تحليلات

أسباب إعادة سوريا إلى الجامعة العربية

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

تبنى وزراء الخارجية العرب، في اجتماع لهم أمس الأحد، قراراً يقضي بعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، بعد غيابٍ دام 12 عاماً، على إثر أزمة سياسية اندلعت في البلاد بين النظام الحاكم برئاسة الرئيس بشار الأسد، وقوى المعارضة المسلحة في الربع الأول من عام 2011.

نقدم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث قراءة تحليلية في الأسباب التي دفعت العرب إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

 

خطوات مبكرة

بدأ الانفتاح العربي على دمشق في عام 2018 بعد قيام الإمارات العربية المتحدة بإعادة فتح سفارتها في دمشق، بعد 3 أعوام من التدخل الروسي والإيراني في سوريا عام 2015، الأمر الذي كسر العزلة السياسية حول دمشق.

من هنا بدأت الدول العربية وغير العربية في إعادة علاقاتها بشكل متتابع مع دمشق، من خلال لقاءات سرية واستخباراتية ثم لقاءات اقتصادية وغيرها وصولاً إلى لقاءات سياسية كاملة ورسمية مع الرئيس بشار الأسد، كان آخرها زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق.

 

ما الأسباب التي دفعت العرب لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟

هناك جملة من الأسباب التي دفعت العرب لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهو الأمر الذي يعني اعترافاً رسمياً عربياً كاملاً بالرئيس بشار الأسد رئيساً لسوريا، وسحباً للاعتراف من أي كيان سياسي غيره في عموم سوريا، ومن أبرز هذه الأسباب ما يأتي:

1- هناك رغبةٌ عربيةٌ برزت في الفترة الأخيرة بضرورة حل الأزمة السياسية في سوريا بعيداً عن المراهنات على الدول الكبرى، ولا نعني أن العرب قد استغنوا عن هذه الدول، بل إنهم اقتنعوا بضرورة حل الإشكاليات العربية بعيداً عن الإرادة الأمريكية وغيرها، وتأتي هذه الرغبة والقناعة بعد فشل الدعم العسكري الذي قدمته بعض الدول العربية والإقليمية للمعارضة السورية، وبعد تحقيق الحكومة السورية سيطرةً ميدانيةً على الأرض، ما أفشل المراهنة على إسقاط الحكومة السورية.

2- دخول أكثر من فاعل سياسي دولي وإقليمي على خط دعم الحكومة السورية، وهنا نتحدث عن روسيا والصين وإيران، فروسيا دعمت الحكومة السورية عسكرياً وسياسياً، والصين ساندتها سياسياً في مجلس الأمن، أما إيران فقد دخلت بشكل عسكري وأمني وسياسي لدعم الحكومة السورية ومنع سقوطها، وهذا ما شكّل ضغطاً على الدول العربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وربما أن الاتفاقيات الجديدة مثل الاتفاق السعودي الإيراني قد صبّ في هذا الاتجاه، وكذلك حالة التناغم بين الإمارات وروسيا أيضاً، وكذلك الانفتاح الصيني على العالم العربي قد أبرز رغبةً صينيةً عربيةً بالعمل المشترك في عدة ملفات، وهنا برزت مكانة ودور سوريا في أي اتفاق صيني عربي نظراً لموقعها الجغرافي.

3- التوجه العربي بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية جاء بعد فشل المراهنة على الحضور الأمريكي في المنطقة العربية، ودوره في حل الإشكاليات العربية، إذ أن الدول العربية وخصوصاً دول الخليج قد راهنت على الحضور الأمريكي في حمايتها من إيران وحلفائها في المنطقة، لكن بعد فترة كبيرة من هذا الرهان، اتضح أن الأمريكان يريدون فقط تحقيق مصالحهم دون مراعاة مصالح حلفائهم العرب، وقد برز هذا واضحاً بعد اكتفاء أمريكا بتوجيه ضربات شكلية للنظام السوري في مطار “الشعيرات” في عام 2017، وبعد توجيه إيران من خلال الحوثيين ضربات لشركة “أرامكو” في عام 2019 دون تدخل أمريكي لردع إيران أو أي من حلفائها، ما يعكس عدم رغبة أمريكية في حل الأزمة.

4- محاولة العرب استخدام سوريا كدولة حاجزة؛ لمواجهة النفوذ التركي تجاه العالم العربي من جهة، ومن جهة أخرى للحيلولة دون استمرار التحالف السوري الإيراني، حيث إن التدخل الإيراني في سوريا جعل إيران تزيد من نفوذها في العالم العربي.

5- الموقع الجغرافي لسوريا دفع العرب إلى التفكير في مشاريع استراتيجية اقتصادياً، منها: تسويق النفط العربي والغاز من الخليج عبر الأنابيب من السعودية إلى الأردن ثم سوريا ومنها إلى أوروبا، وهي السوق المتعطشة للطاقة، وهذا الأمر يخفف من الاعتماد الخليجي على تصدير النفط من خلال مضيق هرمز الخاضع للتأثير الإيراني.

 

في المجمل، يمكن القول إن مرحلةً جديدةً من العلاقات العربية السورية قد بدأت، بل إنها ستشهد تطوراً لافتاً خلال الفترة القادمة، سيّما وأن الفوائد ستكون مشتركة بين سوريا وعموم الدول العربية، فالعرب – خصوصاً دول الخليج – ستسهم في إعمار سوريا، وسوريا ستحقق انتعاشاً في المجال السياسي والاقتصادي، مع حفاظها على الامتيازات الأمنية والعسكرية التي وصلت إليها نتيجة التحالف مع إيران وروسيا، ناهيك عن خروج سوريا بصورة المنتصر بعد أزمة استمرت أكثر من 10 سنوات.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى