آراء

أسرلة المناهج وفرض التهويد في مدينة القدس

بقلم أ. فاطمة أبو نادي

 

التعليمُ في القدس يعاني ملاحقةً دائمةً من قبل ما يسمى بدائرة المعارف “الإسرائيلية”، ويتم فرضَ قيود مشددة على تطوير القطاع التعليمي، ثمة مشكلة كبيرة يعاني منها طلاب القدس؛ وهي أن وازرة المعارف والبلدية تهدف إلى تطويع وصهر وعي الطلاب، وتحاول أن تعيدَ صياغة الذاكرة الجمعية، وخلق حالة التناقض لدى الطلبة في مدينة القدس فيما يخص حقوقهم وانتمائهم؛ “إسرائيل” تتشعب في قراراتها وسيطرتها بالنظام التعليمي منذ سنة 1967، أي بُعَيد حرب النكسة بالتحديد قبل 54 عام بدأ التدخل والفصل “الإسرائيلي” في النظام التعليمي، طبعاً بدأت “إسرائيل” تأخذ قرارات وتتفاوض عن صاحب الحق والأرض، وفصلت بين الجانبين فكان عدد السكان بعد النكبة عام 1948 في الضفة الغربية حوالي 600 ألف، وفي غزة 350 ألف؛ وضعت الحواجز لتصّعب الحياة عليهم في محاولة منها للفصل بين شقي الوطن.

 

التوظيف القانوني كمدخل لسلطات الاحتلال في التعليم

بدأت إجراءاتهم الأولية للفصل والتدخل في التعليم، كما ذكرتُ سابقا بُعَيد حرب النكسة 67، النظام التعليمي في الضفة الغربية يتّبع المناهج الأردنية، أما في غزة يتّبع المناهج المصرية، “إسرائيل” في البداية تركت الأمر كما هو مع التسلل الخفي والتدريجي، تحت الإطار القانوني، فكان المدخل لسلطات الاحتلال “المجلس التنفيذي اليونسكو” لتذليل الصعوبات، حيث ألغت 78 كتاب من أصل 121 كتاب من قِبل وزارة التربية والتعليم الأردنية، فبدأت “إسرائيل” تتواصل مع المنظمات الدولية وعدد من الدول من أجلِ التدخل بشكلٍ أكبر من خلال سحب الكتب التي من شأنها أن تضُر بمصلحتها، كما لجأت إلى سياسة اعتقال المعلمين والطلاب، وإغلاق الجامعات والمدارس، وأيضاً أصدرت الأوامر والقوانين تحت الغطاء القانوني، بعد تولي الحاكم العسكري سلطة وزير التربية والتعليم بموجب الأمر العسكري رقم (91) بتفويض ضابط الجيش “الإسرائيلي” مع كامل الصلاحيات التي يمارسها وزير التعليم، وعملت على خلق المفارقات بين الضفة الغربية، وقطاع غزة في التعليم.

 

الانتهاكات “الإسرائيلية” لنظام التعليم في مدينة القدس

في عام 2002 تزامنت الانتهاكات مع بناء جدار الفصل العنصري في عهد حكومة “أرئيل شارون” والتي تمثلت في الحد من بناء المدارس في مدينة القدس من أجل التضيق على سكان المدينة، نتيجة لذلك عبّر المقدسيون عن عدم رضاهم عن قصور اتفاق أوسلو 1993، كحل فلسطيني – “إسرائيلي” مرحلي، وعدم معالجته لوضعية القدس والمواطن المقدسي، كون هذه الاتفاقيات لم‌ تعطهم‌ الاهتمام ‌والمكانة المطلوبة في إطار المرحلة الجديدة وتحدياتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أدى ذلك إلى ‌تعميق سياسات ‌الأسرلة‌ للمجتمع‌ المقدسي على كل الأصعدة، التي ظهرت بوضوح في الحياة اليومية للمواطنين الذين بات كثيرون منهم مُرغمين على السير في قوالب الأسرلة، لتسيير شؤون حياتهم في ظل تركهم وحيدين يصارعون احتلالاً متغطرساً، وبدا ذلك واضحاً في زيادة إقبالهم على تعلم اللغة العبرية، ‌و‌‌زيادة‌ عدد ‌‌الطلاب ‌الملتحقين ‌بالجامعات “‌الإسرائيلية”، أما عن أولويات السلطة في الميزانية المقررة لتعليم في القدس فلا تكاد أن تُذكر، وهي موجودة بشكل خفي حتى لا تعاقب “إسرائيلُ” السلطة.

تعاظمت المحاولات “الإسرائيلية” بحق المدينة المقدسة بعد القرار الأمريكي الذي اتخذته إدارة “ترامب” القاضي بالاعتراف “بالقدس” عاصمة موحدة لدولة الاحتلال في عام 2017 ونقله للسفارة الأمريكية إلى القدس عام 2018 خطوةٍ غير قانونية؛ ويبدو أن القرار فتح شهية رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” ، للمضي قدما في سياسته العنصرية اتجاه القدس من خلال مصادقة الحكومة على قانون جديد يقوم على أساس القومية “إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي”، إلى جانب ما أكدت عليه رأى محللين وسياسيين آخرين أنه قانون غير مسبوق كونه يُقر أن دولة الاحتلال وطن قومي للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير يقتصر على اليهود دون غيرهم.

 

ميزانية “إسرائيل” اتجاه أسرلة التعليم في القدس

رصدت حكومة الاحتلال في العام 2018، في إطار خطتها الخمسية، ما يقارب 68.7 مليون شيكل لدعم مؤسسات تربوية تُدرّس المنهاج “الإسرائيلي”، و57.4 مليون شيكل لتطوير وصيانة المدارس التي اختارت المنهاج “الإسرائيلي”، و67 مليون شيكل لاستئجار بنايات جديدة لهذه المدارس، إضافة إلى 15 مليون شيكل للتعليم التكنولوجي المتطوّر، في خطوة تشكل عنصراً تحفيزياً للمدارس الفلسطينية التي تعاني وضعاً صعباً، لحثها وتشجيعها على الانتقال من المنهاج الفلسطيني إلى “الإسرائيلي”، وكل ذلك بما يخدم السيطرة على مضامين المناهج الفلسطينية، كأحد مكونات الوعي الوطني في مواجهة الاحتلال، ولتحويل المقدسيين إلى مجرد “‌أناس ‌يحملون‌ هوية‌ قومية‌ مشوهة”،‌ من‌ خلال‌ إعادة‌ صياغة‌ وعيهم‌ بما‌ يتلاءم ‌مع‌ مصالح ‌الدولة‌ اليهودية.

 

“إسرائيل” تغيب الهوية الفلسطينية وتسعى لليهودية في المنهاج

سعت “إسرائيل” من خلال أسرلة التعليم إلى طمس الهوية والنضال الفلسطيني، ومحاولة تهويد المدنية المقدسة من خلال اختراق العقول بأفكار منهجية جديدة في التعليم ووضع أفكار مغلوطة حول الهوية والأرض سعت فيها لغسيل الأدمغة الفلسطينية في القدس من خلال استخدام عبارات تسعى من خلالها أن تؤجج فيها أفكار الصهيونية، وطمس النضال الفلسطيني والقومية العربية وإلغاء جذوره على الأرض، ومحاولة فرض التعايش وفرض تقبل الطرف الآخر، هناك عبارات استخدمتها “إسرائيل” في المناهج “الإسرائيلية” ومنها:

(الحقيقة): دافع أجدادنا عن البلاد دفاعاً مجيداً، (التزييف): حافظ أجدادنا على القيم سنحافظ عليها

(الحقيقة): كم رجل قدم نفسه فداء للوطن،      (التزييف) : كم رجل تسرع في كلامه فندم

كل هذه العبارات التي تعزز روح الانتماء بالوطن لدى الطالب تحاول “إسرائيل” إخفاء الحقيقة.

كذلك من ضمن عبارات التزييف:

“القدس عاصمة إسرائيل هي أكبُر مدينةٍ في إسرائيل من حيثُ عدد السكان، إذ يعيش فيها حوالي 700 ألف نسمةٍ من اليهود والعرب وهي تقع في جبال يهودا، القدي هي عاصمة إسرائيل وفيها المؤسسات الهامةُ التي تديرُ شؤون الدولة: الكنسيت، الوزارات، المحكمةُ العُليا وغيرها”.

كل هذه المساعي بشكل واضح تثير الاشمئزاز، لأن “إسرائيل” تسعى لسلخ الطلّاب المقدسيين عن هويتهم، قومتيهم العربية، ونزعة الانتماء للأرض، وقطع شريان الدم النابض لحب الوطن والقدس وهويته وعروبته، ونسيان أن القدس “عاصمة فلسطين”؛ لكن مهما فعلت “إسرائيل” تبقى كل مخططاتها مرفوضة، وستبقى القدس عاصمة فلسطين الأبدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى