دراسات

الأساس القانوني لحركة المقاطعة الدولية (BDS)

مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث

 

مقدمة

من المسلّمات، أن للشعوب والدول الحق في الدفاع الشرعي عن نفسها، وأن لكل شعب من الشعوب تجاربه ونضالاته التاريخية النابعة عن ثقافته ومنطلقاته الفكرية والعقائدية التي ينطلق منها، لذلك لا نستطيع الادعاء بأن نجاح تجربة ما بالتحرر والاستقلال دليل على صحة استخدام الوسيلة النضالية المحددة، فالتاريخ البشري النضالي زاخر بالعديد من الثورات وحركات التحرر والمقاومة، التي اعتمدت على أساليب نضالية مختلفة سواء كانت عنيفة أو لا عنيفة..

دَوّن التاريخ حركات تحررية عديدة انتهجت المقاومة السلمية بغية الحصول على استقلالها، ونجحت نجاحاً كبيراً في هذا المجال، ولعل أبرزها نجاح “المهاتما غاندي” في تحقيق الاستقلال للهند من الاحتلال البريطاني، كما استطاع “نيلسون مانديلا” باستخدامه نهج المقاومة السلمية أن يقاطع الدولة العنصرية في جنوب أفريقيا ويدفع دول العالم إلى مقاطعتها حتى انهارت، كما وخاض “مارتن لوثر كينغ” نضاله ضد الحكومة الأمريكية، وحثها على الاعتراف بالحقوق المدنية للسود الأمريكيين وتحقيق المساواة مع البيض.

 

لذلك وامتداداً للمقاومة السلمية وتجارب النضال وحركات التحرر، وحرصاً على ديمومة القضية الفلسطينية، وبعد فشل الحكومات والمجتمع الدولي وأصحاب القرار في وقف الاستيطان والإرهاب “الإسرائيلي” ضد الشعب الفلسطيني، انطلقت حملات موسعة حول العالم منذ عام 2005 لتطالب المجتمع المدني وأحرار الشعوب بمقاطعة دولة الاحتلال “إسرائيل”، كشكل من أشكال المقاومة السلمية الفلسطينية، وكأهم شكل للتضامن العالمي مع نضال الشعب الفلسطيني، وكان من أهمها إنشاء حركة المقاطعة الدولية لـ “إسرائيل” (BDS)، التي تم تأسيسها عام 2005، وشاركت أكثر من 170 مؤسسة من اتحادات شعبية ونقابات وأحزاب ولجان شعبية ومؤسسات أهلية فلسطينية في إنشائها، وفي توجيه نداء للمجتمعات الدولية لمقاطعة دولة الاحتلال وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، حتى تنصاع دولة الاحتلال للقانون الدولي ومبادئه وقراراته.

 

حركة المقاطعة (BDS)

حركة المقاطعة “BDS” هي حركة فلسطينية المنشأ ولكنها منتشرة في جميع أنحاء العالم، تسعى لمقاومة الاحتلال والاستيطان والأبارتهايد “الإسرائيلي”، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وهي اختصار لثلاث كلمات: مقاطعة، سحب الاستثمارات، فرض العقوبات، وشرحها كما يأتي:

  • مقاطعة (Boycott): وتشمل وقف التعامل مع دولة الاحتلال “إسرائيل”، ومقاطعة الشركات “الإسرائيلية” وكذلك الدولية المتواطئة في انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين، ومقاطعة المؤسسات والنشاطات الرياضية والثقافية والأكاديمية “الإسرائيلية”.
  • سحب الاستثمارات (Divestment): تسعى حملات سحب الاستثمارات إلى الضغط على المستثمرين والمتعاقدين مع الشركات “الإسرائيلية” والدولية المتورطة في جرائم دولة الاحتلال والأبارتهايد؛ لسحب استثماراتهم من وإنهاء تعاقدهم مع هذه الشركات، وقد يكون المستثمرون أو المتعاقدون أفراداً.
  • فرض العقوبات (Sanctions): المقصود بفرض العقوبات هو الإجراءات العقابية التي تتخذها الحكومات والمؤسسات الرسمية والأممية ضد دولة أو جهة تنتهك حقوق الإنسان، بهدف إجبارها على وقف هذه الانتهاكات. وتشمل العقوبات العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

 

هدف حركة المقاطعة (BDS)

تهدف حركة المقاطعة (BDS) إلى استخدام وسائل ضغط سلمية ضد دولة الاحتلال “إسرائيل”، لدفعها إلى الإيفاء بالتزاماتها الدولية في سبيل تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، حيث تتمثل أهداف الحركة الرسمية بثلاثة أهداف أساسية:

  • إنهاء الاحتلال والاستيطان “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية وتفكيك الجدار.
  • الاعتراف بالحقوق الأساسية للمواطنين العرب في “إسرائيل” على قدم المساواة مع اليهود.
  • احترام وحماية وتعزيز حق العودة للاجئين الفلسطينيين كما ورد في نص قرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة.

 

مشروعية تشكيل حركة (BDS) قانونياً

تستمد الحركة مشروعية تشكيلها من مبادئ حرية الرأي والتعبير، وحرية تنظيم الاحتجاج السلمي، وهذه المبادئ منصوص عليها في الكثير من الاتفاقيات الدولية العامة والمتخصصة، والتي تحولت إلى مبادئ عرفية لازمة التنفيذ، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص في المادة (19) بأن: “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.

والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي تعد الولايات المتحدة الأمريكية طرفا وأساساَ منظماً له، كان قد نص في المادة (19) بأنه: “لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة ولكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود”.

كما أن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عدت مبدأ حرية الرأي والتعبير الحجر الأساس في أي مجتمع ديمقراطي، ولا تخلُ الاتفاقيات الدولية والإقليمية من هذا المبدأ، حتى إن الدساتير والتشريعات الوطنية تنص عليه في موادها القانونية.

 

الأساس القانوني لحركة المقاطعة (BDS)

يمكن القول أن الأهداف الثلاثة المذكورة سابقاً لحركة المقاطعة ترتكز على القوانين والمبادئ الدولية، فمبادئ كالمساواة ومنع التمييز وحق تقرير المصير شكلت لب المعاهدات والأعراف الدولية الأولى، سواء كانت معاهدات عامة كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي نص في المادة (1) على أنه “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق”، وأيضاً نص في المادة (2): “لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته”.

أو العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، والذي نص في المادة (1) بأن “لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.

أو في معاهدات متخصصة كإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963 (قرار الجمعية العامة 1904 (د-18)) والذي يؤكد رسمياً ضرورة القضاء السريع على التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكافة أشكاله ومظاهره، وضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني واحترامها، وأيضاً الاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري، والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3068 (د-28) المؤرخ في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1973، أو الإعلان الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة والذي أعلنت فيه الجمعية العامة أنه لا يمكن مقاومة مسار حركة التحرر أو عكس وجهتها، وأن من الواجب، خدمة الكرامة الإنسانية والتقدم والعدالة، ووضع حد للاستعمار وجميع أساليب العزل والتمييز المقترنة به.

أيضاً هناك شرعية متفق عليها دولياً بعدم مشروعية الاستيطان، فيعد بناء المستوطنات “الإسرائيلية” في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي وكافة المواثيق والمعاهدات وقرارات المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن أهم النصوص الواردة في المواثيق والمعاهدات الدولية، التي تحظر الاستيطان، وتمنع المساس بالحقوق والأملاك المدنية والعامة في البلاد المحتلة، ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، إذ يفصِّل الميثاق سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال، فيحظر الميثاق على قوة الاحتلال توطين سكانه في الأراضي المحتلة.

وتنتهك السياسات والممارسات الاستيطانية الإسرائيلية معاهدة جنيف الرابعة خصوصاً في المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة أنه: “لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”، وبحسب تقرير معهد الأبحاث التطبيقية الفلسطيني أن عدد المستوطنين “الإسرائيليين” في الضفة الغربية وصل إلى مليون مستوطن، وأن المستوطنات القائمة حالياً في الضفة الغربية تحتل ما يزيد على 60% من مساحتها.

 

القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن

منذ عام 1948 اتخذ مجلس الأمن الدولي سلسلة من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطيني، باعتباره المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين، إذ تبنى المجلس بأغلبية ساحقة، قراراً يدين الاستيطان “الإسرائيلي”، ويطالب بوقفه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كذلك أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً لإحياء الذكرى الـ 75 للنكبة صوتت لصالحه 90 دولة، وإلى قرارات أخرى تدعو دولة الاحتلال “إسرائيل” إلى وقف جميع الأنشطة الاستيطانية، كذلك ما صدر من رأي من محكمة العدل الدولية بحق جدار العزل والتي أقرت بأن الضم الفعلي لأجزاء من الضفة الغربية إلى “إسرائيل” يشكل خرقاً لحق تقرير المصير وأنه يهدف إلى خدمة المشاريع الاستيطانية، إلا أن هذه القرارات ظل معظمها حبرًا على ورق؛ بسبب عدم التزام دولة الاحتلال بها، بل واستمراها في سياساتها العدوانية وإجراءاتها الأحادية بحق الشعب الفلسطيني، دون أن يحرك المجتمع الدولي أي ساكن لمعاقبتها على تمردها على الشرعية الدولية، كما جرت العادة مع غيرها من الدول.

 

ختاماً، يمكن القول بأن حركة مقاطعة “إسرائيل” (BDS) تعمل في إطار قانوني مستند إلى القانون الدولي ونصوصه التي تدعم الحق في مقاومة الاحتلال والعيش بسلام، وانتهاج السبل السلمية في سبيل التأثير على الاحتلال، سيّما وأن التجارب العالمية التي تستند عليها حركة المقاطعة كانت قد حققت نجاحات مهمة في النضال السلمي، مثل حركة المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا، اللذان استطاعا تحقيق مكتسبات سياسية مهمة على الاحتلال في الهند وجنوب أفريقيا.

 

وإن كان من توصيات في هذه الدراسة، فنؤكد على ضرورة تبني هذه الحركة ودعمها من كل الجهات والأحزاب الفلسطينية والعربية والدولية، فهي تحتاج إلى تكاتف الجهود خصوصاً في ظل هرولة بعض الدول العربية إلى التطبيع مع دولة الاحتلال.

 

 

المراجع:

أولا: الكتب والدراسات:

  1. عمرو سعد الدين. حركة مقاطعة إسرائيل BDS بحث في الطرق والقيم والتأثير.
  2. بسمة هنية: الدور القانوني لحركة مقاطهة “إسرائيل” في مناهضة التطبيع، رسالة ماجستير 2021.

 

ثانيا: مواقع إلكترونية:

  1. أهم القرارات الأممية المتخذة في هذا المجال قرار 242 – مجلس الأمن، وقرار 194 – الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرار 2234 – مجلس الأمن، وفتوى محكمة العدل الدولية حول قانونية جدار الفصل العنصري 2004 https://cutt.us/If7M7
  2. موقف الولايات المتحدة من حركة مقاطعة إسرائيل BDS: استخدام أداتيّ للقانون أم تطبيق عادل لقواعد https://cutt.us/8MVYZ
  3. الموقع الرسمي لحركة المقاطعة BDS : https://cutt.us/c24Zs
  4. ما هي حركة مقاطعة إسرائيل بي دي أس؟ https://bdsmovement.net/ar/what-is-bds
  5. حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات https://cutt.us/PUwSv
  6. حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات-ويكيبيديا، https://cutt.us/zBBxs
  7. حركة مقاطعة إسرائيل: الإنجازات، والمعوِّقات، والآفاق https://cutt.us/WWyKK

 

للحصول على الدراسة بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى