تحليلات

استراتيجيات دولة الاحتلال في مواجهة إيران

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

اتبعت دولة الاحتلال عدداً من الاستراتيجيات لمواجهة التهديدات الإيرانية في ظل تصاعد وتنوع تلك التهديدات، إلى جانب استمرار المحاذير التي تحول دون توجّه دولة الاحتلال لمواجهة عسكرية شاملة مع إيران؛ حيث تحاول دولة الاحتلال الإبقاء على حالة ضابطة في التوتر مع إيران، بالتوازي مع تكثيف جهودها في مواجهة الخطر الإيراني.

نسلط الضوء في هذه القراءة التحليلية على أهم تلك الاستراتيجيات، والسياقات التي برزت خلالها، ونرصد انعكاساتها على عمل المنظومة الأمنية والمشهد الداخلي في دولة الاحتلال.

 

أولاً: استراتيجيات دولة الاحتلال في مواجهة إيران

انتهجت دولة الاحتلال عدة استراتيجيات في مواجهة الخطر الإيراني، وهذه الاستراتيجيات ليست من ابتداع الحكومة الحالية ولكنها جاءت تطوراً لسلوك وسياسات الحكومات المتعاقبة، ومن أبرز هذه الاستراتيجيات التي كُشف عنها بشكل رسمي:

◊ استراتيجية “القتل بألف جرح”

كَشَف عن هذه الاستراتيجية رئيس وزراء دولة الاحتلال السابق “نفتالي بينت” خلال لقائه بالرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارته الأولى للبيت الأبيض بتاريخ 27/8/2021؛ في مُحاولة من قبل الاحتلال آنذاك للتأثير على مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة في ظل توجهها لإعادة إحياء الاتفاق النووي ومعارضة دولة الاحتلال لذلك.

وعلى الرغم من أن إعلان “بينت” عن استراتيجية “القتل بألف جرح” كان في التاريخ المشار إليه أعلاه، إلا أن الناظر لطبيعة الأحداث بين دولة الاحتلال وإيران يرى أنه تم العمل بهذه الاستراتيجية قبل هذا التاريخ، وليس أدل على ذلك من عديد العمليات التي أقدمت عليها دولة الاحتلال خلال السنوات الأخيرة.

ترتكز استراتيجية “القتل بألف جرح” على تنفيذ عدة مهام وإجراءات أمنية، بهدف مواجهة الخطر الإيراني من خلال اغتيال شخصيات فاعلة، وتنفيذ عمليات أمنية داخل إيران، وتوجيه ضربات لـ “أذرع إيران”، وغير ذلك من المهام والإجراءات الأمنية بدلاً من الدخول في مواجهة عسكرية كبيرة وبشكل مباشر مع إيران.

وهذا ما ذكره الإعلام العبري، فقد نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن “مسؤولين إسرائيليين” أن الاستراتيجية التي قدمها بينت إلى بايدن تتضمن مواجهة إيران “من خلال مجموعة طويلة من الإجراءات الصغيرة على عدة جبهات عسكرية ودبلوماسية، بدلاً من توجيه هجوم عسكري دراماتيكي وواسع النطاق”، كما نقل “باراك رفيد” المعلق السياسي في موقع “واللا” عن “مسؤول إسرائيلي” قوله إن خطة بينت تمثّل “الموت بألف جرح” عبر “قائمة طويلة من الأنشطة الصغيرة بوسائل متعددة بدلاً من شن حملة عسكرية تقليدية”.

 

◊ استراتيجية “رأس الأخطبوط”

هي استراتيجية أعلن عنها “نفتالي بينت” قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، خلال كلمة ألقاها في مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في عام 2018، موضحاً أنه يجب على الحكومة (حكومة نتنياهو وقتها) أن تعمل وفق هذه الاستراتيجية.

واستدعى “بينت” هذه الاستراتيجية حينما كان وزيراً للدفاع في حكومة نتنياهو، ففي فبراير 2020 أعلن بينت خلال لقاء انتخابي عن تشديد استراتيجية دولة الاحتلال ضد إيران وانتقالها إلى استراتيجية استهداف رأس الأخطبوط بدلاً من خوض حروب جديدة في غزة ولبنان، قائلا: “لا أتحدث بالضرورة عن حرب شاملة بيننا وإيران غداً” مشبهاً ذلك بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وحمّل إيران المسؤولية عن 70% من المشاكل الأمنية التي تواجهها دولة الاحتلال، وذلك من خلال تدريب وتمويل جماعات مثل حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة و”حزب الله” في لبنان.

وعندما أصبح “بينت” رئيساً للوزراء أعلن عن هذه الاستراتيجية بشكل رسمي بتاريخ 7/6/2022، خلال اجتماعه بلجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست.

تتمحور استراتيجية “رأس الأخطبوط” حول وجوب تدمير الرأس المسبب للأخطار والمتمثل في إيران، وليس فقط استهداف “الأذرع” التي تتعافى مع مرور الوقت، ويقصد الاحتلال بالأذرع كلاً من: حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، والمجموعات الشيعية في العراق، وحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

 

ثانياً: سياقات رافقت الكشف عن استراتيجيات دولة الاحتلال في مواجهة إيران

جاء الكشف عن استراتيجيات دولة الاحتلال في مواجهة إيران تزامناً مع بروز عدد من التطورات المتفاعلة مع هذا الملف، أبرزها على النحو الآتي:

• تطورات محاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني: خاصةً مع قدوم إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، وتبنيها للمسار الدبلوماسي في التعاطي مع ملف إيران النووي (إعادة إحياء الاتفاق النووي)، حيث برزت العديد من المواقف “الإسرائيلية” التي اعتبرت أن الموقف الأمريكي يستدعي بذل دولة الاحتلال جهوداً لمواجهة التهديدات الإيرانية والتأثير على الموقف الأمريكي تجاه إيران ومستقبل الاتفاق النووي.

• سلوك إيران في مواجهة دولة الاحتلال: والذي برز في العديد من محطات التوتر مع دولة الاحتلال من خلال ارتفاع مستوى الرد الإيراني على سلوك دولة الاحتلال عبر تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية، أبرزها:

  • تنفيذ هجمات سيبرانية ضد منظومات “إسرائيلية”، منها منظومة “مترو تل أبيب” في تموز/ يوليو الماضي، وقبلها “سلطة المطارات” في حزيران/ يونيو الماضي، وفيه أيضاً أدى هجوم سيبراني إلى انطلاق صافرات الإنذار في عدد من أحياء القدس وإيلات.
  • قصف صاروخي استهدف موقعاً “إسرائيلياً” في أربيل العراقية في آذار/ مارس الماضي، رداً على مقتل ضابطين من الحرس الثوري في قصف طائرات الاحتلال لموقع قرب العاصمة السورية دمشق.
  • سقوط صاروخ قرب مفاعل “ديمونا”، أُطلق من الجنوب السوري في الوقت الذي كانت تهاجم فيه طائرات “إسرائيلية” مواقع لجماعات تابعة لإيران قرب العاصمة دمشق في نيسان/ إبريل 2021.

• بروز تهديدات إيران وحلفائها في المنطقة: وخاصة على صعيد تهديد الطائرات المسيّرة الذي برز بشكل واضح من خلال استهدافات جماعة الحوثي للأراضي السعودية، فضلاً عن “حرب الناقلات” التي شهدتها منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر، والتموضع الإيراني في سوريا، وتصاعد التوتر مع حزب الله، وبروز الحديث عن إمكانية دخول دولة الاحتلال في مواجهة متعددة الجبهات.

• تكثيف جهود التطبيع مع دولة الاحتلال: حيث وظّفت دولة الاحتلال المسألة الإيرانية (تهديدات إيران تجاه دول المنطقة) في دفع عجلة التطبيع العربي معها، وصولاً للحديث عن مشاورات/ إجراءات لتشكيل “تحالف عربي مُشترك”، وهو مدفوع برغبة “إسرائيلية” ورعاية أمريكية لأغراض هجومية ودفاعية.

 

ثالثاً: انعكاسات الاستراتيجيات على عمل المنظومة الأمنية في دولة الاحتلال

إن سلوك دولة الاحتلال في مواجهة التهديدات الإيرانية جاء متوافقاً بشكل ضمني مع الاستراتيجيات المُشار إليها أعلاه، وذلك على النحو الآتي:

  • ضرب حلفاء إيران في المنطقة:

شرعت دولة الاحتلال في العمل على إضعاف حلفاء إيران في المنطقة، من خلال تركيز جهودها الأمنية في مواجهة التهديدات التي تشكلها الجبهة الشمالية بشكل رئيس، سوريا ولبنان، إلى جانب الجبهات الأخرى ذات الارتباط بإيران (العراق، اليمن)، فضلاً عن الجهود في التأثير على المُقاومة في قطاع غزة، حيث تسعى دولة الاحتلال إلى إعاقة جهود إيران في تعزيز حلفائها، وذلك من خلال قطع طُرق الإمداد العسكري، واغتيال الشخصيات الفاعلة.. إلخ.

  • عمليات مركزة داخل إيران:

عكفت دولة الاحتلال على تنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية داخل الأراضي الإيرانية، حيث استهدفت خلالها مُقدرات إيران النووية والعسكرية، إلى جانب تنفيذ عمليات اغتيال انتقائية ومركزة ضد الشخصيات الإيرانية الفاعلة، مع مراعاتها تجنب الظهور في واجهة تلك الاستهدافات، وبشكل يراعي رد الفعل الإيراني.

 

رابعاً: استراتيجيات دولة الاحتلال لمواجهة إيران وتطورات المشهد الداخلي “الإسرائيلي”

حظي ملف التعامل مع إيران بحالة من الإجماع داخل دولة الاحتلال، حيث يلاحظ خفوت المزايدات بين القوى والأحزاب فيما يتعلق بالملف الإيراني، عدا عن تكثيف جهودها لإبراز قدراتها في التعاطي مع الملف الإيراني، في مُحاولة لتسويق نفسها انتخابياً.

وبعد حل الكنيست والدعوة لإجراء انتخابات مُبكرة؛ فإن دولة الاحتلال دخلت في مرحلة حكومة انتقالية يرأسها زعيم حزب “يش عتيد” يائير لبيد، ويتولى خلالها “نفتالي بينت” ملف إيران، وهو ما يعني استمرار دولة الاحتلال في العمل وفق هذه الاستراتيجيات خلال الفترة الانتقالية، وارتفاع احتمالات تصاعد هذا العمل، في ظل سعي أقطاب الائتلاف الحاكم الحالي لتعزيز حظوظهم الانتخابية.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى