دراسات

انتخابات التجديد النصفي الأمريكية وتأثيراتها على السياسة الخارجية الأمريكية

مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث

 

مقدمة

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية استقطاباً سياسياً حاداً مع قرب انعقاد انتخابات التجديد النصفي الأمريكية في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وتعتبر القضايا الداخلية أكثر حضوراً وتأثيراً في السباق الانتخابي من قضايا السياسة الخارجية، لكن حالة الاستقطاب المسيطرة على المشهد الأمريكي تلقي بظلالها على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، سواء خلال فترة السباق الانتخابي أو بعد ظهور نتائجها.

تعالج هذه الدراسة قضية انتخابات التجديد النصفي الأمريكية وتناقش أهميتها في ظل حالة الاستقطاب السياسي المسيطرة على المجتمع الأمريكي، وتسعى لاستقراء النتائج المتوقعة لتلك الانتخابات وتأثيراتها على السياسة الأمريكية في القضايا الخارجية.

 

نطاق انتخابات التجديد النصفي:

ستجري في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، التي سيتم خلالها اختيار جميع أعضاء مجلس النواب الـبالغ عددهم 435 عضواً، إضافة إلى اختيار 35 عضواً من مجلس الشيوخ، كما ستجري بالتزامن معها الانتخابات التشريعية المحلية للولايات الأمريكية الـ 50، إضافة إلى انتخاب حكام 36 ولاية. وستبدأ ولاية المنتخبين الجدد سواء في مجلسي الكونغرس أو حكام الولايات في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2023.

ويطلق على هذه الانتخابات اسم “الانتخابات النصفية” لأنها تأتي في منتصف فترة ولاية الرئيس التي تبلغ أربع سنوات، وتعد استفتاءً على الرئيس وسياساته، علماً بأنه لم يتمكّن حزب الرئيس إلا نادراً من الإفلات من التصويت “العقابي” خلال هذه الانتخابات.

 

أهمية الانتخابات المرتقبة:

تبرز أهمية الانتخابات المرتقبة من خلال القضايا الآتية:

1- السيطرة على الكونغرس:

سيطر الديمقراطيون على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ منذ انتخابات التجديد النصفي في العام 2018، وذلك بسبب تراجع شعبية ترامب في حينه وعدم تمكن الحزب الجمهوري من الدفاع عن سياساته.

وستحسم هذه الانتخابات هوية الحزب الذي سيسيطر على الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيكون له تداعيات هامة على قدرة الإدارة الأمريكية الحالية على سن القوانين وتنفيذ برامج ووعود الرئيس بايدن الانتخابية التي انتخب على أساسها في العام 2020 أمام منافسه الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب.

إذ يسعى الحزب الديمقراطي للحفاظ على سيطرته على المجلسين لتمرير سياسات الرئيس جو بادين، خاصة وأنه لايزال أمامه العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة التي يرغب في تمريرها قبل الاستحقاق الرئاسي المقبل، بينما يسعى الجمهوريون للسيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب لتقويض سياسات إدارة بايدن، وتركها كـ “بطة عرجاء” خلال الفترة المتبقية من ولايتها الممتدة حتى نهاية العام 2024.

 

2- التأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة: 

ستعكس نتائج الانتخابات مستوى الشعبية التي يتمتع بها الرئيس بايدن، وبالتالي سيكون لها تأثير كبير على توجهاته للترشح لولاية ثانية، خاصة وأنه لم يعلن حسم موقفه بهذا الشأن، ففي حال حقق الحزب الديموقراطي نتائج إيجابية في هذه الانتخابات، فإن ذلك سيعزز فرص بايدن في الفوز بولاية رئاسية ثانية.

أما على صعيد الحزب الجمهوري، فإن الرئيس السابق دونالد ترامب وضع كل ثقله وراء ترشيح المقربين منه على قوائم الحزب الجمهوري، حيث تفيد التقارير بأن 95% من مرشحي الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة هم ممن دعمهم ترامب، وفي حال حقق هؤلاء المرشحون نتائج إيجابية، فإن ذلك سيعزز فرص ترامب بإعادة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة مجدداً، فضلاً عن ذلك سينهي تحقيقات الكونغرس ضده، والعكس صحيح، ففي حال خسارة مرشحي الحزب، فإن ترامب سيتحمل مسؤولية كبيرة عن تلك الخسارة، وسينتهي على الأغلب مشواره السياسي.

 

حالة الاستقطاب السياسي قبيل الانتخابات:

تأتي الانتخابات النصفية هذا العام في ظل تصاعد حالة الاستقطاب السياسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ومن أبرز ملامحه القضايا الآتية:

  • تصاعد اتهامات الحزب الديمقراطي للحزب الجمهوري بجر البلاد تجاه الفوضى والسعي لتقويض الديمقراطية، ومن أبرزها ما جاء على لسان الرئيس بادين نفسه في أحد خطاباته، والتي ردَّ عليها الجمهوريون باتهامات للرئيس وللحزب الديمقراطي ببث الفتنة وتشجيع الانقسام بين الأمريكيين.
  • تشكيك قطاع واسع من الجمهوريون حول إمكانية تزوير الانتخابات، لاسيما أنهم لا يزالون يشككون في نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020.
  • إجراءات التحقيق ضد ترامب وتشكيكه في نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020، ودوره المزعوم في الهجوم الذي شنّه أنصاره على مبنى الكونغرس في 6 كانون ثاني/ يناير 2021، والتي يرى الجمهوريون أنها محاولة من الحزب الديمقراطي للتأثير على نتائج الانتخابات النصفية من جهة، ومحاولة للقضاء على فرص ترامب للترشح للرئاسة مجدداً عام 2024 من جهة أخرى.
  • التباين المتصاعد في مواقف الحزبين من القضايا المهمة للناخب الأمريكي على صعيد الشأن الداخلي (الوضع الاقتصادي وارتفاع مؤشرات التضخم، الهجرة، الرعاية الصحية، نزاهة الانتخابات، الإجهاض، حمل السلاح)، أو في قضايا السياسة الخارجية الأقل اهتماماً لدى الناخب الأمريكي (الدعم الأمريكي لأوكرانيا، الموقف من إيران).
  • حجم الانفاق غير المسبوق على الدعاية الانتخابية من كلا الحزبين، حيث توقَّعت بعض الجهات المعنية أن يتجاوز إجمالي الإنفاق من قبل جميع المرشحين في مجلسي النواب والشيوخ 9,7 مليار دولار، ليكسر الرقم القياسي لانتخابات العام 2018، والبالغ نحو 3 مليارات دولار.
  • تصاعدت أعمال العنف السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كشف تقرير لوزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفدرالي عن تصاعد أعداد “التحقيقات المرتبطة بالتطرف المحلي العنيف” بين عامي 2017- 2021، والتي استهدفت “مرشحي الانتخابات والمسؤولين المنتخبين والعاملين في الانتخابات والتجمعات السياسية، وممثلي الأحزاب السياسية والأقليات العرقية والدينية أو المعارضين الأيديولوجيين”، وقد عزا التقرير ذلك للأحداث والتحقيقات المتصلة بالهجوم على مبنى الكونغرس الأميركي في 6 كانون الثاني/ يناير من العام الماضي. وقد كان أبرز هذه الأحداث الاعتداء الذي تعرض له مؤخراً زوج رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في منزله، وقبل أقل من أسبوعين من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، والذي اعتبر استهدافاً ضد بلوسي التي تعتبر صاحبة ثالث أعلى منصب في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

القضايا المسيطرة على السباق الانتخابي:

تحظى القضايا الداخلية باهتمام وتركيز الناخبين الأمريكيين على حساب القضايا الخارجية، الأمر الذي انعكس على ترتيب القضايا ضمن سلم أولويات السباق الانتخابي، فحظيت القضايا الداخلية بالتأثير الأكبر في السباق الانتخابي، ومن أبرز قضايا الشأن الداخلي التي شهد السباق الانتخابي جدلاً متصاعداً بشأنها:

  • الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، حيث تأتي الانتخابات في ظل تأثر الاقتصاد الأمريكي بتداعيات أزمة كورونا من جهة وأزمة الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة أخرى، وهو الوضع الذي يستغله الجمهوريون لتقويض شعبية الإدارة الحالية.
  • القضايا الاجتماعية التي شهدت تبايناً في مواقف الحزبين، فبينما يركز الحزب الديمقراطي على برامج تحسين الرعاية الصحية والحق في الإجهاض وتنظيم حمل السلاح، فإن الحزب الجمهوري يركز على قضايا الهجرة والضرائب ومكافحة المخدّرات والمتحوّلين جنسياً.
  • إصلاح النظام الانتخابي ونزاهة الانتخابات، ففي حين يركز الديمقراطيون على ضرورة إصلاح النظام الانتخابي لتسهيل التصويت، ينادي الجمهوريون بإصلاحه للحيلولة دون حدوث تزوير في الانتخابات، مشككين في نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020.

على الرغم من ذلك لم تغب عن السباق الانتخابي قضايا السياسة الخارجية، خاصة ذات التأثير على الشأن الاقتصادي، حيث برزت قضية الدعم الأمريكي لأوكرانيا ضمن السجال الانتخابي، خاصة وأنه تجاوز الـ 17 مليار دولار، الأمر الذي استغله الحزب الجمهوري- في ظل الأزمة الاقتصادية- لتأليب الناخبين ضد إدارة بايدن.

 

النتائج المتوقعة للانتخابات:

يمارس الناخبون الأمريكيون في الغالب مبدأ “التصويت العقابي” بحق حزب الرئيس في انتخابات التجديد النصفي، حيث يعبَّرون عن معارضتهم لسياسات الرئيس، الأمر الذي يجعل مهمة الحزب الديمقراطي في الاحتفاظ بالأغلبية في مجلسي الكونغرس شاقة للغاية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم الذي وصل لمعدلات قياسية.

ولعل حالة الاستقطاب الحادة الحاصلة في المجتمع الأمريكي بحزبيه الرئيسيين، الديمقراطي بزعامة الرئيس الحالي بايدن والجمهوري بزعامة الرئيس السابق ترامب، تعبِّر عن أهمية نتائج هذه الانتخابات للحزبين، وتعكس مساعيهما لتحقيق الفوز فيها.

فالحزب الديمقراطي يسعى لتكون هذه الانتخابات استثنائية بحيث يحافظ خلالها على الأغلبية في مجلسي الكونغرس النواب والشيوخ أو على الأقل الاحتفاظ بالأغلبية في مجلس الشيوخ، مركزاً على القضايا الآتية:

  • قرار المحكمة العليا في يونيو 2022 بإلغاء الحماية الفيدرالية لحقوق الإجهاض، التي وظَّفها الديمقراطيون لاستقطاب النساء باعتبار أن هذا القرار يمثِّل “هجوماً على حرية المرأة”.
  • تحذير الناخب الأمريكي من خطورة توجهات الحزب الجمهوري ومؤيديه على الديمقراطية الأمريكية، واستحضار أداء الرئيس السابق ترامب ومواقفه في هذا الشأن، خاصة أن معظم مرشحي الحزب في الانتخابات المرتقبة هم من مؤيدي ترامب.

في المقابل يسعى الحزب الجمهوري لاستغلال إخفاقات إدارة بايدن لتحقيق الفوز في الانتخابات النصفية، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى وصول تأييد الرئيس بايدن لأدنى مستوى له (40%)، وهو مستوى قريب من شعبية دونالد ترامب قبل أربع سنوات عندما خسر الجمهوريون أربعين مقعدًا في الكونغرس، فضلاً عن ميل شرائح كبيرة من ناخبي الحزب الديمقراطي للتصويت لصالح الجمهوريين.

ومن أبرز القضايا التي يستغلها الجمهوريون:

  • تصاعد الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم ووصولها في حزيران/ يونيو الماضي إلى 9.1% وهو أعلى مستوى لها منذ 40 عاماً.
  • دخول الرئيس بايدن على خط التراشق الانتخابي وهجومه المتكرر على مؤيدي الحزب الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، بشكل استغله الجمهوريون لاتهام الرئيس ببث الفرقة والانقسام بين الأمريكيين بدلاً من توحيدهم.

وعليه فمن المرجح أن يفقد الديمقراطيون الوضع الذي هم عليه الآن داخل الكونغرس، فحتى إن تمكنوا من تحقيق الأغلبية في مجلس الشيوخ، فإن فوز الجمهوريين المُرجح في مجلس النواب، سيكون كافياً لتقويض سياسات بايدن خلال العامين المقبلين.

 

تأثير الانتخابات على السياسة الأمريكية الخارجية:

ستلقي نتائج الانتخابات المرتقبة بتداعياتها على السياسة الأمريكية الخارجية، ففي حال فوز الديمقراطيون فيها، فإن ذلك سيعني استمرار سياسات بايدن الخارجية، بينما سيضع فوز الجمهوريين العوائق أمام استمرار تلك السياسة، وفيما يلي أبرز قضايا السياسة الخارجية التي يمكن أن تتأثر بنتائج الانتخابات المرتقبة:

1- القضية الفلسطينية:

يتفق الحزبان الديمقراطي والجمهوري على دعم “إسرائيل” على كافة الصعد العسكرية والاقتصادية والسياسية، بما يحافظ على تفوقها في المنطقة، فالرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن لم يتراجع عن خطوات سلفه الجمهوري ترامب فيما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

أما على صعيد سياسة الحزبين تجاه الشعب الفلسطيني وموقفهما من السلطة الفلسطينية، فإن هناك اختلاف نسبي بينهما، ففي حين علَّق ترامب المساعدات الأمريكية للسلطة وقام بإغلاق مكتب تمثيلها في واشنطن، فإن بايدن راجع هذه السياسات حفاظاً على استمرار السلطة كطرف رئيسي في “مشروع حل الدولتين”، علاوة على أن هناك تصاعد في مظاهر تأييد الفلسطينيين في أوساط الحزب الديمقراطي، برزت خلال أحداث القدس في العام 2021 وما تلاها.

 

2- الأزمة الأوكرانية:

قدمت إدارة بايدن منذ الحرب الروسية على أوكرانيا مساعدات عسكرية لكييف بقيمة 17.6 مليار دولار، بموافقة نواب الحزبين في الكونغرس، بينما احتج الجناح اليميني للجمهوريين على تلك المساعدات.

وقد دخلت الأزمة الأوكرانية على خط الدعاية الانتخابية مؤخراً، حيث حذر مؤخراً زعيم الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي من أن حزبه لن يوقع “شيكًا على بياض” لأوكرانيا، إذا فاز بأغلبية مقاعد المجلس في الانتخابات المرتقبة.

 

3- مفاوضات البرنامج النووي الإيراني:

انخرطت إدارة بايدن بمفاوضات غير مباشرة مع إيران في محاولة لإعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وأبدت مواقف إيجابية بشأن رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاق في مايو 2018 في سبيل التوصل لاتفاق جديد.

وقد ألقت الانتخابات النصفية المرتقبة بتداعياتها على المفاوضات حتى قبل عقدها واتضاح نتائجها، حيث كانت من بين القضايا التي أثارت شكوك إيران تجاه احتمال وفاء الإدارة الأمريكية بتعهداتها برفع العقوبات، وفي حال فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة فإن ذلك سيفرض مزيداً من القيود على الإدارة الأمريكية في تعاملها مع إيران، وستتراجع قدرتها على تمرير أي اتفاق مرتقب عبر كونغرس يسيطر عليه الجمهوريون.

 

للحصول على الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى