آراء

حتى لا يتكرر النموذج الكردي في الحالة الفلسطينية؟

بقلم د. منصور أبو كريم

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

لا يخفي على أحد حجم المأزق الذي وصلت إليه الحركة الوطنية الفلسطينية، في ظل حالة الانقسام وعدَيد التحديات التي تفرضها إسرائيل على المستوى الوجودي للفلسطينيين في ظل محاولاتها تغيب الهوية الوطنية الفلسطينية لحساب الهوية الإسرائيلية، عبر الاستيطان والضم الزاحف، وتهويد الأرض الفلسطينية، ويفرضها التحولات الدولية والإقليمية التي سمحت لدولة الاحتلال أن تخترق البيئة الإقليمية والعربية، يجعلنا أمام سيناريوهات قادمة غاية في الصعوبة والتعقيد، ومن ضمنها النموذج الكردي؟

من المعروف أن القضية الكردية قضية معقدة ومركبة بفعل العديد من العوامل والأسباب، فالأكراد يناضلون من أجل حق تقرير المصير منذ عقود، بدون تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، نظرَا لعدم وجود مؤسسة وطنية جامعة مثل (منظمة التحرير الفلسطينية)، وليس لديهم برنامج سياسي واحد، بل لديهم برامج سياسية مختلفة، كما تغيب القيادة الوطنية الموحدة، التي تتحدث باسم الشعب الكردي، نظرًا لوجود عدد من الأحزاب الكردية التي لديها ارتباطات دولية وإقليمية، تعمل على الحفاظ عليها في إطار صراع البقاء مع الداخل الكردي والإقليم، بل الأكراد موزعين على أربع مناطق جغرافية، وهناك فيتو دولي وإقليمي على عدم منحهم حق تقرير المصير، بفعل دكتاتورية الجغرافيا السياسية التي تتحكم في مصير الأوضاع للشعب الكردي.

إن استمرار حالة الانقسام، وظهور صراع الزعامة بمرحلة ما بعد الرئيس عباس، بما تحمل من سيناريوهات خطيرة ومعقدة تتعلق بإمكانية حدوث صراعات داخل حركة فتح، أو خلافات بين فصائل منظمة التحرير، أو بروز صراع زعامة بين حركة فتح وحركة حماس على تولي قيادة السلطة في الفترة الانتقالية، يمكن أن تسير الأوضاع في الحالة الفلسطينية نحو النموذج الكردي بكل أسف.

من ينظر للحالة الفلسطينية في الوقت الراهن، في ظل حالة الضعف والتشظي، والتفتت، بفعل الانقسام، والصراعات، في مقابل محاولة الحركة الصهيونية استغلال هذه اللحظة التاريخية لحسم الصراع، في الضفة الغربية، عبر الضم الزاحف، والتهويد، يدرك تمامًا أن سيناريو النموذج الكردي مع كامل الاحترام للقضية الفلسطينية بات مطروحا وبقوة في قادم الأيام.

عملت إسرائيل على تفتيت الشعب الفلسطيني في مناطق وتجمعات مختلفة، وعملت على إحداث الانقسام الداخلي بين غزة والضفة الغربية لفصل الجغرافيا السياسية الفلسطينية، ومحاصرة كل تجمع بمجموعة من الأزمات الداخلية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي الإنساني، لخلق هويات فلسطينية فرعية يعيدًا عن الهوية الوطنية الجامعة، فعملت على محاصرة الشعب الفلسطيني في الضفة عبر الاستيطان، واشغال غزة بالحصار وسوء الأوضاع الإنسانية، ومحاصرة فلسطيني 48 بالجريمة والمخدرات، لعدم خلق تواصل جغرافي وسياسي وديمغرافي لنسف فكرة حق تقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية كتعبير عن الهوية السياسية لشعب الفلسطيني.

النموذج الكردي يتوافق بشدة مع المشروع الاستراتيجي الإسرائيلي الذي عبر عنه كل من: نتنياهو عندما قال “ليس هناك شريكًا فلسطينيًا”، للتهرب من استحقاقات التسوية، وجولدا مائير عندما قالت ليس هناك “شعب فلسطيني”، بمعني نسف الهوية الوطنية الجامعة التي تعتبر عنها المؤسسة الوطنية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، وأضعاف السلطة الفلسطينية وحركة فتح في الضفة الغربية، ومحاصرة قوى المقاومة في غزة واشغالها بالحصار والأزمات، مع تقتيت ما تبقي من الشعب الفلسطيني في الداخل، عبر الجريمة المنظمة والمخدرات والخلافات السياسية.

وحتى لا نصل للنموذج الكردي بما يؤدي لتشتت الشعب الفلسطيني على مناطق متخلفة، بدون وجود قيادة وطنية موحدة أو برنامج سياسي موحد، أو مؤسسة جامعة؛ نحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في مفهوم المصالحة ومفهوم إنهاء الانقسام، باعتبارهم مفهومين منفصلين، كون أن المصالحة قد تحققت بشكل أو بأخر من خلال اللقاءات والحوارات التي تجري بين قيادتي حركتي فتح وحماس سواء في الداخل أو في الخارج.

المصالحة التي تعني إنهاء حالة القطيعة بين الحركتين قد تحققت بفضل عديد اللقاءات والحوارات التي كانت ومازالت تجرى برعاية عربية ودولية، فالرئيس عباس التقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق السيد خالد مشعل ، والحالي السيد إسماعيل أكثر من مرة، في أكثر من عاصمة عربية، كما أن قيادة الحركتين أصبحت تربطهم علاقات جيدة على كافة المستويات،  تمخض عنها فتح حوار بين اللواء جبريل الرجوب أمين سر حركة فتح، ونائب رئيس حركة حماس صالح العاروري، نتج عنه الاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية العام الماضي قبل إلغائها، كما راينا مشاركة قيادة حركة فتح في غزة في مهرجان انطلاقة حركة حماس في غزة، قبل أيام، ناهيك عن علاقات المصالح التي باتت تربط تيار دحلان بحركة حماس في غزة، والذي تمخض عنها تعاون في كثير من الملفات الإنسانية، وبروز مظاهر تعاون في كثير من الملفات الشائكة، مثل الحج والعمرة، والصحة والتعليم، والعلاج في الخارج، وتصاريح العمال في غزة.

الواقع يؤكد أن المصالحة التي تنهي حالة الخصام والقطعية بين حركتي فتح وحماس قد تحققت بشكل أو بآخر، يتبقى المشكلة الأكبر والأهم، وهي إنهاء الانقسام كمدخل حقيقي لتوحيد الصف الوطني الفلسطيني، في مواجهة تطرف حكومة نتنياهو وحلفائه، لكن مأزق الانقسام لم ينتهي لعوامل داخلية فلسطينية وخارجية، مرتبطة بالتدخلات السلبية من قبل الاحتلال والقوى الدولية والإقليمية التي تعمل على بقائه كأحد الأهداف الاستراتيجية للحركة الصهيونية.

رغم كل جولات الحوار والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها، الانهاء الحقيقي لحالة الانقسام عبر تقديم المصالح العليا للشعب الفلسطيني؛ على أي مصالح واعتبارات أخرى، سواء كانت سياسية أو حزبيةـ أو إقليمية أو دولية لم تبدأ بعد! فكل جولات الحوار كانت بمثابة محاولة لتحسين الأطراف مواقعهم في بينة النظام السياسي، سواء عبر استمرار الهيمنة، أو عبر الصعود لهرم السلطة في النظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي قطار إنهاء الانقسام الذي يراعي هموم المواطن الفلسطيني ويعمل على تعزيز صموده، ويعمل على مواجهة مشكلة البطالة والهجرة والفقر، والجريمة، عبر تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني في غزة، ويعمل على مواجهة الاستيطان ومشروع الضم الزحف والتهويد في الضفة الغربية لم يبدأ بعد!

في ظل عدّيد المخاطر التي تعترض مصير الشعب الفلسطيني، على المستوى الداخلي والخارجي؛ بات من الضروري إدراك الفصائل الفلسطينية على متخلف مشاربها وألوانها وأماكن تواجدها( ضفة ، غزة، 48، خارج)  حجم المخاطر التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، والعمل على توحيد الصف الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج عبر فتح حوار وطني فلسطيني شامل يعمل على توطين مسار إنهاء الانقسام الفلسطيني، ويؤدي إلى الاتفاق على رؤية واستراتيجية وطنية فلسطينية شاملة لمواجهة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، على مختلف المستويات الداخلية والخارجية. وتشكيل حكومة مستقلة، تتولي المسؤوليات كاملة في غزة والضفة الغربية، تعمل على توحيد المؤسسات، وحل الأزمات التي تحول دون الوصول لإنهاء الانقسام، وإلا فإن النموذج الكردي بات تقريبًا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى