دراسات

خطة الحكومة الإسرائيلية لإجراء تعديلات قضائية وتفاعلاتها

مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث

 

مقدمة

تشهد الساحة الإسرائيلية حالة من الشد والتباين بين الائتلاف الحكومي الحاكم بقيادة “بنيامين نتنياهو” وبين قوى المعارضة، على خلفية عزم الحكومة الإسرائيلية إجراء تعديلات قضائية تصفها بالإصلاحات، في حين تصف المعارضة تلك التعديلات بالانقلاب القضائي وتقول إنها تمس باستقلالية القضاء، وتصاعدت الاحتجاجات الجماهيرية داخل قطاعات واسعة كان أهمها قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.

نقدم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث هذه الدراسة، التي تتناول أبرز التعديلات، وأهداف الحكومة من ورائها، وتفاعلاتها داخل دولة الاحتلال؛ وذلك للوقوف على تداعياتها على المشهد الإسرائيلي في المرحلة القادمة.

 

التعديلات القضائية

صادقت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على بعض البنود الواردة في خطة وزير القضاء “ياريف ليفين” لإجراء تعديلات قضائية تحت مسمى “إصلاح القضاء”، حيث تم التصويت على عدد من التشريعات، أبرزها:

  1. سن قانون أساس القضاء، والذي يقيد قدرة المحكمة العليا على إلغاء القوانين والقرارات الحكومية، بحيث سيتطلب ذلك هيئة من جميع قضاة المحكمة الخمسة عشرة، مع تضمين “بند التجاوز” لتمكين الكنيست من إعادة تشريع مثل هذه القوانين.
  2. تغيير عملية اختيار القضاة، من خلال تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة، وتعزيز قوة السياسيين في اللجنة وعدم إشراك نقابة المحامين فيها، بشكل يضمن سيطرة الائتلاف الحكومي على تلك اللجنة، حيث بموجب الخطة يمكن تعيين رئيس المحكمة العليا من خارج المحكمة.
  3. منع المحكمة العليا من التدخل في قوانين الأساس، من خلال منع المحكمة من استخدام اختبار “المعقولية” للحكم على التشريعات والقرارات الحكومية.

 

أهداف الائتلاف الحكومي من وراء التعديلات

إن تبني أقطاب اليمين خطة التعديلات القضائية، واعتبارها بمثابة إصلاح شامل للقضاء الإسرائيلي، يأتي ضمن جملة من الأهداف والاعتبارات التي من شأنها أن تعزز قدرة اليمين واليمين المتطرف على فرض توجهاته في التعامل مع القضايا الفاعلة داخلياً وخارجياً، وكذلك تحقيق رغبات شخصية تتعلق بقادة الائتلاف الحكومي، والتي يمكن إجمالها في الآتي:

  • سعي نتنياهو للتهرب من المحاكمة، من خلال تهيئة البيئة القضائية بشكل يسمح له سن تشريعات تحصن رئيس الحكومة من المثول أمام القضاء بتهم تتعلق بقضايا الفساد، بما يضمن استمراره في منصبه كرئيس للحكومة الإسرائيلية.
  • رغبة أقطاب الائتلاف الحاكم في تعزيز حضورهم في الحكومة الإسرائيلية، خاصة رئيس حزب شاس أرييه درعي الذي يسعى للعودة إلى الحكومة كوزير للداخلية والصحة، بعد إقالته من قبل المحكمة العليا في ظل التهم الموجهة له بالتهرب الضريبي، وذلك من خلال السعي لتعديل قوانين أساس عمل الحكومة، بما يمنع المحكمة العليا من إقالة أي وزير في الحكومة.
  • رغبة اليمين الديني والمتطرف في تشريع وسن قوانين دون وجود رقابة قضائية عليها (تشريع بؤر استيطانية، توسيع امتيازات المستوطنين والحريديم، …) وخاصة التي تتعلق بالملف الفلسطيني.

 

ردود فعل قوى المعارضة

لقد أثار تبني الحكومة الإسرائيلية لخطة التعديلات القضائية موجة من ردود الفعل الرافضة للخطة، سيما على صعيد قوى المعارضة داخل دولة الاحتلال، التي قامت بدعوة الجمهور الإسرائيلي للخروج في مظاهرات احتجاجية ضد الحكومة الإسرائيلية لإجبارها على التراجع عن هذه التعديلات، بدعوى أنها تمثل انقلاباً على السلطة القضائية وتضر بصورة إسرائيل كدولة ديمقراطية، ناهيك عن انعكاسات ذلك على الوضع الاقتصادي، وفقاً لتصريحات ومواقف داخل المعارضة الإسرائيلية، نرصد فيما يأتي أبرزها:

  • زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس حزب ييش عتيد “يائير لبيد”، دعم المظاهرات وأيدها، قائلاً: “إن هذه المظاهرات جاءت دفاعاً عن الديمقراطية، والقضاء، والحياة المشتركة، لن نستسلم حتى ننتصر من أجل ذلك”، مضيفاً “إن إسرائيل على حافة الهاوية، وهي سائرة نحو الخراب إذا تم إقرار قانون التعديلات القضائية”.
  • رئيس تحالف المعسكر الوطني “بيني غانتس”، هاجم خطة ليفين، قائلاً: “إذا تمت المصادقة على الخطة، فإنها ستغير نظام الحكم في إسرائيل، وسيتم تجاوز الخط الأحمر وستتحول إسرائيل إلى ديمقراطية جوفاء”، ودعا غانتس المواطنين إلى الاحتجاج والخروج في مظاهرات ضد التعديلات القضائية.

وقد نجحت قوى المعارضة في تجييش وتحشيد الرأي العام الإسرائيلي ضد خطة الإصلاحات القضائية، حيث اندلعت المظاهرات والاحتجاجات منذ الأسبوع الأول لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، واستمرت بشكل أسبوعي في كل يوم سبت بأعداد وازنة من المتظاهرين على مدار الشهرين الماضيين، وكانت التظاهرة الأكبر خلال الأسبوع الجاري، حيث أشارت تقديرات إسرائيلية إلى مشاركة ربع مليون إسرائيلي في التظاهرات التي خرجت في 95 موقعاً في دولة الاحتلال.

 

تصاعد الاحتجاجات

بدأت الاحتجاجات تأخذ منحاً تصاعدياً، حيث أغلق عدد من المتظاهرين عدة مفترقات طرق مركزية، واخترقوا حواجز أقامتها الشرطة، ما أدى لحدوث اشتباكات مع الشرطة الإسرائيلية التي عملت على تفريق المتظاهرين بالقوة.

ومن جهة أخرى قام عدد من المتظاهرين بمحاصرة زوجة رئيس الوزراء سارة نتنياهو خلال تواجدها في صالون تجميل، ما اضطر الأجهزة الأمنية إلى التدخل لإنقاذها، حيث علق على تصاعد الاحتجاجات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قائلاً: “لدي مواد استخباراتية نستنتج منها أن هناك متظاهرين فوضويين تجاوزوا الخط الأحمر، ويخططون لاغتيالي أو اغتيال رئيس الوزراء أو زوجته”.

وإلى جانب الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية، هناك حالة رفض واسعة للتعديلات القضائية، داخل العديد من الأوساط الإسرائيلية (مؤسسات اقتصادية، ضباط وجنود في الجيش.. إلخ)، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال الآتي:

  • إعلان شركة “ويز” (WIZ)، أنها ستسحب أموالها من إسرائيل إلى حسابات بنكية في الخارج، ويأتي ذلك بعد أيام من إعلان شركة الهايتك العملاقة “بابايا غلوبال” وصندوقا رأس المال المجازف عن سحب أموالهم من البنوك الإسرائيلية، وذلك على خلفية حالة عدم اليقين التي تعيشها دولة الاحتلال بسبب خطة تحجيم صلاحيات المحكمة العليا وتأثير ذلك على الاقتصاد والمجتمع.
  • توقيع العديد من جنود الاحتياط على عرائض حذروا فيها أنهم لن يخدموا ضمن قوات الاحتياط إذا جرى تمرير تلك الخطة بدعوى “أن إسرائيل لن تستمر بموجبها كدولة ديمقراطية”.
  • إعلان 37 طياراً احتياطياً من “سرب المطرقة” المخصص لمهاجمة أهداف بعيدة والمكون من 40 طياراً نيتهم عدم الحضور للتدريب المقرر لهم يوم الأربعاء المقبل احتجاجاً على الإصلاح القضائي.
  • تهديد جنود احتياط في “وحدة النخبة 8200” التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، بمقاطعة الخدمة في حال مضت الحكومة في خطة التعديلات القضائية.

في ضوء ذلك أعرب قادة الجيش الإسرائيلي، عن قلقهم من نشوء أزمة خطيرة بمنظومة الاحتياط، ممكن أن تنعكس على القوات النظامية، الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً في ظل التهديدات المختلفة التي تواجهها دولة الاحتلال، وهو ما عبر عنه بوضوح كل من:

  • وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي قال: “الوضع يتطلب منا أن نجلس للحوار، وبسرعة، نحن نواجه تحديات خارجية ثقيلة ومعقدة، وأي دعوة للعصيان تضر بعمل الجيش وقدرته على القيام بمهامه”.
  • رئيس هيئة الأركان الجنرال هرتسي هاليفي الذي قال: “إذا زاد الاحتجاج والعصيان داخل الجيش فقد يضر ذلك بكفاءة الجيش وعمله، نحن قلقون للغاية من توسع العصيان داخل قوات الجيش”.

 

مبادرة رئيس الدولة للخروج من المأزق

في ضوء حالة التباين الكبير بين المعارضة والحكومة، طرح رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ مبادرة للخروج من الأزمة، تشمل سن قانون أساس لتنظيم العلاقة بين السلطتين القضائية والتشريعية، وقدم اقتراحاً لتعديل آلية اختيار تعيين القضاة عبر تغيير تشكيلة اللجنة، ودعا للحوار بين الحكومة والمعارضة للتوصل إلى حل وسط.

غير أن قوى المعارضة بقيادة لبيد اشترطت وقف كافة الإجراءات الحكومية بخصوص التعديلات القضائية قبل الجلوس للحوار، وهو ما رفضه أقطاب الائتلاف الحكومي.

 

أزمة نتنياهو

وفق خبراء ومختصين فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يمتلك هامش مناورة ضيق لتجاوز هذه الأزمة، في ظل فجوة واسعة في المواقف بينه وشركائه في الائتلاف الحكومة من جهة، وبين مواقف القوى المعارضة من جهة أخرى، ففي الوقت الذي يحاول فيه نتنياهو احتواء الغضب من خطة حكومته بشأن القضاء، بدأت أزمات داخلية تعصف بالائتلاف الحكومي، حيث:

  • نقلت تقارير إسرائيلية عن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، تأكيده أنه سيستقيل من منصبه في حال قرر نتنياهو تعليق تطبيق الخطة ولو ليوم واحد.
  • بدأ حزب “شاس” ممارسة ضغوط أكبر على نتنياهو لإعادة زعيمه أرييه درعي إلى المناصب الوزارية التي تمت إقالته منها.
  • كرر حزب “يهدوت هتوراة” اتهاماته لنتنياهو بعدم تنفيذ الاتفاقات الائتلافية، التي تتعلق برصد ميزانية خاصة للمدارس الحريدية، مهددين بالانسحاب من الحكومة.
  • تنازع الصلاحيات بين أقطاب الائتلاف الحكومي.

 

خاتمة

بالرغم من حالة الشد والتباين بين الائتلاف الحكومي وقوى المعارضة، إلا أنه من غير المتوقع أن تنحرف الأوضاع داخل إسرائيل نحو سيناريو الفوضى والخروج عن السيطرة، حيث سيسعى نتنياهو بشكل جاد لاحتواء الموقف من خلال تأجيل إقرار التعديلات بالقراءات الثلاث داخل الكنيست، والبحث عن حلول وسط مع قوى المعارضة دون الانزلاق نحو التصعيد، وبما يضمن تماسك ائتلافه الحكومي، وذلك لعدة اعتبارات أهمها:

  1. حجم الضغط الكبير الذي تواجهه حكومة نتنياهو في ظل تصاعد الاحتجاجات والتظاهرات غير المسبوقة، والتخوف من انزلاق الأوضاع إلى حرب أهلية.
  2. تصاعد التخوفات من التأثيرات السلبية للاحتجاجات على الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى أداء الجيش في مواجهة التحديات والتهديدات على مختلف الجبهات، في ظل تصاعد حالة العصيان العسكري داخل قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، وتصاعد التخوفات لدى قاد الجيش من انزلاق الحالة وتمددها لتطال القوات النظامية.
  3. تصاعد الأصوات داخل الليكود التي تنادي بفتح حوار مع المعارضة، حيث تُظهر استطلاعات الرأي العام أن غالبية الإسرائيليين، بما في ذلك عدد كبير من ناخبي الليكود، يريدون من الحكومة إيقاف العملية التشريعية وفتح حوار مع المعارضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى