دراسات

موقف الجيش الإسرائيلي من أزمة التعديلات القضائية

خاص – اتجاهات

مقدمة

للشهر الرابع على التوالي تعيش “إسرائيل” أزمة سياسية غير مسبوقة، نتيجة عزم الائتلاف الحاكم إجراء تعديلات تطال الجهاز القضائي الإسرائيلي، الأمر الذي دفع المعارضة الإسرائيلية إلى حشد أنصارها في الشارع احتجاجاً على القرار، وهو ما أدخل “إسرائيل” في أزمة.

لم يبدِ الجيش الإسرائيلي أي موقف من الأزمة خلال بداياتها، لكن وما إن بدأ جنود احتياط في الجيش بالتمرد ورفض التدريبات العسكرية وتأدية الخدمة، ووصل الأمر إلى أسلحة مهمة في الجيش مثل سلاح الجو، واشتداد المهددات الأمنية ضد “إسرائيل” خصوصاً بعد عملية “مجيدو” منتصف شهر آذار/ مارس الماضي، حتى بدأ الجيش ينخرط في الأزمة بشكل لافت.

رأى الجيش حينها أن التعديلات القضائية أصبحت تضر بالأمن الإسرائيلي، من خلال جانبين:

  1. انشغال الجيش والمستوى الأمني الإسرائيلي بالأزمة السياسية على حساب انشغاله بضبط الأمن ومواجهة المهددات القادمة من عدة جبهات.
  2. ارتفاع نسبة التمرد في الجيش يهدد البنية التنظيمية، والتكتيكية للجيش، ويهدد الاستعداد الذي لابد أن يكون عليه الجيش الإسرائيلي المحاط بجبهات متوترة دائماً.

مارس وزير الدفاع الإسرائيلي “يؤآف غالانت” خلال الشهر الأخير، ضغوطاً على رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” لوقف التعديلات، ويمكن اعتبار هذه الضغوطات بمثابة التدخل المباشر للجيش في الأزمة السياسية، لكن هذا التدخل أثار تساؤلين اثنين:

  • لماذا تدخل الجيش الإسرائيلي في الأزمة السياسية التي تعصف بـــ “إسرائيل”؟!
  • ما حدود هذا التدخل؟! وما التبيعات المتوقعة لها التدخل؟

أسباب تدخل الجيش الإسرائيلي في أزمة التعديلات القضائية:

يمكن القول إن هناك أسباباً متعددة دفعت الجيش للتدخل في الأزمة السياسية في “إسرائيل”، أبرزها:

  • يوجد لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حساسية عالية من تغلغل اليمين في أوساط الجيش، حيث إن التعديلات القضائية تهدف بالأساس إلى تمكين اليمين في مؤسسات الدولة، ومنها الجيش، وإذا ما تغلغل اليمين في أوساط الجيش خصوصاً “الحريديم” منهم، فإن الخدمة العسكرية تصبح حينها خاضعة للطموح اليميني، حيث ستصبح دوافعها دينية وليست قومية، وهذا يعني أن الجندي “الحريدي” أو القادم من صفوف اليمين الإسرائيلي، سيستخدم موقعه في الجيش وسلاحه للقتل باسم أهدافه الدينية، وهذا ما يخل بالتوازنات الأمنية التي يسير عليها الجيش في منطقة مليئة بالصراعات، وبين جبهات مليئة بالتهديدات، إضافة إلى ذلك، فإن الجندي “الحريدي” قد تربى على عصيان الأوامر العسكرية ورفضها أحياناً، وهو ما يؤثر على جهوزية الجيش؛ لذلك تتحسس المؤسسة العسكرية من هذه التعديلات القضائية التي ستتيح المجال أمام اليمين للتغلغل في الجيش وتمكين نفسه فيه.
  • توصل الجيش الإسرائيلي إلى قناعة مفادها، أن التعديلات القضائية تهدد استقلالية القضاء الإسرائيلي، ويهدد المحكمة العليا، وهذا ربما سيدفع إلى محاكمة الجنود وقادة الجيش المسؤولين عن جرائم حرب في المحاكم الدولية، وهو ما يضر بسمعة الجيش الإسرائيلي، و”إسرائيل” نفسها.
  • أن الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو، وشراكة “بتسلائيل سموتريتش” و “إيتمار بن غفير” قدمت خططاً غير مسبوقة؛ لإعادة هيكلة الجيش وتغيير طبيعة عمله، بالإضافة إلى سلخ “الإدارة المدنية” عن الجيش وتسليمها لوزير المالية “سموتريتش” الذي يستند هو و “بن غفير” إلى قواعد جماهيرية من المستوطنين، والذين بدورهم يقومون بجرائم ويتسببون بتصعيد مع الفلسطينيين يرهق الجيش، وهو الأمر الذي يراه الجيش تعدياً على طبيعة عمله، وتدخلاً بالتوازنات الأمنية التي يقرّها الجيش للتعامل مع الجبهات المتوترة في محيط “إسرائيل”.
  • أن التعديلات القضائية سوف تتسبب بانقسامات داخل الجيش، فالجندي أو الضابط الذي تدرب وخاض الحروب والعمليات العسكرية من أجل “دولته إسرائيل”، سيجد أن غيره من جنود اليمين أو حتى “الحريديم” الذين سيدخلون الجيش، سيتفوقون في المناصب ودرجات القيادة، فقط لأنه جاء وفق صفقة سياسية وليس بناء على مهاراته وتدريباته.

سيناريوهات تطور موقف الجيش الإسرائيلي من أزمة التعديلات القضائية:

يمكن القول إن انخراط الجيش الإسرائيلي في الأزمة السياسية الإسرائيلية الناجمة عن خطة التعديلات القضائية، بات أمراً واقعاً، لكننا في هذه الورقة نحاول تقدير حدود هذا الانخراط والتدخل، وفق السيناريوهات الآتية:

  1. النأي بالنفس عن الأزمة: من الممكن أن ينأى الجيش الإسرائيلي بنفسه عن الأزمة السياسية في “إسرائيل”، وذلك لعدة أسباب، أبرزها: الحفاظ على الطابع الديمقراطي لــ “إسرائيل”، وتفرغ الجيش لمواجهة المهددات الأمنية الخارجية والتي تزايدت خلال فترة الأزمة، وما يعزز هذا السيناريو، مجموعة من العوامل، مثل إنهاء جنود الاحتياط لحالة التمرد التي بدأوها، وهو ما سيحقق الاستقرار داخل الجيش ويبدد المخاوف من تأثير الأزمة السياسية على جهوزية الجيش، أما العامل الثاني، فهو توصل الأطراف إلى حلول وسط ومرضية لإنهاء الأزمة، أما العامل الثالث، فيتمثل في إقالة وزير الدفاع “يؤآف غالانت” إذا ما اعتبرنا أن الإقالة هي بمثابة درس لقّنه نتنياهو لغالانت بعد استخدام منصبه ضد نتنياهو.
  2. التدخل المباشر الذي يصل حدّ الانقلاب العسكري: وإن كان هذا الانقلاب لو تم فإنه سيكون مختلفاً عن الشكل المعهود في دول عربية وغير عربية شهدت انقلابات عسكرية صاخبة، على العموم، فإن هذا السيناريو مرهون بتأزم الحالة السياسية الإسرائيلية، وإصرار نتنياهو وائتلافه على المضي قدماً بالتعديلات القضائية دون توافق مع المعارضة، ومرهون كذلك بمدى التدخل الأمريكي في المشهد الإسرائيلي للضغط على نتنياهو، حينها قد نشهد انقلاباً عسكرياً في “إسرائيل” يزيح نتنياهو عن الحكم ويدعوا لانتخابات مبكرة.
  3. تنفيذ وساطة لحلحلة الأزمة: وهذا يعني أن يكون للجيش دوراً سياسياً في إيجاد حلول وسط بين المعارضة والائتلاف الحاكم، وهذا الدور قد يكون على شكلين: الأول/ مساندة دور الرئيس الإسرائيلي “يتسحاك هرتصوغ” في وساطته بين الأحزاب الإسرائيلية حول التعديلات القضائية، حيث يجتمع قادة وممثلو الأحزاب في بيت الرئيس منذ أسبوع للتباحث في مخرج للأزمة، الشكل الثاني/ أن يقدم الجيش مبادرة أو يعرض وساطته بشكل مستقل بعيداً عن الرئيس “هرتصوغ”.

في المجمل، يمكن ترجيح السيناريو الثالث، أن ينخرط الجيش في الأزمة على سبيل الوساطة بين أطراف الأزمة، وذلك بدعم وساطة الرئيس الإسرائيلي “هرتصوغ”، فقد يقدم الجيش مبادرة للرئيس الإسرائيلي لدعم دوره في الوساطة، وقد يقدّم له معلومات أمنية عن وضع الجيش وحجم الخطر الناجم عن الأزمة السياسية؛ لمساعدة “هرتصوغ” في الضغط على الأطراف للتوصل إلى حلول، وربما سيستمر الجيش بالإضافة إلى دوره في مساندة الرئيس في توسطه بين الأطراف، بالضغط على رئيس الوزراء “نتنياهو” ويقدم له المعلومات الأمنية، لحلحلة الأزمة وتقديم تنازلات في سبيل ذلك.

 

للحصول على الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى