تحليلات

دوافع تبني الشباب الفلسطيني للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

تصاعدت منذ بدايات العام 2022 عمليات مسلحة نفذها شبان فلسطينيون ضد جنود ومستوطني الاحتلال في الضفة الغربية وذلك بشكل فردي، ولم يثبت أن هناك جهة ما أو تنظيماً فلسطينياً يدعم أو يوجه هذه العمليات، ما أثار تساؤلات عن الدوافع التي جعلت الشاب الفلسطيني في العشرينات من عمره يتبنى ويتجه إلى العمل المسلح ضد الاحتلال، حيث تشير الإحصاءات أن كثر من 90% من منفذي العمليات هم من الشباب وتتراوح أعمارهم ما بين 25 – 32 عاماً.

في هذه الورقة سنقرأ في دوافع تبني الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية للعمل المسلح ضد الاحتلال.

 

ما دوافع تبني الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية للعمل المسلح ضد الاحتلال؟

بعد استعراض العمليات الفدائية التي نفذها شبان فلسطينيون في الضفة الغربية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، ومجريات هذه العمليات، يمكن استنتاج مجموعة من الدوافع التي دفعت الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة إلى تبني العمل المقاوم المسلح ضد الاحتلال، وهي على النحو الآتي:

1- انغلاق الأفق السياسي والحلول السلمية للقضية الفلسطينية، ويجب التوضيح هنا أن كل الشباب الذين نفذوا العمليات والذي استشهدوا هم من الجيل الذي ولد تزامناً مع اتفاقية السلام “أوسلو” عام 1993 وقدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، أي أنهم رأوا “السلام” مجرد شعار وليس تطبيقاً واقعياً، وتربوا على مشاهدة عنف المستوطنين لا الحلول السلمية لقضيتهم، لذلك أصبحوا يعيشون حالة من اليأس السياسي، وهو الذي دفعهم لتبني العمل المسلح والاشتباك مع الاحتلال خصوصاً بعد سنوات من المقاومة الشعبية والسلمية التي لم تؤتِ أكلها في كل الأوقات.

يأتي انغلاق الأفق السياسي بالتزامن مع اشتداد الإرهاب “الإسرائيلي” وبرعاية رسمية من دولة الاحتلال، حيث أن مجمل الحكومات “الإسرائيلية” رعت الاستيطان، وشجعت عدوان المستوطنين على الفلسطينيين وبيوتهم وممتلكاتهم، فكثيراً ما سمعنا خلال السنوات والعقود الماضية عن مصادرة أراضٍ يملكها الفلسطينيون، ناهيك عن جرائم القتل والتنكيل والإرهاب، وجدار الفصل العنصري وغيرها من الجرائم والممارسات “الإسرائيلية”، والتي دفعت الشباب الفلسطيني، الذي لم يجد له نصيراً ولم تنصفه اتفاقيات السلام، إلى أن يحمل سلاحه أو سكينه أو يقود سيارته لتنفيذ عمليات تستهدف الجنود والمستوطنين.

2- عدم الاستقرار السياسي في دولة الاحتلال، حيث أن أغلب الحكومات “الإسرائيلية” في السنوات الأخيرة كانت حكومات ائتلافية ضعيفة وغير مستقرة، تعمل على تسكين الجبهات وشراء الهدوء، ولا تدخل في اتفاقيات ولا تقدم الحلول السياسية بل تقتصر على الحلول الأمنية تجاه الفلسطينيين، وهذه الحلول يتم ترجمتها إلى ممارسات عدوانية تُعمل القتل والتدمير بحق الإنسان الفلسطيني، ما يدفع الشباب الفلسطيني إلى التعامل بذات الطريقة.

3- المعتقدات السياسية – الفكرية، والتي تُعدّ ملهمةً للشباب الفلسطيني للقيام بتنفيذ عمليات، كفكرة التحرير والاستقلال، والمعتقدات الفكرية هذه التي يتبناها الفلسطينيون تأتي كردّ فعل على المعتقدات التي يتبناها المستوطنون وقادتهم بشكل عام، ويستخدمون وسائل العنف لتطبيقها كواقع عملي، لذلك فإن الشاب الفلسطيني سيتبنى معتقدات سياسية – فكرية مضادة للاحتلال، وسيتبنى معها النهج المقاوم المسلح.

4- وفرة المال والسلاح في مدن الضفة الغربية، جعل الشباب الفلسطيني المقاوم يتحمّس لاقتناء السلاح مقابل دفع الأموال، وسهولة تنفيذ العمليات المسلحة، أو يمكن القول أن الشاب الفلسطيني الذي يمتلك الأموال يستطيع مثلاً أن يشتري سيارة شخصية وينفذ بها عملية دهس، أو أن يشتري مسدساً وينفذ به عملية، وهذا ممكن وسهل في الضفة الغربية.

5- أن العمل المسلح يؤتي نتائج مباشرة على الأرض، ما يدفع الشاب المقاوم إلى الشعور بالحماس ونشوة النصر وتحقيق الإنجاز، ويحقق الإلهام لغيره من الشباب لتنفيذ مزيد من العمليات المماثلة.

6- توفر الحاضنة الشعبية في الضفة الغربية المحتلة بشكل واضح، وهذا يسمح للشباب المقاوم بالقيام بعملياتهم المسلحة ثم الانسحاب والاختفاء، مع توفر الإمدادات اللازمة من طعام وشراب وأموال، وتغطية من الجماهير، ووعي وطني وأمني يدفع المواطنين لمسح تسجيلات كاميرات المراقبة، كل هذا وأكثر يسهم في تشجيع الشباب للقيام بالعمليات المسلحة، وفي حال استشهاد الشاب فإن المؤسسات المجتمعية والحكومة الفلسطينية والأحزاب والعائلات تتكفل عائلته، وفي حال تم هدم بيته فإنه سرعان ما يتم بناؤه مجدداً.

7- توفر الدعم من الفصائل الفلسطينية، وهذا الدعم يشمل الدعم السياسي في المواقف والتأييد لمقاومة الشباب الفلسطيني، ويشمل كذلك الدعم العسكري والمالي لتغذية العمليات التي يقوم بها الشبان الفلسطينيون، وعلى الرغم من أنه لا يوجد موقف من الفصائل المختلفة يتبنى هؤلاء الشباب المقاومين بشكل مباشر، إلا أن هناك جملة من المؤشرات تدلل على وقوف الفصائل الفلسطينية أو بعضها خلف الشباب المقاوم في الضفة الغربية المحتلة ودعمهم بالمال والسلاح، ومن هذه المؤشرات ما يذهب إليه قادة الاحتلال من اتهامات بحق فصائل بعينها أنها تدعم وتمول العمليات في الضفة الغربية.

8- الحسابات الإقليمية، حيث أن الوضع العام في الضفة الغربية لا يمر بمعزل عن الأوضاع الإقليمية المحيطة، فالصراع بين إيران ودولة الاحتلال يرخي بظلاله على الوضع الأمني في الضفة الغربية، حيث صرّح قائد الحرس الثوري الإيراني “حسين سلامي” في آب/ أغسطس الماضي “أن قواته تعمل على تسليح الضفة الغربية كما تعمل في غزة”، كما وأكدت هذه المعلومات تقارير نشرتها أجهزة أمن الاحتلال، وهذا الأمر يدفع الشباب الفلسطيني لتبني العمل المقاوم المسلح استجابةً للدعم المقدم من دول إقليمية تدعم مقاومة الشعب الفلسطيني مثل إيران.

 

ختاماً، يمكن القول أنه وبعد دراسة دوافع الشباب الفلسطيني لتبني المقاومة المسلحة في الضفة الغربية المحتلة، فإن تبني المقاومة المسلحة في الضفة الغربية بات متزايداً، وإنه كلما ازداد تفعيل هذه الدوافع سيزداد نشاط المقاومين.

ومن الصعب الحديث عن مثبطاتٍ تقف أمام نشاط الشباب المقاوم في الضفة الغربية المحتلة، إذ إن ما شهدناه منذ بداية العام الجاري 2022 من حالة ثورية، ينبئ أن الضفة الغربية لن تهدأ في المستقبل القريب.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى