تحليلات

المرجّح من قمة العقبة… الاتفاق على اللاحل

خاص – اتجاهات

مقدمة:

عقدت في مدينة العقبة الأردنية قمة أمنية سياسية جمعت ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، والأردن ومصر والولايات المتحدة؛ من أجل بحث آليات خفض التصعيد في فلسطين قبل وصول التصعيد الحالي إلى ذروته في شهر رمضان الذي يحل بعد أقل من شهر.

الاجتماع الذي عقد بعيداً عن الإعلام، اختتم أعماله وسط غموض في المواقف التي تقدمت في هذه القمة، لكن بياناً صدر فيما بعد أكد الاتفاق على خطوط عريضة في مجملها التزام كل الأطراف بـــ “خفض التصعيد” في فلسطين والعمل العاجل لتحقيق هذا الهدف، وأن تعمل السلطة الفلسطينية على إعادة التنسيق الأمني مع إسرائيل، مقابل وقف إسرائيل لحركة الاستيطان لفترة زمنية من 2 – 6 أشهر.

مواقف سياسية حول القمة:

لاقت نتائج الاجتماع اعتراضاً إسرائيلياً من أقطاب الائتلاف الحكومي، حيث عبّروا عن هذا الرفض من خلال المواقف الآتية:

  • قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنه “لن يتم وقف الاستيطان”
  • من جهته قال وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير” “أن ما جرى في الأردن يبقى في الأردن”.
  • أما وزير المالية الإسرائيلي “بتسلائيل سموتريتش” فقد عبّر عن رفضه بالقول “لن يكون هناك تجميد للبناء وشرعنة البؤرة الاستيطانية ولو ليوم واحد، هذا اختصاصي” داعياً في الوقت ذاته إلى إعادة الوفد من العقبة إلى تل أبيب فوراً بعد تنفيذ المقاومة لعملية عند مفترق حوارة في نابلس أدت إلى مقتل جنديين إسرائيليين.

وفي مقابل حالة الرفض في الائتلاف الحاكم في إسرائيل لقرارات القمة في العقبة، إلا أن القمة ومخرجاتها لاقت على ما يبدو أنه ترحيب من أقطاب المعارضة الإسرائيلية، حيث أدان كلاً من رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق “يائير لابيد” ووزير الدفاع السابق “بيني غانتس” تصريحات “سموتريتش” الرافضة لنتائج قمة العقبة.

أما بالنسبة للوضع الفلسطيني فهو شبيه بالوضع الإسرائيلي المنقسم حول القمة الأمنية في العقبة ونتائجها:

  • دافعت قيادة السلطة الفلسطينية عن المشاركة في هذه القمة في ظل رفض شعبي وفصائلي فلسطيني واسع، فقد علل عضو الوفد الفلسطيني المشارك في القمة، الوزير حسين الشيخ، أن المشاركة جاءت لتوصيل الرواية الفلسطينية إلى الوسطاء.
  • بالمقابل، أدانت الفصائل الفلسطينية مشاركة وفد السلطة في قمة العقبة، ورفضت النتائج أيضاً، والتي جاءت في بيان ختامي عقب القمة، وترجمت الفصائل والقوى الشعبية الفلسطينية رفضها لقمة العقبة من حيث المشاركة والنتائج، بتأييد ومباركة عملية إطلاق النار في حوارة بمدينة نابلس بالتزامن مع انعقاد القمة في العقبة، واعتبرتها رداً طبيعياً على الجرائم الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.

أهداف مختلفة للأطراف المشاركة:

وعلى مستوى آخر، قد تكون أهداف كل طرف مشارك في القمة مختلفة عن أهداف الطرف الآخر، وفيما يلي بعض التفاصيل:

  1. تريد الولايات المتحدة من القمة التأكيد على أن الملف الفلسطيني هو تحت تصرفها بشكل كامل، في ظل توجه العالم لثنائية القطبية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وصعود الصين في منافسة الولايات المتحدة.
  2. وقد تريد الولايات المتحدة وإسرائيل، أن تكون القمة في العقبة هي بمثابة صفقة تتم بينهما، تتلخص في أن تقوم إسرائيل بخفض التصعيد في الساحة الفلسطينية مقابل سماح الولايات المتحدة لإسرائيل بتنفيذ ضربات محدودة للبرنامج النووي الإيراني، أو قيام الأمريكان بالضغط على السعودية للدخول في تطبيع مع إسرائيل، وفي كلتا الحالتين يعتبر هذا نجاحاً لنتنياهو.
  3. وحسب مصادر إعلامية فإن مصر تسعى من القمة أن تبقى نفسها عاملاً مهماً في القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى استخدام القمة وعلاقتها مع إسرائيل لجلب تمويل من البنك الدولي لمواجهة غلاء الأسعار وتدهور الجنيه المصري أمام الدولار خصوصاً في ظل اقتراب شهر رمضان المبارك.
  4. أما الأردن فتريد من القمة أن تؤكد على أحقيتها في الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس المحتلة

 

وعلى الرغم من اجتهاد الوسطاء (الأمريكي والمصري والأردني) في إنجاح قمة العقبة، باعتبارها فرصة لخفض التصعيد في الضفة الغربية مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، إلا أن القمة لم تشهد نجاحاً كبيراً، وهذا ما يمكن فهمه من المعطيات الآتية:

  1. البيان الركيك الذي صدر بعد انتهاء القمة، والذي لم يعطِ تفاصيل واضحة لما تم الاتفاق عليه، ولا جدولاً زمنياً للتنفيذ، بل إنه أرجأ الاتفاق على التفاصيل وإكمال أعمال القمة إلى اجتماعٍ آخر يعقد في شرم الشيخ في آذار/ مارس الجاري.
  2. هجمات المستوطنين على حوارة برعاية وحماية من جنود الاحتلال وتحريض من وزراء في الحكومة الإسرائيلية، ما يؤكد الرفض الإسرائيلي للقمة.
  3. عملية حوارة التي قتل فيها جنديان من الجيش الإسرائيلي، وهو ما يؤكد الرفض الفلسطيني للقمة.

خلاصة القول، إن قمة العقبة لم يكتب لها النجاح لسببين:

  • ضعف الأطراف عن ضبط أدواتهم في الميدان، فنتنياهو لا يستطيع أو لا يريد ضبط وزرائه “بن غفير” و “سموتريتش” الذين يسعيا لتأجيج الوضع، وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي لا تستطيع هي الأخرى أو ربما لا تريد ضبط الكتائب المسلحة في الضفة الغربية “عرين الأسود” و “كتيبة جنين”، وبالتالي فإن القمة اتخذت قرارات غير واقعية.
  • اختلاف أهداف القمة في العقبة عن الهدف المعلن، فالهدف المعلن هو خفض التصعيد في الساحة الفلسطينية، لكن ربما يكون الأمر بعيداً عن هذا الهدف إلى أهداف أخرى غير معلنة، وهنا ينبغي الحذر من سيناريوهات أكثر تعقيداً في المرحلة المقبلة.

 

للحصول على القراءة التحليلية بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى