تحليلات

اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال.. الحاجات والدوافع

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

بعد سنوات من الشد والجذب والتوتر في أزمة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال، ودخول الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط على خط الأزمة، أعلنت الرئاسة اللبنانية أنها تسلمت من الوسيط الأمريكي مسودة نهائية للاتفاق، كما وأكد رئيس حكومة الاحتلال “يائير لابيد” أن حكومته تسلمت هي الأخرى المسودة النهائية للاتفاق، وأبدى كل من لبنان ودولة الاحتلال تفاؤلهما بقرب الحل وسط أجواء وُصفت بأنها إيجابية.

نقدم في هذه القراءة التحليلية قراءة في الحاجات والدوافع التي دفعت الطرفين للذهاب إلى التفاوض وصولاً إلى مسودة الاتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بينهما التي قدمها الوسيط الأمريكي، كما ونقرأ في فرص نجاح الاتفاق.

 

أولا: الحاجات والدوافع اللبنانية

الحاجات والدوافع الاقتصادية: حيث إن لبنان يعاني من أزمة مالية خانقة، وأزمات متعمقة في الطاقة والكهرباء وغيرها من الأزمات التي أنهكت الدولة، وجعلتها تنظر إلى اتفاق ترسيم الحدود وتقاسم الثروات النفطية في البحر بعين الاهتمام؛ لأن الاتفاق في حال تطبيقه سيسمح للبنان باستخراج النفط والغاز من حقل “قانا” واستخدام هذا النفط في سد العجز اللبناني من الطاقة، وكذلك سيسمح باستخدام النفط أو الغاز في توليد الكهرباء وهو الأمر الذي سيساهم في تفكيك الأزمة في لبنان، وإذا ما تمكن لبنان من استخراج المزيد من النفط والغاز فوق حاجته المحلية فإنه سيعمل على بيعه في الأسواق العالمية، مما يزيد دخل الدولة ويساهم في تسديد الديون.

الحاجات والدوافع السياسية: والتي تتمثل في محافظة لبنان على سيادته ومنع دولة الاحتلال من السيطرة على حقوق لبنان في البحر وثرواته، مع الحرص على استمرار حالة العداء تجاه دولة الاحتلال والامتناع عن التطبيع معها، وما يدلل على ذلك هو أن لبنان يسعى إلى الموافقة على المقترح الأمريكي دون إبرام اتفاق مع دولة الاحتلال، إنما من خلال الموافقة على العرض الأمريكي فقط.

وللتوضيح هنا، فبالرغم من وقوف لبنان في موقف الندية مع دولة الاحتلال ومطالبته بحقوقه في البحر والثروات، إلا أنه ما زال ساعياً إلى تحقيق مبدأ “النأي بالنفس” عن الصراعات والأحلاف، وهو المبدأ الذي يحاول لبنان من خلاله الحصول على حقوقه بالطرق السلمية دون التنازل عن المبادئ أو الانحياز لطرف دون آخر، فهو يريد الحصول على حقه في الغاز دون الدخول في حرب مع دولة الاحتلال.

 

ثانياً: الحاجات والدوافع “الإسرائيلية”

الحاجات والدوافع الاقتصادية: إن حاجة دولة الاحتلال للنفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان ليست لسد العجز في الطاقة كما هي حاجة لبنان، إنما لتسويق النفط والغاز إلى الأسواق العالمية في ظل أزمة الطاقة العالمية التي تأثرت بها مجمل الدول الأوروبية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وهي تسعى لأن تكون لاعباً مهماً في سوق الطاقة العالمي.

الحاجات والدوافع السياسية والأمنية: وتتمثل في النقاط الآتية:

  • تعمل “إسرائيل” بصفتها دولة احتلال على السيطرة على مزيد من الثروات ومصادر الطاقة والمناطق بحراً وبراً من أجل زيادة قوتها، وإضعاف الدول العربية المجاورة وبالأخص غير المطبعة معها.
  • تحرص دولة الاحتلال في سياستها الخارجية، وكأي دولة في العالم، على السيطرة على البحار والممرات المائية لزيادة نفوذها وصيانة أمنها القومي.
  • محاولة التأثير على تماهي لبنان مع إيران في مسائل الطاقة ومسائل أخرى تزيد من قوة حزب الله، وبهذا فإن دولة الاحتلال تعمل على تحييد قوة حزب الله وتأثيره في المشهد اللبناني.
  • دفع لبنان إلى التطبيع مع دولة الاحتلال، وهذا ما صرح به الوسيط الأمريكي أن “إمكانية التسوية الشاملة بين إسرائيل ولبنان كبيرة بعد التوقيع على الاتفاق”.
  • منع الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع حزب الله.
  • من أهم الحاجات والدوافع أيضاً بالنسبة لحكومة الاحتلال الحالية هي أن قادتها (يائير لابيد وبيني غانتس) سيستخدمون هذا الاتفاق في التسويق لأنفسهم في انتخابات الكنيست المزمع عقدها في بداية تشرين ثان/ نوفمبر المقبل.

 

ثالثاً: فرص نجاح اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان ودولة الاحتلال

عند الحديث عن إمكانية نجاح الاتفاق من عدمه، يمكن القول ومن خلال استقراء مواقف الأطراف – بما فيهم الوسيط الأمريكي – أن الجميع معنيٌ بإنجاح الاتفاق، وهذا ما عبّر عنه عدد من المسؤولين “الإسرائيليين” واللبنانيين عندما تحدثوا عن أجواء إيجابية بخصوص مسودة الاتفاق.

كما يتوجب علينا عند تقييم فرص النجاح استعراض خصوصيات كل طرف في الاتفاق وفقاً للحاجات والدوافع التي فصلنا فيها أعلاه، ويضاف إليها دوافع الوسيط الأمريكي، والتي يمكن شرحها فيما يأتي:

  • الرغبة الأمريكية في عدم توجه لبنان شرقاً حيث الصين وروسيا كما يريد حزب الله.
  • إثبات أن حل الأزمات العالمية لايزال بيد الولايات المتحدة الأمريكية.
  • تطبيق عملي للتوجهات الأمريكية القائلة بأن “النفط أولاً”، وأن أي إشكاليات أو صراعات – دون النفط – يجب أن تُحل من أجل مصلحة الحصول على النفط.

 

إن فرص نجاح الاتفاق تتوقف على مدى الحاجة للاتفاق بين الطرفين، والمصلحة الأمريكية في ذلك، ويمكن القول بأن كلاً من لبنان ودولة الاحتلال معنيان بإنجاح الاتفاق؛ نظراً للمكتسبات التي سيحققها كل منهما، وهذه المكتسبات تم الحديث عنها عند استعراض الحاجات والدوافع سابقاً..

فلبنان سيحقق مجموعة من الفوائد من الاتفاق: الفوائد الاقتصادية وقد فصلنا فيها، والفوائد السياسية المتمثلة في الحفاظ على الحقوق المائية ومنع الاحتلال من السيطرة عليها وأن ذلك تم دون الاضطرار إلى الدخول في عملية تطبيع مع الاحتلال أو حتى الدخول في حرب معه، ويضاف إليها النموذج التفاوضي الذي أظهره لبنان والذي جمع بين قوة المقاومة (حزب الله) وبين المستوى الرسمي للدولة.

أما دولة الاحتلال فستحقق هي الأخرى مجموعة من الفوائد الاقتصادية والسياسية والأمنية كما تم شرحها، ونود التأكيد هنا على أحد أبرز هذه الفوائد وهو أن دولة الاحتلال، وبتأثير من الجيش، قد عملت على تجنب وقوع حرب مباشرة مع حزب الله، وبناءً على ما سبق فستعمل دولة الاحتلال على إنجاح هذا الاتفاق حتى وإن تم التعديل عليه بشكل أو بآخر، إلا أن هناك مُهدداً متمثلاً في احتمالية وصول “نتنياهو” إلى رئاسة الحكومة بعد انتخابات الكنيست المزمع عقدها في بداية تشرين ثان/ نوفمبر المقبل، حيث أنه وعد بإلغاء الاتفاق حال وصوله إلى سدة الحكم.

 

ختاماً، إن المرجح هو تحقق الاتفاق بين لبنان ودولة الاحتلال، خصوصاً وأن البدائل هي بدائل كارثية وقد تدخل المنطقة في أتون صراع في ظل حالة استقطاب إقليمية ودولية، وهذا ما لا يرغبه أحد في هذا الظرف العالمي الحساس.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى