تحليلات

خيارات السلطة الفلسطينية في التعامل مع عقوبات الاحتلال عليها

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

قرر المجلس الوزاري “الإسرائيلي” المصغر – الكابينيت فرض مجموعة من العقوبات المالية والإدارية ضد السلطة الفلسطينية وهي الخطوة الأولى التي تنفّذها حكومة نتنياهو المتطرفة الجديدة.

وجاءت هذه العقوبات عقب توجه السلطة الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والحصول على قرار منها بطلب “رأي استشاري” من محكمة العدل الدولية بشأن احتلال “إسرائيل” للضفة الغربية، وكذلك الحصول على قرار بالأغلبية يؤيد حق السلطة الفلسطينية بالسيادة على الموارد الطبيعية، وكذلك بعد توجه السلطة إلى مجلس الأمن الدولي للاحتجاج على اقتحام “إيتمار بن غفير” وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال الجديدة للمسجد الأقصى المبارك بداية الشهر الجاري.

كان من أبرز هذه العقوبات، اقتطاع مبلغ (139) مليون شيكل من أموال السلطة الفلسطينية المحتجزة لدى دولة الاحتلال ودفعها لعائلات القتلى “الإسرائيليين” جراء عمليات المقاومة، وتجميد عمليات البناء الفلسطينية في مناطق (ج) وسحب بطاقات التصاريح (VIP) لكبار قادة السلطة، إضافة إلى ملاحقة الفصائل الفلسطينية في الضفة المحتلة والمؤسسات التابعة لها والتي تعمل قانونياً ضد الاحتلال.

 

دلالة العقوبات ضد السلطة الفلسطينية:

يدلل فرض العقوبات على السلطة الفلسطينية من قبل دولة الاحتلال، أن خطوة السلطة بالتوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة كانت خطوة في الاتجاه الصحيح في سياق التعامل مع حكومة نتنياهو الجديدة وسياساتها المتطرفة، ومع الاحتلال ومستوطنيه وتواجدهم بشكل عام.

أما على الصعيد “الإسرائيلي”، فإن دلالة هذه العقوبات تعني أن حكومة الاحتلال تفتح باب المواجهة مع الكل الفلسطيني بما في ذلك السلطة الفلسطينية، بالرغم من الاتفاقيات السياسية والأمنية بين الجانبين.

ولأنّ حكومة الاحتلال لا تعتبر أياً من الحلول السياسية مع السلطة الفلسطينية ما زال قائماً، فإنها تنظر للسلطة على أنها “وكيل أمني وخدماتي” فقط، يجب ألا ينخرط بأي جهد سياسي ضد “إسرائيل”، بل يجب أن يقتصر دورها على الأمن والخدمات الإنسانية والقضايا المعيشية اليومية للمواطن الفلسطيني فقط.

 

الهدف العام من العقوبات على السلطة الفلسطينية:

يهدف الاحتلال من معاقبة السلطة الفلسطينية تقويضَ أي جهد يصب في مصلحة بناء تمثيل سياسي للشعب الفلسطيني، ومنع السلطة الفلسطينية من التطور إلى دولة ذات سيادة ومؤسسات وكيانية سياسية تطالب بحقوق الفلسطينيين مثل أي دولة طبيعية في العالم، وتطالب كذلك بإنهاء الاحتلال لأراضي دولة فلسطين على حدود 1967، لذلك يقوم الاحتلال بوقع العراقيل الاقتصادية والإدارية أمام السلطة الفلسطينية، وما هذه العقوبات إلا جزء من هذه العراقيل.

 

آثار العقوبات على السلطة الفلسطينية:

بالنظر إلى مجمل هذه العقوبات، فإنها تلقي بآثار سلبية على السلطة الفلسطينية وعلى المجتمع الفلسطيني بشكل عام.

فالأموال التي تم اقتطاعها هي من عائدات الضرائب التي تجمعها دولة الاحتلال للسلطة الفلسطينية، وتقوم الأخيرة بدفعها على شكل رواتب لمئات الآلاف من الموظفين التابعين لها، وعشرات المؤسسات الرسمية الخدماتية كموازنات تشغيلية ومشاريع تطويرية، وهذا كله سيكون في مرمى العقوبات.

أما وقف عمليات البناء الفلسطينية في المناطق (ج) التي تخضع للسيطرة الأمنية والمدنية للاحتلال حسب اتفاقية أوسلو عام 1993، فيمثل زيادة في التضييق على البناء الفلسطيني في الأراضي التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية المستقبلية، ما يعني فرض أمر واقع يؤدي إلى التقليل من فرص قيام دولة فلسطينية، خاصةً أن مناطق (ج) تمثل 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة.

أما سحب بطاقات التصاريح من المسؤولين الفلسطينيين فيحد من تحركاتهم وتنقلاتهم ويصعّب عليهم القيام بواجبهم خصوصاً الوفود الدبلوماسية الفلسطينية.

ومن ضمن العقوبات ستلاحق حكومة الاحتلال الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية والمؤسسات التابعة لها والتي تنشط في مجال ملاحقة الاحتلال قانونياً مثل مؤسسات حقوق الإنسان، ومؤسسات أخرى تعمل على إسناد السلطة الفلسطينية في تعزيز صمود المواطن الفلسطيني في وجه سياسات الاحتلال.

هذا كله يعني تعطيل الحياة في مختلف المجالات التي تمس المجتمع الفلسطيني، من حاجات معيشية ونظام مؤسسات وتمثيل سياسي.

 

خيارات السلطة في التعامل مع العقوبات:

أمام العقوبات التي فرضها الاحتلال ضد السلطة الفلسطينية، فإن الأخيرة ستكون أمام مجموعة خيارات للتعامل مع السلوك “الإسرائيلي”، ومن أبرز هذه الخيارات:

1- المواجهة الشاملة:

حيث ترى السلطة الفلسطينية أن دولة الاحتلال قد تجاوزت الخطوط الحمراء بفرض العقوبات المالية، وأن هذه العقوبات ما هي إلا بداية لسلسلة من الممارسات السياسية والأمنية ضدها، لذلك لا يمكن للسلطة البقاء مكتوفة الأيدي بل يجب أن تفعّل أدوات ضغط على دولة الاحتلال، أو التحلل من الالتزامات الأمنية والذهاب إلى مواجهة شاملة بين الشعب الفلسطيني والسلطة من جهة والاحتلال من جهة أخرى.

2- الاستمرار في النشاط السياسي الدبلوماسي:

وكما قلنا في بداية الورقة، فإن التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ويمثّل تجاوزاً لدولة الاحتلال في اتجاه بناء الدولة الفلسطينية، وهذا ما لا يريده الاحتلال، ويمكن للسلطة الفلسطينية أن تعتمد استمرار النهج السياسي والتوجه إلى مؤسسات المجتمع الدولي لإدانة دولة الاحتلال كسبيل للرد على هذه العقوبات.

3- الاتفاق الجزئي مع الاحتلال:

يمكن للسلطة الفلسطينية أو شخصيات فيها أن تعيد الاتفاق مع دولة الاحتلال بشكل جزئي، بحيث تتجاوز مرحلة العقوبات مقابل تجميد عمل السلطة الفلسطينية في التوجه إلى مؤسسات المجتمع الدولي، بما يضمن كذلك توقف حكومة الاحتلال عن ممارسات تعمل على تغيير الوضع القائم.

 

ختاماً، يعتمد الخيار الذي ستقوم به السلطة الفلسطينية على مدى تأثرها بالعقوبات المالية والإدارية المفروضة عليها، فإذا كان تأثير العقوبات عليها بشكل لا يجبرها على تقديم تنازلات، فبإمكانها الصمود في وجه هذه العقوبات وتعويض الخسارة، وبالتالي ستستمر في توجهها إلى المجتمع الدولي ومؤسساته.

أما لو كان أثر العقوبات على السلطة كبيراً، فإنها ستذهب إلى تحقيق اتفاق مع دولة الاحتلال يجنبها مزيداً من العقوبات.

وما سبق يجعل خيار المواجهة الشاملة مستبعداً بشكل كبير، فلن تذهب السلطة الفلسطينية لتطبيقه في هذه المرحلة، لأن المواجهة الشاملة ستنزلق ربما إلى مواجهة مسلحة وهذا لا يخدم السلطة الفلسطينية في توجهها للمجتمع الدولي لإدانة دولة الاحتلال.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى