دراسات

تداعيات الأزمة الأوكرانية على الأطراف الفاعلة والمتأثرة بها

مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث

 

مقدمة

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية شهرها السابع، وتطورت من عملية عسكرية محدودة إلى أن أصبحت حرب استنزاف لأطرافها المختلفة، وأصبح من الصعب استقراء مستقبلها ورصد مستويات تأثيرها على الأوضاع الدولية وتداعياتها على الأطراف المختلفة.

 

لقد ألقت الأزمة الأوكرانية بتداعياتها على الأوضاع الدولية على كافة الصعد، وتأثرت بها العديد من الأطراف، ترصد هذه الدراسة تداعيات الأزمة الأوكرانية على الأطراف الفاعلة والمتأثرة بها وأبرز مكاسبها وخسائرها جراء الأزمة.

 

أبرز المكاسب والخسائر للأطراف الفاعلة والمتأثرة بالأزمة:

يمكن استعراض أبرز الأطراف الفاعلة والمتأثرة بالحرب الأوكرانية، ورصد أبرز مكاسبها وخسائرها جراء الأزمة حتى الآن، على النحو الآتي:

 

  1. أوكرانيا:
  • درات الحرب على الأراضي الأوكرانية، ما يعني أنها الطرف الأشد خسارة من حيث أنها لاتزال تفقد السيطرة على 20% من أراضيها، من بينها مناطق استراتيجية، ولعل بعض هذه المناطق أصبحت قريبة إلى الانفصال الكامل عن أوكرانيا والانضمام لروسيا بفعل دور الانفصاليين فيها.
  • خلفت الحرب أعداداً كبيرة من الضحايا والمهجرين الأوكرانيين بجانب خسائر اقتصادية ومادية كبيرة في المنشآت والبنى التحتية، ووفق بيان مشترك للحكومة الأوكرانية والمفوضية الأوروبية والبنك الدولي، فإن عملية إعادة إعمار أوكرانيا وإنعاش اقتصادها تحتاج لثلاث سنوات إذا توقفت الحرب الآن، وتقدر تكلفتها بنحو 350 مليار دولار، وهي أكبر بمقدار مرة ونصف من إجمالي الناتج المحلي الأوكراني المسجل عام 2021.
  • ارتفعت مستويات المخاطر النووية على الأراضي الأوكرانية مع دخول العمليات العسكرية منطقة المحطة النووية في زباروجيا، والتي تعد واحدة من أكبر محطات توليد الطاقة النووية في العالم، الأمر الذي يهدد بتداعيات خطيرة على أوكرانيا والمنطقة ككل.
  • عززت أوكرانيا صورتها كحليف للغرب يمكن الاعتماد عليه، حيث على الرغم من الخسائر الأوكرانية الكبيرة، إلا أنها صمدت في وجه الهجوم الروسي وتمكنت من تحقيق مقاومة شرسة حولَّت الصراع إلى حرب استنزاف، وذلك بفضل عدة عوامل:− الروح القتالية الأوكرانية والتصميم الملحوظ على المقاومة رغم التفوق العسكري الروسي.
    − الدعم العسكري النوعي المقدم من الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة، سواء على صعيد المعدات أو التدريب أو المعلومات الاستخبارية، والذي يعد العامل الأبرز في تحديد قدرة أوكرانيا على الصمود والاستمرار في الحرب، حيث بلغت المساعدات الأمريكية وحدها لأوكرانيا نحو 15 مليار دولار.

 

  1. روسيا:
  • أشارت التقارير الاستخبارية إلى ارتفاع حجم الخسائر الروسية في الحرب لتزيد عن 15 ألف قتيل بينهم عشرات كبار الضباط، علاوة على تراجع معنويات الجنود، وقد لجأت روسيا لإطلاق حملة تجنيد في كافة أنحاء روسيا بهدف تجنب إعلان التعبئة العامة، كما قامت بسحب أعداد ملموسة من العسكريين الروس من سوريا وليبيا، في ظل ذلك تصاعدت بوادر السخط الداخلي تجاه إدارة الحرب وأداء بوتين خلالها.
  • سعت روسيا لإظهار قوتها الساحقة المفترضة، لإحداث صدمة لدول الجوار وللغرب بدرجة كافية لمنع تمدد الناتو، إلا أن الحرب كشفت جوانب القصور في القدرات العسكرية الروسية، على صعيد القدرات اللوجستية والإدارية والاستخبارية والحفاظ على مستوى الإمدادات العسكرية (الحديث عن طلب ذخائر من كوريا الشمالية وطائرات مسيرة من إيران)، الأمر الذي زعزع من هيبة روسيا العسكرية بعد فشلها في تحقيق سيطرة سريعة على أوكرانيا.
  • يمكن القول إن الحرب في أوكرانيا أصبحت حرباً بالوكالة بين روسيا والغرب، الأمر الذي يزيد من الاستنزاف الروسي فيها، على الرغم من ذلك فإن كل من الولايات المتحدة وروسيا ستتجنبان استفزاز بعضهما البعض لمنع الوصول لحالة صدام مباشرة.
  • تكبدت روسيا تكاليف باهظة للإنفاق على حربها، وتشير بيانات الإنفاق الحكومي المصَّرح بها إلى ارتفاع حجم الإنفاق العسكري في أبريل الماضي بنسبة 40%، ومن المرجح أن هذه النسب آخذة في التصاعد في ظل تطورات الحرب، غير أن الحكومة الروسية أوقفت الإفصاح عن بيانات الإنفاق الحكومي منذ أبريل الماضي للتغطية على كلفة الحرب.
  • سارع الغرب بفرض جملة من العقوبات الاقتصادية على روسيا بغرض عزلها وإضعاف قدرتها على تمويل حربها في أوكرانيا، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الروسي بمستويات أكثر حدَّة مما حدث إبان الأزمة المالية عام 2008، غير أن أداء الاقتصاد الروسي – وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي – أفضل من المتوقع، بسبب السياسات الروسية الاقتصادية والارتفاع في أسعار النفط والغاز، ومن غير المتوقع أن ينهار الاقتصاد الروسي بطريقة تجبر بوتين على وقف الحرب.
  • منحت أزمة الغذاء والطاقة العالمية روسيا وضعاً ساعدها في مواجهة الحظر الاقتصادي، حيث اضطر الغرب إلى استبعاد خيار العقوبات عن صادرات روسيا من الحبوب والنفط.
  • نجحت روسيا حتى الآن في استخدام سلاح النفط والغاز للضغط على أوروبا، حيث أفشلت مساعي الاتحاد الأوروبي لتحديد سقف لأسعار الوقود الروسي، من خلال قيامها بتقنين إمدادات الوقود لأوروبا، وتحويل صادراتها النفطية إلى الصين والهند، غير أن ذلك سيفقدها مع مرور الوقت ورقة ضغط قوية في وجه أوروبا، فضلاً عن خسائر تتعلق بفروق الأسعار بين التصدير لأوروبا والتصدير للصين والهند.
  • من الواضح أن روسيا تمكنت من الدفع نحو تجميد خطة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو حتى الآن، لكن من غير الواضح ما إذا كانت قد نجحت في وقف تمدد الحلف تجاه محيطها الحيوي، خاصة مع توقيع كل من فنلندا والسويد بروتوكول انضمامهما للحلف.

 

  1. الولايات المتحدة الأمريكية:
  • أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالمياً، الأمر الذي عزز تضخم الاقتصاد الأمريكي وأبطأ نموه، حيث تزامنت الحرب مع بلوغ التضخم في الولايات المتحدة أعلى مستوى له منذ 40 عاما (7.9%)، ليتعدى حاجز الـ 8% خلال ستة أشهر من الحرب.
  • زادت الولايات المتحدة إنتاجها من الوقود الأحفوري، وعززت مكانتها كمصدر رئيسي للطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي المسال، للمساعدة في تلبية الطلب في أوروبا، في ظل السعي للحد من اعتماد أوروبا على الوقود الروسي.
  • عبَّرت الأزمة الأوكرانية عن سعى روسي للتصدي الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، تقاطع ذلك مع تحدي صيني لتلك الهيمنة في الأزمة التايوانية، حيث تسعى كلتا الدولتان لتعزيز نفوذهما كقطب موازي للقطب الأمريكي الأوروبي، ولكنَّ نجاحهما في إحداث تغيير ملموس في بنية النظام العالمي لا يبدو سهلاً في المستوى القريب.

 

  1. الصين:
  • تحولت الصين إلى الشريك التجاري الرئيسي لروسيا، وأصبح التبادل التجاري بينهما بالعملات المحلية، ومن المتوقع أن تصبح العُملة الصينية أحد عملات الاحتياطي الروسي مع الوقت، مما يزيد اعتماد موسكو على بكين.
  • سيزداد تأثير الصين في ميزان تحالفها مع روسيا، في ظل تصاعد الاعتماد الروسي على الصين لتعويض العزلة السياسية والاقتصادية الغربية المفروضة عليها، الأمر الذي سيمكن الصين من فرض مصالحها على هذا التحالف بشكل أكبر لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية تعزز من نفوذها الإقليمي والدولي.
  • قدمت الصين الدعم السياسي الكامل لروسيا، لكنها امتنعت عن تقديم المساعدة العسكرية لموسكو وحرصت على الالتفاف على العقوبات الغربية ضد روسيا، فعلى الرغم من تحالف البلدين، إلا أن الصين ترغب بالنأي بنفسها عن الانخراط في الصراعات على الساحة الأوروبية، وتتجنب تحمل أعباء السياسات الروسية، خاصة أن نفوذها الاقتصادي في العالم يرتكز إلى علاقات طبيعية مع الغرب.

 

  1. الاتحاد الأوروبي:
  • تعتمد الدول الأوروبية على الغاز والنفط الروسيين في توفير احتياجاتها من الطاقة بنسبة 40%، فوقعت تحت الابتزاز الروسي في محاولة للتأثير على مواقفها من الأزمة، الأمر الذي ينذر بأزمة طاقة تعصف بالدول الأوروبية في الشتاء القادم، في ظل القرار الروسي بوقف إمدادات الغاز لأوروبا.
  • مع اختلاف قدرة الدول الأوروبية على مواجهة أزمة الطاقة والاستمرار في انتهاج سياسات مناهضة لروسيا، ظهرت بوادر خلافات بين الدول الأوروبية تجاه العلاقة مع روسيا (موقف المجر وهنغاريا وبلغاريا واليونان)، الأمر الذي يبرز التحديات بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي واستمرار وحدة مواقفه.
  • ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنحو 700% منذ بداية العام الماضي، علاوة على أن جهود الاتحاد الأوروبي للحد من الاعتماد على النفط الروسي سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط المتاحة لديها، الأمر الذي يهدد القارة الأوروبية بركود اقتصادي كبير.

 

  1. تركيا:
  • عززت تركيا من حضورها الإقليمي والدولي، من خلال توازن مواقفها تجاه الأزمة وأطرافها، الأمر الذي مكَّنها من رعاية اتفاقية تصدير الجبوب الأوكرانية، التي كان لها دور بارز في الحد من أزمة الغذاء ونقص الحبوب العالمية.
  • تعززت صورة القدرات العسكرية التركية في مجال الطائرات المسيرة، بفعل الميزات التي وفرتها للجيش الأوكراني في تصدِّيه للقوات الروسية، الأمر الذي يضع تركيا في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال، ويعزز حصتها في الأسواق العالمية لهذه التكنولوجيا.
  • تعززت مكانة تركيا – بجانب دول أخرى مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا – في ظل احتدام الصراع الدولي وسعي أطرافه لتعزيز تحالفاتهم مع هذه القوى الصاعدة، الأمر الذي سيتيح لهذه الدول هامشًا أكبر لتعزيز نفوذها، إن حققت التوازن في إدارة علاقاتها الخارجية مع القوى المتصارعة.
  • باتت تركيا أكثر أريحية في إدارة خلافاتها مع اليونان في ظل تركيز الولايات المتحدة وأوروبا على الأزمة الأوكرانية، وسعيها لتبريد الملفات الأخرى، وستسعى تركيا لتكثيف نشاطاتها في التنقيب عن الغاز في ظل تصاعد أسعار الطاقة.
  • أدت الأزمة الأوكرانية إلى تصاعد الصعوبات التي يواجهها الاقتصادي التركي، في ظل ارتفاع حجم التبادل التجاري مع روسيا وأوكرانيا علاوة على ارتفاع أسعار النفط، فعلى الرغم من مؤشرات النمو الاقتصادي الإيجابية، لا يزال الاقتصاد التركي يعاني من معدلات تضخم مرتفعة وانخفاض في قيمة الليرة التركية.

 

  1. إيران:
  • أسهمت الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على الصعيد السياسي والاقتصادي في الدفع بمفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وأصبحت إيران في وضع أفضل في ظل المساعي الغربية لتهدئة الساحات.
  • بات يُنظر إلى استعادة تصدير النفط الإيراني على أنه أحد العوامل التي من شأنها أن تعزز استقرار أسواق النفط العالمية في ظل أزمة الطاقة المحتدمة في أوروبا بفعل الابتزاز الروسي.
  • تعززت مكانة إيران في تحالفها مع روسيا بفعل حاجة الأخيرة لتحقيق اختراقات في العزلة الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها من الغرب، فضلاً عن بروز الرغبة الروسية في الاعتماد على إيران في تعويض جزء من عجزها في القدرات المتعلقة بالطائرات بدون طيار.
  • مع تراجع الاهتمام الروسي بالأزمة السورية والتوتر في العلاقات الروسية “الإسرائيلية”، فقد باتت إيران أكثر حرية في إدارة نشاطاتها في سوريا بعيداً عن القيود التي كان يفرضها المحدد الروسي وضماناته تجاه “إسرائيل”.

 

  1. “إسرائيل”:
  • تمر العلاقات الروسية “الإسرائيلية” بأسوأ مراحلها في ظل الموقف “الإسرائيلي” من الأزمة الأوكرانية، وقد برز ذلك من خلال إغلاق روسيا لمقر الوكالة اليهودية على أراضيها، وإعادة روسيا مطالبها بتسلُّم سلطة الإشراف على المجمع الروسي بالقدس (كنيسة “الثالوث الأقدس” الأرثوذكسية التي أنشئت منتصف القرن 19)، إضافة إلى محاولة روسيا الضغط من خلال زيارة وفد حماس لموسكو مؤخراً.
  • ألقى ذلك بتداعياته على مستويات التعاون والتنسيق الروسي “الإسرائيلي” في سوريا، فقد تراجعت روسيا عن بعض التزاماتها تجاه متطلبات الأمن “الإسرائيلي” (تفعيل منظومات الدفاع الجوي ضد الهجمات “الإسرائيلية”)، الأمر الذي سيؤثر على جهود “إسرائيل” في مواجهة “خطر التموضع الإيراني” وحرية عملها في سوريا.
  • سيشكل الغاز “الإسرائيلي” أحد بدائل الغاز الروسي لدى أوروبا، في ظل اتفاقية تصدير الغاز “الإسرائيلي” عبر مصر، حيث سيتم تسييله ثم نقله عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، الأمر الذي سيعزز مكانة “إسرائيل” لدى أوروبا والغرب بشكل عام.
  • بجانب ضغط واشنطن على “إسرائيل” للقيام بدور أكبر في دعم أوكرانيا، فهي تضغط عليها أيضاً لتقييد علاقاتها بالصين، فقد أعادت البحرية الأميركية النظر في رسو سفنها بشكل دوري في القاعدة البحرية في حيفا إثر فوز شركة صينية بعقد تشغيل الميناء لمدة 25 عام، إضافة إلى ذلك تضع واشنطن الفيتو على مبيعات الأسلحة “الإسرائيلية” إلى الصين، الأمر الذي يعرقل نسبياً تطور العلاقات الصينية “الإسرائيلية”.

 

  1. الدول النفطية:
  • أدت الأزمة لارتفاع كبير في أسعار النفط، الأمر الذي عزز من مكانة الدول النفطية على الصعيد السياسي والاقتصادي، وفي ظل البحث الأوروبي عن بدائل للنفط والغاز الروسيين، تبرز مكانة كل من الجزائر وقطر ودول غرب أفريقيا و”إسرائيل” وأذربيجان لتوفير البدائل.
  • في ظل الأزمة الأوكرانية وتصاعد التوتر مع الصين، شهد تعامل الرئيس الأمريكي بايدن مع السعودية وولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحولاً إيجابياً، خلافاً لوعده الانتخابي بأن يعاملها كـ “دولة منبوذة”، واتهام ولي عهدها بالمسؤولية عن قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، فلم تكن السعودية فقط أحد أبرز محطات جولته في الشرق الأوسط في يوليو الماضي، بل كانت أيضاً مقراً لقمة جدة التي التقى فيها بايدن بقادة دول الخليج إضافة إلى مصر والعراق والأردن، بهدف تطويق نفوذ روسيا والصين وإيران ودمج “إسرائيل” في المنطقة ودفع دول الخليج لزيادة إنتاجها من النفط والغاز.

 

  1. الدول النامية:
  • أدت الأزمة الأوكرانية لارتفاع حاد في أسعار النفط والغذاء في الأسواق العالمية، ولن تكون الدول المتقدمة بمنأى عن تداعياتها، بينما ستكون الدول النامية أكثر عرضة لحالات عدم الاستقرار، خاصة وأنها لم تتعافى بعد من تداعيات أزمة الإغلاق العالمي التي رافقت جائحة كورونا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى