تحليلات

عودة العلاقات السعودية الإيرانية

قراءة تحليلية

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

أعلنت المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية أنهما اتفقتا على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين، وذلك خلال مباحثات جرت بين البلدين برعاية صينية، حيث جاء في بيان صيني سعودي إيراني مشترك، أن البلدين اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

نقدم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث هذه القراءة التحليلية للسياقات التي جاء فيها هذا الاتفاق، ودوافع كل طرف من ورائه، للوقوف على تداعيات الاتفاق على مختلف الأطراف وأثره على القضية الفلسطينية.

 

أولاً: السياقات التي جاء فيها الاتفاق

1- اتساع حالة الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والذي كان من أبرز أشكالها التدخل الأمريكي في تايوان، واتهامات متبادلة بالتجسس، والتنافس التكنولوجي والتجاري بين البلدين.

2- تصاعد التقارير الدولية التي تتحدث عن وصول إيران إلى عتبة دولة نووية بعد رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 84%، في المقابل لا زالت المباحثات الأمريكية الإيرانية حول التوصل لاتفاق نووي جديد تراوح مكانها ولم تنجح في التوصل لاتفاق جديد.

3- سعي إسرائيلي حثيث لضم السعودية إلى اتفاقيات التطبيع (اتفاقات أبراهام)، غير أن السعودية اشترطت دعماً أمريكياً في مجال بناء مشروع نووي سعودي ذا طابع مدني، وهو ما رفضته الولايات المتحدة واعتبرته ثمناً باهظاً لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، حسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

4- توتر العلاقات بين إدارة بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي تمثل في: تعهد الرئيس بايدن بإعادة تقييم علاقة بلاده بالسعودية على خلفية ملف حقوق الإنسان في السعودية، اللقاء الفاتر بين محمد بن سلمان والرئيس بايدن خلال زيارة بايدن الأولى للسعودية، رفض السعودية طلب الرئيس بايدن فيما يتعلق بتأجيل خفض إنتاج النفط.

5- حالة التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران، والتي كان من أبرز ملامحها (الحرب في اليمن، الأزمة اللبنانية، الاتهامات المتبادلة حول الحالة الأمنية في الخليج، استهداف أرامكو السعودية).

 

ثانياً: دوافع الأطراف من وراء الاتفاق

في ضوء ما سبق يمكن قراءة دوافع كل طرف من وراء إعادة العلاقات، في الآتي:

الدوافع الصينية:

1. دوافع سياسية تتعلق بحالة التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية، وزيادة نفوذ الصين على حساب نفوذ الولايات المتحدة، على اعتبار أن الصين تمثل قوة اقتصادية وسياسية قادرة على اللعب في الملفات الكبرى في الشرق الأوسط.

2. دوافع اقتصادية، تتعلق بتنامي الجهد الصيني في السوق الخليجية والعربية، وكجزء من تعزيز العلاقة مع السعودية وإيران كموردين رئيسيين لها في مجال النفط، خصوصاً بعد عقد قمة خليجية صينية، وقمة عربية صينية في الرياض قبل أشهر، وكذلك التوصل لاتفاق شراكة استراتيجي بين إيران والصين.

الدوافع السعودية:

1. دوافع سياسية، تتعلق بالضغط على الولايات المتحدة وإدارة الرئيس بايدن التي تتجاهل مطالب السعودية، ومحاولة من ولي العهد محمد بن سلمان لإبراز قدرة السعودية على السير بعيداً عن السياسة الأمريكية، فضلاً عن إدراك السعودية لأهمية العودة للحلول السياسية التي من شأنها تخفيف الكلفة الأمنية التي تتحملها دول المنطقة على رأسها السعودية بسبب السياسات الأمريكية.

2. دوافع أمنية تتمثل بسعي السعودية للنأي بنفسها عن أي استحقاقات أمنية من خلال:

  • ثني إيران عن التدخل في شؤون المملكة ووقف دعم المليشيات الإيرانية شرق المملكة.
  • احتواء الأزمة اليمنية، وبالتالي تأمين الحدود الجنوبية للمملكة.
  • الابتعاد عن أي تداعيات سلبية لاحتمالات استهداف إيران بضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية، تكون السعودية خلالها أحد عناوين الرد الإيراني، فيعمل هذا الاتفاق على تجنيب السعودية هذه المشكلة.

3. اقتصادياً، تعزيز التبادل التجاري بين السعودية والصين، وهو التبادل الذي لو ازداد فإنه سيكون بالمليارات بين البلدين المهمين.

الدوافع الإيرانية:

1. سياسياً، التأثير على فرص تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وبالتالي تقويض حلم نتنياهو في عزل إيران، أو إقامة تحالف عربي إسرائيلي ضدها، ومساهمة الدول العربية المطلة على الخليج في نشر أسلحة إسرائيلية أو استخدامها كقاعدة متقدمة في مواجهة إيران.

2. أمنياً، تخفيف حدة الصراع السعودي الإيراني في مناطق الاشتباك (اليمن، لبنان، العراق) بما يحفظ لإيران دورها ونفوذها الإقليميين ويخفف الضغوط التي تواجهها في ظل أزمة الملف النووي.

3. اقتصادياً، تعزيز التبادل التجاري بين إيران والصين، واستخدامه في الحد من تداعيات العقوبات الأمريكية على إيران.

 

ثالثاً: تداعيات الاتفاق على الصعيد الإقليمي

سيساهم الاتفاق في خفض التصعيد في منطقة الخليج، وسيشكل فرصة لإيران والسعودية للاتفاق أو المساعدة في حل وفكفكة الأزمات العالقة في المنطقة والتي تقع ضمن مناطق النفوذ والصراع بين إيران والسعودية (اليمن، لبنان، العراق، سوريا).

تراجع في الدور الأمريكي لصالح تعاظم النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، فعلى الرغم من ردود الفعل الأمريكية التي رحبت بالاتفاق من منطلق أنه سيساعد في خفض التصعيد في المنطقة، إلا أن الاتفاق شكل صفعة مزودوجة للولايات المتحدة، الأولى من الصين التي أثبتت قدرتها على رعاية هذا الاتفاق، والثانية من السعودية التي سعت للنأي بنفسها عن تداعيات التصعيد ضد إيران.

من المتوقع أن يكون للاتفاق تداعيات سلبية على ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي، حيث اعتبر مراقبون أن الخاسر الأكبر من الاتفاق هو إسرائيل، التي سعت منذ سنوات لعزل إيران وتشكيل حلف عربي إسرائيلي لمواجهة برنامجها النووي وتصاعد نفوذها في المنطقة.

لقد شكل الاتفاق دافعاً لتصاعد الخلافات الإسرائيلية الداخلية، حيث هاجمت المعارضة نتنياهو وحكومته، واعتبرت أن الاتفاق يعبر عن فشل نتنياهو وحكومته على المستوى الخارجي؛ كنتيجة لانشغالها في الانقلاب القضائي الذي تمارسه الحكومة بحجة الإصلاحات داخل القضاء، من جانبها اعتبرت حكومة نتنياهو أن الاتفاق جاء نتيجة شعور سعودي عززه الضعف تجاه إيران الذي أظهرته كل من الولايات المتحدة برئاسة بايدن والحكومة الإسرائيلية السابقة بقيادة لبيد وبينت.

 

رابعاً: أثر الاتفاق على القضية الفلسطينية

سيلقي اتفاق عودة العلاقات بين إيران السعودية بثقله على القضية الفلسطينية، نظراً لأن القضية حيّة وتتأثر بالمتغيرات السياسية والأمنية في المنطقة العربية والعالم، ونظراً لأهمية دور الدول الثلاثة (إيران والصين والسعودية) في القضية الفلسطينية.

نرصد مجموعة من الآثار المتوقعة للاتفاق بين إيران والسعودية على القضية الفلسطينية:

تأثر طموحات إسرائيل سلباً في التطبيع مع السعودية، وحيث أن إسرائيل متضررة من هذا الاتفاق حسب ما صرح به قادة إسرائيليون، إذاً فالرابح هم الفلسطينيون، وهذا يستدعي ضرورة تكثيف النشاط الدبلوماسي الفلسطيني لكسب مواقف سياسية من المملكة العربية السعودية وإيران.

إن تسكين الجبهة المشتعلة بين السعودية وإيران سيؤدي إلى زيادة التفرغ السعودي للدور السياسي الفاعل في المنطقة، وهو الدور المعروف بأثره في عدة ملفات، فالقرار السعودي مهم جداً للقضية الفلسطينية، وعليه نتوقع زيادة الحراك السياسي السعودي في المشهد الفلسطيني.

انخفاض حدة الصراع بين السعودية وإيران سيؤدي إلى تلاشي حدة الصراع المذهبي، بما يؤدي إلى تخفيف الضغط السياسي والإعلامي على الفلسطينيين وخصوصاً على المقاومة الفلسطينية بسبب تحالفها مع إيران.

ربما يزيد هذا الاتفاق من فرص دعم إيران لقوى المقاومة الفلسطينية.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى