دراسات

توجهات رئيسة الوزراء البريطانية لنقل سفارة بلادها إلى القدس

مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث

 

مقدمة

جاءت مواقف وتصريحات رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة “ليز تراس” بشأن نقل سفارة بلادها لدى دولة الاحتلال من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، خلافاً للأعراف الدبلوماسية البريطانية التي حافظت على موقف رافض لتوجهات الدول التي قامت بنقل سفاراتها إلى القدس، حيث تقع سفارة بريطانيا في “تل أبيب” وهي المسؤولة عن العلاقات مع دولة الاحتلال، إضافة إلى وجود قنصلية عامة لها في “القدس الشرقية” مسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين.

ترصد هذه الدراسة تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية “ليز تراس” بشأن نقل سفارة بلادها إلى القدس، وتحلل دوافعها من وراء ذلك، وتعالج موقف القانون الدولي من هذه المسألة، من ثَمَّ ترصد ردود الأفعال البريطانية المؤيدة والمعارضة لها ومواقف الأطراف الخارجية الفاعلة، لتقيِّم بناءً على ذلك احتمالات نقل السفارة البريطانية إلى القدس فعلياً، في الختام تستقرأ الدراسة التداعيات المتوقعة لنقل السفارة البريطانية إلى القدس، وتقدم جملة من التوصيات للتعامل مع الأزمة على الصعيد الوطني الفلسطيني.

 

تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية بشأن نقل سفارة بلادها إلى القدس

برزت نية رئيسة الوزراء البريطانية “ليز تراس” بشأن نقل سفارة بلادها إلى القدس من خلال التصريحات والمواقف الآتية:

  • قدمت ليز تراس تعهداً بـ “مراجعة موقع سفارة بريطانيا لدى إسرائيل”، في رسالة إلى مجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين”، وذلك خلال منافستها على رئاسة حزب المحافظين الحاكم، والتي أهَّلتها لتخلف “بوريس جونسون” في منصب رئاسة الوزراء.
  • بعد فوزها برئاسة الحزب وتوليها رئاسة الوزراء، أبلغت ليز تراس نظيرها “الإسرائيلي” يائير لبيد، خلال اجتماعهما على هامش الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/ سبتمبر الماضي، بأنها تدرس نقل سفارة بلدها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، من دون أن تحدد إطاراً زمنياً لنقل السفارة.
  • أكدت ليز تراس خلال اجتماع مجموعة “أصدقاء إسرائيل” في حزب المحافظين أوائل تشرين أول/ أكتوبر الجاري تأييدها لدولة الاحتلال، ووصفت نفسها بأنها “صهيونية كبيرة، ومؤيدة كبيرة لإسرائيل”، وقالت: “يمكننا نقل العلاقة بين المملكة المتحدة وإسرائيل من قوة إلى قوة أكبر”.

 

دوافع رئيسة الوزراء البريطانية “ليز تراس” من وراء نقل السفارة إلى القدس

يعتبر حزب المحافظين من أكثر الأحزاب البريطانية تأييداً لدولة الاحتلال، وقد أظهر رؤساء حكومات المحافظين الأربع الأخيرة المتعاقبة على مدار 12 عاماً الماضية تأييداً كبيراً لدولة الاحتلال، وقد جاءت أبرز تصريحاتهم بهذا الشأن على النحو الآتي:

  • وصف “ديفيد كاميرون” نفسه بأنه “صديق قوي وعاطفي جداً” تجاه كل ما يتعلق بـ “إسرائيل”.
  • وصفت “تيريزا ماي” دولة الاحتلال بأنها “دوحة الديمقراطية ونموذج لكل العالم” ورفضت الاعتذار عن وعد بلفور.
  • قال “بوريس جونسون” في أحد تصريحاته إنه “صهيوني حتى النخاع”.

وبالتالي لم تكن التوجهات الصهيونية لتراس جديدة على المشهد الحزبي للمحافظين، خاصة وأنها أقدمت على الإعلان عن نيتها “مراجعة موقع السفارة في إسرائيل” خلال كلمتها في اجتماع مجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين”، بهدف كسب تأييد ودعم هذه المجموعة للوصول لرئاسة الحزب.

وتعد مجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين” أكثر اللوبيات الصهيونية قوة في بريطانيا، والتي تبرز أهميتها وتأثيرها من كون أن 80% من المنتمين لحزب المحافظين منخرطون في هذه المجموعة، ومن بينهم غالبية الوزراء ونواب الحزب في البرلمان.

 

موقف القانون الدولي من نقل سفارات الدول إلى القدس

احتلت “إسرائيل” الشطر الغربي من مدينة القدس عام 1948، واستكملت احتلال باقي المدينة (شطرها الشرقي) في العام 1967، وأقر الكنيست عام 1980 قانون “القدس عاصمة إسرائيل” القاضي باعتبار المدينة بشطريها “عاصمة موحدة وأبدية لها”.

في أعقاب قرار الكنيست، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (478) عام 1980، والذي اعتبر أن جميع الإجراءات “الإسرائيلية” في مدينة القدس باطلة، باعتبارها مدينة تحت الاحتلال، مطالباً كافة الدول الأعضاء بسحب ممثليها الدبلوماسيين من القدس.

وفي أعقاب قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في جلستها الطارئة في كانون الأول/ ديسمبر 2017، يرفض كافة الممارسات والإجراءات “الإسرائيلية” الحالية والسابقة لتغيير معالم القدس ووضعها القانوني، ويطالب كافة الدول بالامتناع عن إقامة بعثات دبلوماسية في مدينة القدس انصياعاً لقرار مجلس الأمن رقم (478) لعام 1980.

 

ردود الفعل داخل بريطانيا على تصريحات رئيسة الوزراء بشأن نقل السفارة إلى القدس

لا تحظى قضية نقل السفارة البريطانية إلى القدس بأولوية عالية في الاهتمام السياسي البريطاني، حيث تسيطر أزمات الاقتصاد والطاقة على المشهد البريطاني في ظل تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والحرب الروسية الأوكرانية.

على الرغم من ذلك أحدث إعلان رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس جدلاً واسعاً، حيث اعتُبر خروجاً عن الأعراف الدبلوماسية البريطانية التي ظلت تطالب باحترام القانون الدولي فيما يتعلق بوضعية مدينة القدس، وفيما يلي أبرز المواقف البريطانية تجاه إعلان ليز تراس مراجعة موقع سفارة بلادها في دولة الاحتلال:

المواقف المعارضة للإعلان:

  • أعلنت أحزاب المعارضة الرئيسية الثلاث (حزب العمال، الحزب الوطني الأسكتلندي، حزب الديمقراطيين الأحرار) معارضتها لإعلان تراس نيتها نقل السفارة البريطانية إلى القدس.
  • أظهرت الصحف البريطانية وجود معارضة واسعة لهذا التوجه داخل المؤسسات المؤثرة في رسم السياسات البريطانية (وزارة الخارجية، المستشارين الحكوميين)، حيث تسعى هذه المؤسسات للمحافظة على السياسة الخارجية التقليدية لبريطانيا، ويبرز تأثير هذه المؤسسات كونها قد دفعت سابقاً رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي لمعارضة قرارا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، على الرغم من تأييدها المعروف لدولة الاحتلال.
  • أعرب رئيس أساقفة كانتربري في المملكة المتحدة جاستن ويلبي، وهو صاحب أعلى منصب ديني في الكنيسة الأنجليكانية، عن قلقه بشأن التداعيات المحتملة لنقل سفارة بلاده إلى القدس قبل التوصل إلى تسوية للصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال.
  • أثار موقف رئيسة الوزراء البريطانية انتقادات من دبلوماسيين بريطانيين سابقين قالوا إنه يتعين انتظار قيام دولة فلسطينية.
  • اعتبر الرئيس السابق لحزب العمال “جيرمي كوربين” أنه ليس من حق رئيسة الوزراء نقل السفارة إلى القدس من دون التشاور مع البرلمان، وأعرب عن اعتقاده أن هناك تأثيراً للوبي “الإسرائيلي” والحكومة “الإسرائيلية” على ليز تراس.
  • أوردت الصحف البريطانية الرئيسية (الغارديان والإندبندنت) مقالات عبَّرت عن معارضتها لنقل السفارة إلى القدس، واعتبرت أن هذا الأمر “سيمثل خروجاً عن السياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية المتَّبعة منذ عقود، ويعد انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي إذا أقدمت عليه حكومة رئيسة الوزراء ليز تراس”.

المواقف المؤيدة للإعلان:

في مقابل المواقف المتحفظة أو الرافضة لتوجهات رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس بشأن نقل السفارة إلى القدس، برزت مواقف قوية ومؤثرة تؤيد وتدعم هذه التوجهات، من أبرزها موقف مجموعة “أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين”، والتي تسعى لدفع ليز تراس لإقرار نقل السفارة إلى القدس، حيث يتخوف اللوبي “الإسرائيلي” من احتمالات تنظيم انتخابات مبكرة في بريطانيا، من المرجح أن تأتي بحزب العمال إلى الحكومة – وفقاً لاستطلاعات الرأي – والذي من المستبعد أن يقدم على نقل السفارة إلى القدس، على الرغم من تأكيد زعيمه “كير ستارمر” دعمه لدولة الاحتلال في أكثر من مناسبة.

 

الموقف “الإسرائيلي”

على الصعيد الرسمي رحبت الحكومة “الإسرائيلية” برئاسة يائير لبيد بهذا الإعلان، واستغلت لقاء لبيد- تراس خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في إبراز دورها في هذا الإعلان، والتأكيد على أهميته كإنجاز سياسي يحسب لهذه الحكومة، في محاولة لاستغلاله في انتخابات الكنيست القادمة، في ظل تباهي بنيامين نتنياهو بإنجازاته في هذا المجال.

أما على الصعيد الحزبي والعام، فلم يحظَ إعلان رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس بشأن “مراجعة موقع السفارة” بزخم كبير داخل دولة الاحتلال، كونه يظل إعلاناً نظرياً حتى الآن ولم ينتج عنه أي قرار فعلي بنقل السفارة إلى القدس.

 

الموقف الفلسطيني

أجمعت كافة القوى الفلسطينية الرسمية والوطنية على معارضتها للتوجه البريطاني بنقل السفارة إلى القدس، وفيما يأتي أبرز هذه المواقف:

  • أجرى رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في مكتبه بمدينة رام الله، لقاءً مع مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية ستيفن هيكي، بحضور القنصل البريطاني العام في القدس ديان كورنر، أكَّد خلاله خطورة الإعلان معتبراً أنه “يقوض حل الدولتين”، وأنه “مناقض للقانون الدولي والقرارات الأممية والموقف البريطاني من القدس كمدينة محتلة”.
  • اعتبر السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط أنه “من المؤسف للغاية أن تتعهد رئيسة الوزراء تراس، في أول ظهور لها في الأمم المتحدة، بإمكانية انتهاك القانون الدولي بوعدها بإعادة النظر بموقع السفارة البريطانية في إسرائيل”.
  • اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية حماس تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية عدواناً على الشعب الفلسطيني، وأنها “تتماهى مع جرائم الاحتلال التي تُرتكب يومياً بحقه”، واعتبر عضو قيادة الحركة في الخارج سامي أبو زهري، في بيان له، أن التصريحات “استمرار لجريمة بريطانيا ضد القضية الفلسطينية التي بدأت منذ وعد بلفور قبل أكثر من 100 عام”.

 

الموقف العربي

برزت عدة مواقف عربية معارضة للتوجه البريطاني الجديد، وفيما يأتي أبرز تلك المواقف:

  • حذَّر مجلس جامعة الدول العربية في بيان له من التداعيات السلبية للإعلان على “عملية السلام”، ودعا لإعادة النظر فيه ودراسة تداعياته، مذكراً المملكة المتحدة بالتزاماتها الدولية ودورها الفاعل في المنطقة وفي “عملية السلام”.
  • أوردت صحيفة الغارديان البريطانية أن السفراء العرب في بريطانيا عبَّروا عن معارضتهم لهذه التوجه خلال لقائهم مع ممثلي وزارة الخارجية البريطانية، وأنه كان من بين هؤلاء السفراء سفراء دولتي الإمارات العربية المتحدة والبحرين اللتين وقَّعتا اتفاقية التطبيع “أبراهام” مع دولة الاحتلال برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
  • وبحسب الصحيفة نفسها، فإن الدول الخليجية حذرت الحكومة البريطانية من أن مفاوضات توقيع اتفاق التبادل التجاري بين مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة قد تتعرض للخطر، في حال اتخاذ قرار بنقل السفارة البريطانية إلى القدس.

 

تقييم احتمالات نقل السفارة البريطانية إلى القدس

من الناحية النظرية، تستطيع تراس اتخاذ قرار بنقل السفارة إلى القدس، مستندة على صلاحياتها كرئيسة وزراء وعلى الغالبية البرلمانية الكبيرة لحزب المحافظين حتى الآن، لكن نقل السفارة عملياً يخضع لعدة قضايا وحسابات من شأنها أن تؤثر على قرار تراس بهذا الشأن، ومن أبرز هذه القضايا:

1- العامل الزمني:

حيث عبَّرت تراس عن عزمها إجراء “مراجعة لموقع سفارة بريطانيا الحالي في تل أبيب”، ولم تعبِّر عن اتخاذ قرار بنقل السفارة إلى القدس، وحسب التقاليد البريطانية فإن هذه المراجعة تستغرق وقتاً طويلاً يتم خلاله أخذ توجهات المؤسسات الداخلية الداعمة لصناعة القرار بعين الاعتبار، ما يعني أن قراراً بنقل السفارة – إن صدر – فإنه يحتاج لفترة تتراوح من عدة شهور إلى عام.

2- قوة حزب المحافظين واستقرار الحكومة:

استمر احتفاظ حزب المحافظين في الحكم في بريطانيا على مدار 12 عاماً، إلا أن فرصه بالاستمرار أصبحت مهددة في ظل الأوضاع الراهنة، وفي ظل تصاعد الجدل مبكراً حول مستقبل رئيسة الوزراء ليز تراس والمدة التي يمكنها خلالها الاحتفاظ بمنصبها، فالحزب ورئيسته الحالية يعانيان أزمة حقيقية، يمكن توضيح أبرز معالمها على النحو الآتي:

  • تصاعد الأزمات الاقتصادية في ظل تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2021، وما تضيفه أزمة الطاقة المترتبة على الحرب الروسية الأوكرانية من تعقيد على المشهد.
  • حالة التخبط في سياسات رئيسة الوزراء تراس، حيث سرعان ما تراجعت عن خطتها الضريبية التي تتضمن منح إعفاءات ضريبية للأغنياء والمعروفة بـ “الميزانية المصغرة”، في ظل اعتراض أوساط واسعة على الخطة من بينها نواب من حزب المحافظين نفسه، وقد اعترفت تراس بالخطأ في طريقة تقديمها للخطة المثيرة للجدل، والتي أدت لانهيار تاريخي في قيمة الجنيه الإسترليني، إلا أن هذا الإقرار لم يخفّف من الغضب الشعبي تجاه سياسات حزب المحافظين.
  • تراجع شعبية حزب المحافظين، حيث اتفقت استطلاعات الرأي على أن إجراء أي انتخابات مبكرة سيعطي الصدارة لحزب العمال، بتفوقه على حزب المحافظين الحاكم بـ 23 نقطة وفقاً لأحد الاستطلاعات، وهو أكبر فارق انتخابي منذ عام 2010.
  • على الرغم من فوز تراس برئاسة حزب المحافظين قبل حوالي شهر ونصف الشهر، إلا أنها تواجه منافسة شديدة داخل الحزب، حيث برزت مساعي داخل الحزب لإزاحتها من منصبها؛ لـ “إنقاذ الحزب” في ظل التراجع الحاد في شعبيته على خلفية الأزمة الاقتصادية.

3- تأثير مؤسسات الدولة البريطانية:

تفرض التقاليد البريطانية على تراس مراعاة التوجهات التقليدية للسياسة البريطانية الخارجية، والاهتمام برأي المؤسسات الداخلية والمستشارين عند إحداث تغيير كبير في توجهات البلاد، وعليه فإنها ستواجه مشكلة في إقناع مؤسسات الدولة الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية بصحة قرارها، خاصة في ظل وضعها السياسي المرتبك، فمهمتها في ذلك ستكون صعبة في ظل الأبعاد الحزبية والشخصية لهذا القرار.

4- تأثير معارضة الدول العربية:

تُجري لندن منذ سنوات مفاوضات مع مجلس التعاون الخليجي للتوصل لاتفاقية التبادل التجاري، التي تعتبرها لندن ذات أهمية استراتيجية، من شأنها أن تجعل دول الخليج رابع مستورد للبضائع البريطانية، وتعزز سوق العمل ومعدل الأجور في المملكة المتحدة وترفع التجارة البريطانية بنحو 24 مليار دولار بحلول عام 2035.

وفي حال واجهت الدول العربية قرار نقل السفارة البريطانية إلى القدس بإجراءات فاعلة، فإن ذلك سيهدد مستقبل المفاوضات مع مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على تراجع توجهات تراس بشأن نقل السفارة إلى القدس، خاصة وأن بريطانيا تعاني أزمات كبيرة في مجال الاقتصاد والطاقة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية.

وتبرز خطورة تأثير نقل السفارة إلى القدس على مفاوضات اتفاقية التبادل التجاري في ضوء أن معارضة أي من الدول الخليجية للاتفاق من شأنها أن تعرقل توقيع الاتفاقية مع مجلس التعاون الخليجي ككل.

5- التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية:

سيكون من الصعب على تراس اتخاذ قرار بنقل سفارة بلادها إلى القدس دون التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يقف أمامه العديد من المعيقات، من أبرزها:

  • الفتور النسبي الذي ينتاب العلاقات البريطانية الأميركية، خاصة مع قيام الرئيس الأميركي جو بايدن بتجميد مفاوضات اتفاق التبادل التجاري مع بريطانيا، على خلفية قرار بريطانيا بالتراجع عن التزامها بالبرتوكول الخاص بإيرلندا في اتفاقية البريكست (اتفاقية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).
  • حرص الإدارة الأمريكية على تخفيف التوتر في منطقة الشرق الأوسط وفي أوروبا للتركيز على أولوياتها الأولى (الصراع مع الصين وروسيا).

 

التداعيات المتوقعة لنقل السفارة البريطانية إلى القدس

في حال تم نقل السفارة البريطانية إلى القدس فعلياً، فإن ذلك سيلقي بتداعياته سواءً على الطرف الفلسطيني أو “الإسرائيلي” أو البريطاني، أبرزها على النحو الآتي:

  • إضعاف السلطة الفلسطينية سياسياً وتصاعد حالة الإحباط الفلسطيني تجاه عملية التسوية، وبالتالي تصاعد حدة التوتر في الضفة الغربية والقدس، وما يحمله ذلك من تداعيات أمنية على الاحتلال.
  • التأثير سلباً على صورة بريطانيا في العالم العربي والإسلامي، وبروز احتجاجات على الخطوة البريطانية، بما يحد من القوة الناعمة لبريطانيا وتعرضها لضغوط شعبية واقتصادية داخل بريطانيا وفي المجتمعات العربية والمسلمة.
  • سيستغل الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال هذا الأمر كإنجاز في المنافسات الانتخابية القادمة.
  • تشجيع المزيد من الدول لنقل سفارات بلادها إلى القدس وما يترتب على ذلك من تعزيز شرعية الاحتلال وتراجع الحقوق الفلسطينية.

 

التوصيات

في ضوء ما سبق، فإنه ينبغي على الجهات الفلسطينية كافة تنظيم وتعزيز جهودها لمنع إقرار نقل السفارة البريطانية إلى القدس، وذلك من خلال الآتي:

  • إطلاق حملة دبلوماسية سياسية على الساحة البريطانية تشارك فيها المؤسسات الفلسطينية والعربية والإسلامية، الرسمية وغير الرسمية، وتستهدف مستويات صناعة القرار البريطاني، بما فيها الحكومة والبرلمان والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، لمنع إقرار نقل السفارة البريطانية إلى القدس.
  • تعزيز التواصل مع الدول العربية الفاعلة والمؤثرة على القرار البريطاني، خاصة دول الخليج العربي ومصر والأردن والجزائر، لتنسيق الجهود الرامية لثني الحكومة البريطانية عن هذا التوجه.
  • التحضير لرفع شكوى قضائية لدى المحاكم الدولية والبريطانية المختصة ضد الحكومة البريطانية، استعداداً لاحتمالات قيامها بنقل السفارة فعلياً إلى القدس، واستناداً إلى أن نقل السفارة إلى القدس يشكل انتهاكاً للقانون الدولي وللحقوق الفلسطينية، مع ضرورة تفعيل هذا الخيار ضد الدول التي سبق لها القيام بنقل سفاراتها إلى القدس.

 

للحصول على الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى