تحليلات

“وحدة الساحات”.. المفهوم والأهداف والجدوى

بعد عام على معركة حملت اسمها..

خاص – اتجاهات

وافقت قبل أيام الذكرى السنوية الأولى لمعركة “وحدة الساحات” التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في غزة رداً على اغتيال القائد العسكري في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي/ تيسير الجعبري ومجموعة من عناصر سرايا القدس الذين كانوا ينوون تنفيذ هجمات ضد جيش الاحتلال والمستوطنين في غلاف غزة، رداً على اعتقال الاحتلال للقيادي في حركة الجهاد الإسلامي/ بسام السعدي في جنين.

وقد برز مع هذه المعركة مجموعة من الأسئلة عن جدوى وفاعلية “وحدة الساحات”، ومدى نجاحها في أن تكون ناظمة للعمل المقاوم في فلسطين، بالإضافة للسؤال المتعلق بالنطاق الجغرافي الذي تشمله هذه النظرية، هل هي فقط داخل فلسطين أم تشمل ما يعرف اليوم بــ “محور المقاومة”؟

في هذه الورقة التي يقدمها مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث، نحاول الإجابة على مجموعة الأسئلة التي أثيرت حول “وحدة الساحات”.

أولا: مفهوم وحدة الساحات

يعتبر القائمون على نظرية وحدة الساحات أنها ذات أهمية كبيرة، نظراً لأنها توحد كل ساحات فلسطين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد سنوات من عمل الاحتلال على الفصل بين الساحات الفلسطينية بهدف الاستفراد بكل ساحة على حدا.

فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، عزل الاحتلال القدس عن الضفة الغربية بعد بناء الجدار الفاصل، وعزل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وعزل غزة عن الداخل المحتل، وأغرق كل ساحة بمهددات أمنية وسياسية، فقام بإجراءات تهويدية في القدس وعزز الاستيطان في الضفة الغربية وفرض حصاراً شاملاً على قطاع غزة، ومارس أقصى درجات العنصرية والتنكيل في الداخل المحتل، هذا كله من أجل ألا تلتحم الساحات الأربعة ضده في أي مواجهة.

وبقي الأمر كذلك حتى عام 2014م، عندما نجحت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية بأسر 3 جنود إسرائيليين في الخليل، حينها دخلت غزة على خط المواجهة لتخفيف الضغط على الضفة الغربية، وانتهى الأمر بعدوان واسع على قطاع غزة استمر 51 يوماً، ساندت فيها الضفة قطاع غزة، وبعد عام على انتهاء العملية العسكرية، اندلعت شرارة انتفاضة القدس في القدس وعموم الضفة الغربية، حيث نفّذ الفلسطينيون عشرات عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار، ومرة أخرى دخل قطاع غزة على خط المواجهة من خلال إطلاق الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة، وتفعيل الحراك الجماهيري على الحدود الشرقية للقطاع.

في هذه المرحلة بدأت المقاومة الفلسطينية تكسر حلقات العزلة التي فرضها الاحتلال على ساحات الوطن، إلى أن اندلعت معركة “سيف القدس” وتدخلت غزة إلى جانب الحراك المقدسي وإلى جانب عمليات الضفة الغربية، ناهيك عن الالتحام الجماهيري من فلسطينيي الداخل مع الاحتلال، بدأ مفهوم “وحدة الساحات” يتبلور ويبرز على الأجندة شيئاً فشيئاً، إلى أن أصبح واقعاً عملياً يمثل تحدياً أمنياً أمام “إسرائيل”.

ثانياً: أهداف نظرية وحدة الساحات

إن تطبيق نظرية “وحدة الساحات” له مجموعة من الأهداف، أهمها:

  1. محاولة وحدة الساحات أن تكون محوراً مضاداً لمحور التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؛ لمنع تصفية القضية الفلسطينية.
  2. أن تكون ناظمة لأعمال المقاومة، وتقوم بتوزيع الجهود والإمكانيات بين ساحات المقاومة كلاً حسب ظروفه ومكانه الجغرافي، وعدم تركيز المقاومة والمواجهة في ساحة واحدة، وذلك لاستنزاف الاحتلال.
  3. تشكيل الوعي العربي بما يؤكد ضرورة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الأشكال والأدوات والأماكن والساحات.
  4. تحقيق الوحدة الوطنية في الميدان، تتجاوز حالة التجاذب السياسي داخل فلسطين، وحالة الاستقطاب الطائفي في البلدان العربية.
  5. تحقيق الاستنزاف ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، بما يشمل الاستنزاف السياسي والعسكري والأمني، وفرض معادلات ووقائع عملية على الأرض.

 

ثالثاً: جوهر التحدي الأمني في نظرية “وحدة الساحات”

يبرز التحدي الأمني في تطبيق مبدأ “وحدة الساحات”، في كونه يجمع شتات ساحات المقاومة كلها في مواجهة الاحتلال بشكل متزامن، مما يحقق الضغط الأمني والاستنزاف لجيش الاحتلال ومنظومته الأمنية بشكل عام، ويمكن القول أن هذا الضغط الدائم للاحتلال واستنزافه، يشكل نجاحاً مهماً لنظرية “وحدة الساحات”، وهذا النجاح يمكن البناء عليه لتحقيق فاعلية أكبر خلال المرحلة المقبلة.

ولا يقتصر مبدأ “وحدة الساحات” على الساحات الأربعة في داخل فلسطين، بل ثبت أن ثمة ساحات تشترك فعلاً وإسناداً في مقاومة الاحتلال وإشغاله، ومن أبرز الساحات التي برزت مؤخراً ضمن وحدة الساحات، ساحة لبنان، وما تحمله من أهمية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي عبر مجموعة من المعارك والعمليات خلال سنوات احتلال “إسرائيل” لجنوب لبنان وبعدها، حتى تحرير الجنوب اللبناني عام 2000م.

وتمثّل دخول لبنان ضمن وحدة الساحات من خلال إطلاق عشرات القذائف الصاروخية على المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة، رداً على اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى وتفريغه من المعتكفين في رمضان الماضي، بغض النظر عن الجهة التي تقف وراء عملية الإطلاق، إلا أن العملية هذه قد حققت دخولاً لساحة لبنان ضمن نظرية وحدة الساحات.

ويمكن القول كذلك، إن ثمة ساحات أخرى داعمة ومساندة للمقاومة في فلسطين، فقد برز هذا التعاون والإسناد في أكثر من مناسبة، فالهجمات السيبرانية التي تنفذها إيران بين الفينة والأخرى ضد الأهداف الإسرائيلية، وعمليات القصف الصاروخية المتجددة من الجولان السوري المحتل تجاه شمال فلسطين المحتلة، والدعم اللوجستي من سوريا وإيران وغيرها يعتبر ضمن نظرية وحدة الساحات، فقد أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أن الدعم العسكري الإيراني المباشر كان نقطة تحول في تزويد المقاومة الفلسطينية بالأسلحة النوعية والاستراتيجية المتنوعة التي برزت في المعارك مع جيش الاحتلال، ناهيك عن اعتراف الاحتلال المباشر بأن إيران وحزب الله يقفون خلف تمويل وتسليح الضفة الغربية، والتي تشهد منذ عامين موجة من العمليات المسلحة، والتي قتل فيها قرابة 60 مستوطناً وجندياً إسرائيلياً فضلاً عن إصابة أكثر من 200.

في المجمل، لا يجب تحميل وحدة الساحات أكبر من حجمها، فهي ذات أثر واضح، لكن الاعتبارات التي تحكم سير وتطبيق هذه النظرية كبيرة ومعقدة، وفي المرحلة الحالية لا يمكن وصف نظرية وحدة الساحات إلا بكونها “محور مضاد لتصفية القضية الفلسطينية”، وحتى وصول نظرية “وحدة الساحات” إلى حالة الاشتباك الدائم مع الاحتلال، تبقى حالة وحدة الساحات تشكل نجاحات مرحلية يتم مراكمتها وصولاً إلى النجاح الكبير في دحر الاحتلال.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى