دراسات

آليات تفعيل الحاضنة الشعبية في الضفة الغربية

مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث

 

مقدمة

شهدت القضية الفلسطينية، منذ نشأتها قبل 100 عام، حالة مقاومة مستمرة ومتنوعة ضد الاحتلال البريطاني وضد الاحتلال “الإسرائيلي”، فكانت المقاومة المسلّحة، والمقاومة الشعبية مثل المسيرات والاشتباكات بالحجارة، والمقاومة السلمية مثل الإضراب والعصيان المدني، وقد حققت حالة المقاومة هذه نتائج ومكتسبات متفاوتة ومرحلية في فترات متعددة خلال القرنين الماضي والحالي.

إن أبرز ما تميزت به المقاومة الفلسطينية المسلّحة في كل المراحل، هو وجود حاضنة شعبية تدعمها وتؤازرها وتحميها، وتشاغل الاحتلال، وبدون هذه الحاضنة كانت المقاومة تجد صعوبات جمّة في مقاومة الاحتلال.

والأمثلة كثيرة.. فمن الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 حينما خاض الفلسطينيون أطول إضراب في التاريخ إسناداً للثورة المسلّحة ضد الاحتلال البريطاني وقتها، ومن أبرز المشاهد فيها امتثال المواطنين الفلسطينيين لتعليمات قيادة الثورة بارتداء الكوفية للتعمية على الثوار والتمويه عنهم..

مروراً بانتفاضة الحجارة التي شارك فيها الكل الفلسطيني، وشكلت حالة مقاومة جمعية واحتضان جمعي كذلك.

وصولاً إلى السنوات الأخيرة التي شهدنا فيها حروباً واجتياحات ضد مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، وما ظهر فيها من مظاهر الاحتضان الشعبي للفعل المقاوم المسلّح، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، حينما قام الأهالي في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، بتغطية أزقة المخيم بالأغطية المصنوعة من القماش وغيره؛ لمنع طائرات الاحتلال من رصد واستهداف رجال المقاومة الذي كانوا يتصدون للاجتياح الذي قامت به قوات الاحتلال لمنطقة جباليا شمال القطاع في أيلول/ سبتمبر 2004.

تبحث هذه الدراسة في الحاضنة الشعبية، وأهميتها، والأدوار المنوطة بها، وخصائصها، وصولاً إلى التوصية بمجموعة من الآليات التي يمكن أن تساهم في تفعيل وتطوير الحاضنة الشعبية في الضفة الغربية، وذلك تزامناً مع الحالة الثورية المتصاعدة في مدن وقرى وبلدات الضفة الغربية المحتلة، وبروز حالة تصاعد واضحة في المقاومة المسلحة.

 

تعريف الحاضنة الشعبية

يمكن تعريف الحاضنة الشعبية بأنها تتمثل في “مجموعة السلوكيات والأفعال التكميلية التي يقوم بها عامة الشعب؛ لإكمال دور المقاومة المسلحة وتعزيزها، للوصول إلى غاية سياسية محددة متفق عليها بين هياكل المقاومة وعموم الشعب، ويمكن القول أن الحاضنة الشعبية هي بحد ذاتها المقاومة الشعبية والسلمية”.

 

أهمية الحاضنة الشعبية

تنبع أهمية الحاضنة الشعبية من أن لها دورين أساسيين، هما:

  1. إسناد المقاومة المسلحة.
  2. مشاغلة الاحتلال.

وهذان الدوران يتفرعان إلى مجموعة من الأدوار الفرعية التي تصب في هذين الدورين الأساسيين: الإسناد والمشاغلة، ويمكن تقسيم هذه الأدوار الفرعية إلى أدوار سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وإعلامية. بحيث أن الدور الفرعي الواحد يصب في صالح إسناد المقاومة المسلحة وكذلك مشاغلة الاحتلال.

وفيما يأتي شرح هذه الأدوار..

 

1- الدور السياسي للحاضنة الشعبية:

ويتمثل في تبني هدف سياسي استراتيجي وأهداف سياسية مرحلية، وإيجاد برنامج واقعي ينسق الجهود مع المقاومة المسلحة لتبني نفس الهدف؛ كي تتعزز المساندة والتناغم بين المقاومة المسلحة والحاضنة الشعبية وعدم التعارض بينهما على المدى البعيد أو القريب حتى يتم تحقيق الأهداف المنشودة.

ولعل أفضل مثال على الهدف الاستراتيجي الذي يحمله الكل الفلسطيني هو “إنهاء الاحتلال”، أما الأهداف المرحلية فتتمثل في: مقاومة الاستيطان، ومقاومة الجدار الفاصل، وغيرها من الأهداف المرحلية.

 

2- الدور الاجتماعي للحاضنة الشعبية:

ويتمثل في الدعم والمؤازرة الاجتماعية لعناصر المقاومة المسلحة وعائلاتهم، والوقوف إلى جانبهم وتوفير السند الاجتماعي لعائلات الشهداء والجرحى والأسرى وكل المنخرطين في المقاومة المسلحة.

كذلك، يتمثل الدور الاجتماعي للحاضنة الشعبية في إيواء عناصر المقاومة وإمدادهم بسبل الصمود والاستمرارية من طعام وشراب ودواء واحتياجات لوجستية، وكذلك التمويه والتعمية عليهم وحمايتهم من الاحتلال وعملائه، ويمكن كذلك أن يكون الدور الاجتماعي للحاضنة الشعبية على شكل تقديم الإسعاف والعلاج لعناصر المقاومة في عملياتهم ضد الاحتلال.

ولا ينتهي الدور الاجتماعي للحاضنة الشعبية عند هذا الحد، بل يمتد إلى الإضراب والعصيان المدني وممارسة الضغط الشعبي لتأجيج المقاومة وإدامة حالة الاشتباك مع الاحتلال، كما حدث عقب اغتيال مجموعة من قادة مجموعات “عرين الأسود” في نابلس، حيث عمّ الإضراب أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

3- الدور الاقتصادي للحاضنة الشعبية:

إلى جانب الدور السياسي والاجتماعي للحاضنة الشعبية تبرز أهمية الدور الاقتصادي، والذي يكون على شكل الدعم المالي للمقاومة وعموم المواطنين، والمساهمة في تعويض أي خسائر مادية تلحق بالمواطنين والمقاومين من جراء ممارسات الاحتلال، ولقد شهدنا أكثر من حملة من تجار فلسطينيين لإعادة بناء البيوت التي ينسفها الاحتلال في مدن الضفة المحتلة.

 

4- الدور الإعلامي للحاضنة الشعبية:

وهو من أهم وأبرز الأدوار، حيث التسويق لرسالة المقاومة وأهداف الشعب في التحرر والاستقلال، وفضح جرائم الاحتلال التي يرتكبها بحق المواطنين وبيوتهم وأرضهم وممتلكاتهم..

ويمكن القول إن الدور الإعلامي للحاضنة الشعبية قد أنتج حالة من التضامن مع الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، حيث كانت الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي تزخر بالصور والرسائل المتضامنة والداعية إلى وقف اعتداءات الاحتلال، ومثال ذلك الحملة الإعلامية التي قادتها الناشطة منى الكرد وشقيقها محمد في حي الشيخ جراح في نيسان/ إبريل وأيار/ مايو من العام الماضي 2021، والتي انتهت بتدخل المقاومة في غزة لفرض معادلات جديدة فيما يخص مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحاضنة الشعبية أن تقوم بالدور الإعلامي من خلال نشر الوعي الوطني والأمني بين المواطنين والمقاومين، وهذا جزء من الرسالة الإعلامية لها، وقد انطلقت في السنوات الأخيرة عدة حملات ونداءات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحث أصحاب المحال التجارية في الضفة الغربية على حذف تسجيلات الكاميرات، عقب أي عملية فدائية تنفذها المقاومة ضد الاحتلال، حتى لا يستخدم الاحتلال هذه التسجيلات ويتتبع مسار المقاومين.

 

 خصائص الحاضنة الشعبية:

تتمتع الحاضنة الشعبية بمجموعة من الخصائص التي تؤكد أهميتها في الصراع مع الاحتلال، ومن أبرز هذه الخصائص:

  1. الحاضنة الشعبية تنشأ في كل مكان خاضع للاحتلال، فأينما وُجد الاحتلال ستنشأ حاضنة شعبية تحتضن المقاومين الذين يتصدون لجبروت هذا الاحتلال وسطوته.
  2. الحاضنة الشعبية دائمة ومستمرة في أوقات الهدوء والتصعيد، حيث أن الحاضنة الشعبية تمارس أدوارها في كل وقت، ففي التصعيد يكون لها أدوار مثل الاشتباك مع الاحتلال وإيواء عناصر المقاومة ومساندتهم، أما في الهدوء فإنها تسهم في نشر الرسالة الإعلامية والمظاهرات السلمية.
  3. الحاضنة الشعبية تمثل جميع شرائح المجتمع، فهي تمثل جميع الفئات الاجتماعية والأطياف السياسية والقطاعات الخدماتية والمهنية وغيرها.
  4. الحاضنة الشعبية تتعايش مع كل الظروف ولا تعدم الوسائل، فالحاضنة الشعبية تمثل جلّ قطاعات الشعب، لذلك، مهما حاول الاحتلال التضييق ومصادرة الوسائل النضالية، فإن الحاضنة الشعبية ستجد وسائل بديلة للقيام بدورها؛ لأن الاحتضان الشعبي للمقاومة هو جزء من سلوك الإنسان الذي يواصل المحاولات للوصول إلى أهدافه.
  5. الحاضنة الشعبية يصعب القضاء عليها، لأنها تمثل عموم الشعب، لكن قد يتم ترويضها بأساليب وسياسات يمارسها الاحتلال، مثل الربط بين دعم المقاومة والعمل داخل الخط الأخضر، فيقبل المواطنون بالعمل داخل الخط الأخضر لرفع الضغط الاقتصادي عن أنفسهم قليلاً، وهذا لا يعني تخليهم عن احتضان المقاومة.
  6. الحاضنة الشعبية لا تمتثل لقيادة واحدة إنما للجان تنسيقية، فالحاضنة الشعبية لا تسير بنظام إداري محكم، بل تنتظم من خلال اجتهادات ومبادرات فردية وجماعية على شكل لجان تنسيقية، لا يوجد لها رئيس بل مجموعات مبادرة.
  7. الحاضنة الشعبية لديها استعداد عالٍ للتضحية وقدرة على تحمل الضغط، وهذا ما يتضح من خلال نموذج قطاع غزة الذي يدخل عامه السابع عشر تحت حصار الاحتلال البري والبحري والجوي ومازال يحتضن المقاومة.
  8. الحاضنة الشعبية قادرة على تحويل الضغط، فبالإضافة إلى قدرة الحاضنة الشعبية على تحمل الضغط من قبل الاحتلال، فهي كذلك قادرة على تحويل هذا الضغط ليصبح ضغطاً ممارساً على الاحتلال نفسه، فمثلاً، عندما حاول الاحتلال خنق المقاومة في قطاع غزة وحاضنتها الشعبية ما بين أعوام 2014 حتى عام 2018، خرجت مسيرات العودة الكبرى ضد الاحتلال، التي انطلقت في نهاية آذار/ مارس 2018 وشكلت ضغطاً واضحاً على الاحتلال.

 

آليات تفعيل الحاضنة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة

بعد توضيح ماهيّة الحاضنة الشعبية وأدوارها وخصائصها، يمكن القول أن إمكانية تفعيل الحاضنة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة موجودة، بل إن عدوان الاحتلال المتصاعد يحتّم على الحاضنة الشعبية تطوير نفسها.

وفي ختام هذه الدراسة نستعرض، كتوصيات، مجموعة من الآليات التي تُسهم في تفعيل وتطوير الحاضنة الشعبية في الضفة الغربية، وهي بالمناسبة ليست خاصة بالضفة الغربية، ولكن تخصيص الحديث عن الضفة الغربية في هذه الدراسة يأتي تبعاً للحالة الثورية المتصاعدة هناك.

 

يمكن تفعيل وتطوير الحاضنة الشعبية في الضفة الغربية من خلال الآليات الآتية:

  • تطوير الوعي الوطني بأهمية الحاضنة الشعبية وأدوارها، وأهمية أن ينخرط فيها كل الفلسطينيون وعلى جميع مستوياتهم ومختلف قطاعاتهم وتوجهاتهم، وهذا الوعي الوطني في حال تحققه فإنه يشكل الدافع الأساسي لتفعيل الحاضنة الشعبية.
  • تشكيل اللجان الشعبية لتنسيق جهود الحاضنة الشعبية، بحيث أن هذا التنسيق يساهم في تجاوز أي عقبات، ويضافر الجهود لتمكين كل الطاقات وتوظيف كل الإمكانات لمساندة المقاومة في مواجهة الاحتلال.
  • إبراز قيادة جديدة من قلب الحاضنة الشعبية، بشرط أن تكون محل إجماع بين كل الأطياف الفلسطينية، وتكون هذه القيادة رمزية بحيث أنها تجمّع وتنسق جهود الحاضنة الشعبية في مساندة المقاومة.
  • توفير الدعم الرسمي من السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني، ووظيفتها تتمثل في توفير الغطاء الدولي لنضال الشعب الفلسطيني، وتسويق مظلومية الشعب الفلسطيني أمام العالم.
  • الحفاظ على التوافق الزماني والمكاني بين الفعل المقاوم وجهود الحاضنة الشعبية، فمثلاً لو قامت قوات الاحتلال باقتحام قريةٍ ما لاعتقال مقاومين، ينبغي أن تهب الجماهير، وفق تنسيق من الحاضنة الشعبية؛ من أجل الاشتباك مع الاحتلال ومنعه من دخول القرية ومشاغلته إلى حين اختفاء المقاومين من المكان.

 

للحصول على الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى