آراء

جدار القوانين العربية في وجه التطبيع

 

أ. ساري سعد

باحث ومختص بالقانون الدستوري والنُظم السياسية

عكف بعض النواب العرب الذين تنادوا في برلماناتهم لصد التطبيع بجدار القوانين ليضعوا سياجاً قانونياً يمنع الحكومة أو رجالات الدولة من الذهاب إلى هذا المضمار، وجاء ذلك في ظل هرولة بعض الأنظمة العربية خلف التطبيع مع دولة الاحتلال “الإسرائيلي” رغم الرفض الشعبي لهذه الدول بالسير في مسار التطبيع، وجاء عام 2022 بدايةً بالعراق حيثُ ذهبت لإقرار قانون ضد التطبيع مروراً بسلطنة عمان التي عدلت قانون مقاطعة “إسرائيل” ووسعته ليشمل كل المجالات وسأتطرق في هذا المقال للنموذجين: (العراق، عُمان).

 

أولاً: الجمهورية العراقية

كان النواب العراقيون أول المنادين بصياغة قانون وإقراراه من قبل البرلمان العراقي ينص على تجريم التطبيع مع “إسرائيل”، وتقدمت به كتلة إنقاذ الوطن والتي تعتبر أكبر تحالف سياسي في العراق، والذي يضم كلاً من: تحالف السيادة (سُني)، والحزب الديمقراطي الكردستاني (كردي)، والتيار الصدري (شيعي)، ويمتلك 175 مقعداً في البرلمان من أصل 329 مقعد.

فيما تم نشر “قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني” رقم (1) لسنة 2022م، في الجريدة الرسمية لجمهورية العراق والتي تصدر عن وزارة العدل العدد (4860) 19 ذو القعدة 1443هـ/ 20 حزيران 2022م السنة الثالثة والستون.

• تجريم عراقي سابق للتطبيع:

تجدر الإشارة إلى أن العراق قد جرمت في قانون العقوبات العراقي سابقاً إقامة أي علاقة مع الكيان، وجاء هذا القانون الجديد لقطع الطريق أمام كل من يريد إقامة العلاقات مع “إسرائيل” مستنداً على أساس سابق له في قانون العقوبات العراقي وبالتحديد المادة (201) والتي تنص على أنه: “يعاقَب بالإعدام كل من حبّذ أو روَّج مبادئ الصهيونية وضمن ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها أو ساعدها مادياً أو أدبياً أو عمِل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها”.

• قانون تجريم التطبيع الجديد يصل بالعقوبة للإعدام:

أقر مجلس النواب العراقي بالإجماع مقترح قانون “تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني”، والذي ينص على عقوبات تصل حد الإعدام ويهدف إلى “منع إقامة العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية أو أية علاقات من شكل آخر مع الكيان الصهيوني المحتل”، وتسري نصوص القانون على العراقيين سواء داخل البلاد أم خارجها، كما تسري على “حكومات الأقاليم ومجالسها البرلمانية ودوائرها ومؤسساتها كافة” (المادة 2 من القانون). كذلك يشمل الشركات الخاصة والشركات والمؤسسات الأجنبية والمستثمرين الأجانب العاملين في العراق.

• ترحيب شعبي وحكومي بالقانون الجديد:

تبع إقرار القانون ترحيب من النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي حاكم الزاملي قائلاً: “إن هذا القانون الذي حظي بإجماع المصوتين يمثل انعكاسًا حقيقيًا لإرادة الشعب، وقرارًا وطنيًا شجاعًا، وموقفًا هو الأول من نوعه على مستوى العالم من حيث تجريم العلاقة مع الكيان الصهيوني، ودعا البرلمانات العربية والإسلامية لإصدار تشريعات مماثلة تلبي تطلعات شعوبها”.

ونُظمت وقفة شعبية وسط بغداد في ساحة التحرير دعماً للتشريع الجديد ورفع المشاركون شعارات ضد التطبيع وضد “إسرائيل”، وكما رفعوا أعلام العراق وفلسطين.

 

ثانياً: سلطنة عُمان

في ظل التزامن مع موجة التطبيع “الإسرائيلية” العربية بالرعاية الأمريكية التي بدأت قبل عامين، يبرز السؤال هل يمكن لعُمان التراجع للخلف لصالح الانجرار وراء التطبيع مع دولة الاحتلال مع أنها كانت سبّاقة لتجريم التطبيع منذُ عام 1972م؟

حيثُ إن حكومة “يائير لابيد” (الحكومة “الإسرائيلية” السابقة) قد أرسلت رسالة مكتوب لسلطنة عمان لإعادة النظر في فكرة تطبيع العلاقات بينهما، وكان هناك تسريب إعلامي من قناة i24NEWS بأنه جرى لقاء على هامش قمة المياه بين وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي مع مسؤول “إسرائيلي”.

• تجريم عماني سابق:

أقرت سلطنة عُمان سابقاً قانون مقاطعة “إسرائيل” رقم 9 لسنة 1972م النافذ بتاريخ 29/6/1972، والذي صدر باسم السلطان الراحل قابوس بن سعيد والمكون من (13) مادة.

• تعديل قانوني يقضي بتوسيع التجريم:

لعل ما ذكرته أعلاه من ضغوط “إسرائيلية” على الحكومة العُمانية ورسائل لها من دولة الاحتلال هو ما دفع النواب في مجلس الشورى بسلطنة عمان إلى إحالة مشروع قانون تعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة “إسرائيل”، والذي يوسع من نطاق المقاطعة ويفضي إلى توسّع في التجريم ويشمل المجالات الرياضية، والثقافية، والاقتصادية، ويحظر القانون بصيغته المعدلة التعامل مع “الكيان الصهيوني”، سواء للأفراد أو الشخصيات الاعتبارية إضافية لحظر العلاقات، والتواصل الوجاهي أو الإلكتروني مع دولة الاحتلال على جميع أطياف المجتمع العماني.

• دوافع وأسباب:

تأتي هذه الخطوة بعد الضغط “الإسرائيلي” على سلطنة عمان للسماح لشركات الطيران باستخدام أجوائها مروراً إلى الشرق الأوسط، حيثُ سبق وأن قررت المملكة العربية السعودية فتح أجواءها للطائرات “الإسرائيلية”، حيثُ يبقى قرار المملكة العربية السعودية لا جدوى منه طالما تغلق سلطنة عمان أجواءها في وجه شركات الطيران “الإسرائيلية”.

• تناغم مواقف بين مجلس الشورى والحكومة:

جاءت تصريحات الحكومة العمانية على لسان وزير الخارجية متناغمة مع ما صدر عن مجلس الشورى من إقرار تعديل لقانون مقاطعة “إسرائيل” حيث عبر وزير الخارجية العماني “بدر بن حمد البوسعيدي” عن احترامه لقرار مجلس الشورى بالبلاد، والذي وسع تجريم التطبيع مع دولة الاحتلال، معتبرًا أنه “يعبر عن تطلعات العمانيين ودول المنطقة”.

 

ويمكن القول أن هذه القوانين قد جاءت في سياقها الطبيعي حماية للساسة في الدول وصحوة لدى البرلمانيين:

1- قوانين مناهضة التطبيع حائط صد وأمان للساسة:

إن إقرار مثل هذه القوانين، سيكون بمثابة جدار وحماية لصاحب القرار السياسي بقوانين شعبية منبثقة عن البرلمانات المنتخبة والمعبرة عن الإرادة الشعبية لشعوب المنطقة الرافضة لكل عمليات التطبيع، وحتى يكون حائط صدّ وأمان مستقبلاً، أمام إغراءات وضغوط جماعات الضغط واللوبي “الصهيوني” وحليفها الأمريكي.

2- صحوة البرلمانيين العرب:

تأتي هذه المبادرات من البرلمانيين كإجراء مسبق لترصين الجبهة الداخلية وحمايتها؛ لمنع حدوث أي اختراق من قبل الحكومات لديهم أو بعض الشخصيات أو المؤسسات لاسيما وقد هبت رياح التطبيع على الشرق الأوسط والبلاد العربية.

 

مخاوف وتساؤلات:

ويبقى السؤال مفتوحًا هل ستحترم الحكومات ورؤساء الدول ما شرعته برلماناتها من قوانين ترفض التطبيع معبرةً بذلك عن إرادة الشعوب؟

وهل سيبقى جدار هذه القوانين سدًا منيعًا أمام سيل موجة التطبيع، كل ذلك رهن احترام الحكومات ورؤساء هذه الدول لشعوبها كون أن الشعب هو مصدر السلطات، وهو مانح التفويض للنواب ليعبّروا عن إرادتهم الحرة.

وهل سيذهب بعض الساسة مستقبلًا لتوقيع اتفاقيات دولية باعتبارها منفذًا للخروج من تحت طائلة القوانين والتشريعات الداخلية كون أن الاتفاقيات تحتل مرتبة أعلى من التشريعات الداخلية وأدنى من الدساتير؟!

 

تفاؤل وآمال وتطلعات:

يبقى الرهان على الصحوة لدى الشعوب العربية حاضرًا بقوة لتكون سنداً للبرلمانيين للتقدم بمشاريع قوانين للبرلمانات لإصدار وإقرار مثل هذه القوانين التي تجرم التطبيع مع الكيان “الإسرائيلي”، ولعلهُ ما زال في أذهان الجميع مشاهد التعاطف العربي لدى كل الشعوب في مونديال قطر 2022 مع القضية الفلسطينية والذي تجسد برفع العلم الفلسطيني في كل مدرجات الملاعب، وظهر جليًا حجم المقاطعة الشعبي والمتمثل في رفض التعاطي مع الإعلامي “الإسرائيلي” عبر المقابلات والحوارات، ويرى الباحث أن الرهان على الشعوب مكسب في ظل وعيهم بمظلومية الفلسطينيين الذي يظهر جليًا كل يوم عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وما يتم تناقل من جرائم يومية لجيش الاحتلال “الصهيوني” في القدس والضفة من قتل، وتهويد، واستيطان، واقتحامات وحصار لقطاع غزة.

وكما أن هناك مسؤولية تقع على النواب أن يكونوا حارسًا أمينًا للوقوف بدورهم الرقابي البرلماني على الحكومة التنفيذية لإجبارها على أن لا تذهب بعيدًا بعقد أي اتفاقية إلا من خلال عرضها على البرلمان وتصديقها منهُ حتى لا تتعارض مع التشريعات التي تقف حائلًا وجدارًا منيعًا أمام التطبيع.

ويقع على عاتق الدبلوماسية الفلسطينية الخوض في حراك دولي عالمي عربي وإسلامي لحض الدول على مناهضة التطبيع وتجريمه، وكما تقع تلك المسؤولية على المجلس التشريعي الفلسطيني بالتواصل مع البرلمانيين العرب والبرلمانات لحضهم على تقديم مشاريع قوانين مشابهة لتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني.

ولعل ذلك يكون محركًا ومشجعًا لنشهد في عام 2023 إقرارًا لبعض مشاريع القوانين المُنادية بمناهضة التطبيع وتجريمه والتي قُدمت لدى بعض البرلمانات من قبل كتل برلمانية فيها مثل: الجزائر وتونس.

 

للحصول على نسخة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى