سلبية على الصعيد الإقليمي والدولي، أهمها:

  • الأضرار التي ستلحق بإيران ومنطقة الخليج بالدرجة الأولى.
  • ستكون “إسرائيل” هدفاً رئيسياً للرد من قبل إيران وحلفائها سواء بصورة تقليدية أو غير تقليدية.
  • أزمات اقتصادية ونفطية عالمية.
  • احتمالات تطور الصراع إلى صراع دولي في ظل تصاعد حدة التوتر بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا.

لذلك فإن هذا السيناريو يعتبر هو الأضعف، وستسعى كافة الأطراف لتجنب الوصول إليه.

  • السيناريو الثاني: نجاح المفاوضات

ويتمثل هذا السيناريو بجسر الهوة بين مواقف الطرفين، ونجاح الوساطات في التوصل لاتفاق جديد، يضمن لكلاهما الحدود المقبولة من المكاسب.

إن هذا السيناريو يعتبر الأفضل على الصعيدين الإقليمي والدولي، فهو يحد من احتمالات الخيار العسكري وتداعياته، لكنه يواجه عدة تحديات، أهمها الموقف “الإسرائيلي”، واحتمالات تراجع أمريكي جديد (عرقلة الكونغرس المرتقب لتنفيذ الولايات المتحدة لالتزاماتها برفع العقوبات، تراجع رئيس جمهوري جديد عن الاتفاق).

  • السيناريو الثالث: استمرار أمد المفاوضات

ويتمثل هذا السيناريو ببقاء نقاط خلافية قائمة بين الطرفين، مع تجنب كلاهما الإعلان عن فشل المفاوضات، والتوجه نحو مزيداً من جولات التفاوض أو التوصل لحلول وسطية واتفاقيات جزئية مؤقتة، كرفع بعض القيود على بيع النفط الإيراني مقابل عودة إيران عن بعض النشاطات النووية (نسب التخصيب، عودة المراقبة الدولية، …).

إن هذا السيناريو لا يقدم حلاً للأزمة بل يطيل أمدها، لكنه يتجنب تداعيات سيناريو الفشل وما يحمله من مخاطر (ارتفاع فرص الخيار العسكري).



الهوامش

([1]) هي ثلاثة مواقع غير مدرجة ضمن منشآت برنامج إيران النووي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عُثر فيها على آثار يورانيوم مخصب، وأجرت الوكالة تحقيقاً بشأنها وأعدت تقريراً يتهم إيران بعدم تقديم توضيحات مقنعة، ما دفع إيران لاتهام الوكالة بتسييس القضية.

([2]) منظمة شانغهاي للتعاون: هي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية، تشكلت من الصين وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان منذ تأسيسها عام 1996، وضمت أوزبكستان عام 2001، والهند وباكستان عام 2017، وإيران عام 2021، وتعتبر تكتلاً دولياً مقابلاً للتكتلات الغربية.

([3]) مجموعة بريكس: هي تكتل اقتصادي يضم الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، تشكلت عام 2009 من أربعة دول هي: البرازيل وروسيا والهند والصين، تضمنت قمة تأسيسها الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، وانضمت لها جنوب أفريقيا عام 2010.

([4]) الرئيس الأميركي كان قد وضع ملف الاتفاق النووي الإيراني ضمن أولوياته الانتخابية، وسيعتبر فشل المفاوضات هو فشل لسياسة بادين الخارجية، في ظل اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفية للكونغرس في نوفمبر القادم.

([5]) صرح رئيس الحكومة “الإسرائيلية” يائير لابيد بأن: “توقيع الاتفاق لن يلزم إسرائيل، وستفعل كل ما في وسعها لحماية أمنها، سنحارب الاتفاق بكل قوة، ولكن من دون الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة”.

للحصول على الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى