تحليلات

لماذا توجهت إيران لنسج اتفاقيات أمنية مع جيرانها؟

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

بعد أسبوعين من توقيع اتفاق بين إيران والسعودية برعاية صينية، يقضي بعودة العلاقات بين البلدين بعد 7 سنوات من القطيعة، ذهبت إيران لنسج اتفاقية ذات طابع أمني مع العراق، وتضاف هاتين الاتفاقيتين إلى مجموعة اتفاقيات أمنية وترسيم حدود وأمن مائي وتبادل تجاري مع دول الخليج بشكل عام، تم إبرامها خلال السنوات الماضية.

بهذه الاتفاقيات تسعى إيران إلى علاقات جيدة ومستقرة مع جيرانها في الخليج العربي، إلى جانب علاقاتها المستقرة مع العراق، ناهيك عن محورها الممتد إلى سوريا ولبنان، وليس انتهاءً باليمن.

ولأن أي علاقة بين دولتين تبنى بالأساس على الأمن المشترك، أو ما يعرف بالمصالح المشتركة وفي مقدمتها مصلحة الأمن، فسنحاول في هذه الورقة أن نستقرئ الأهداف الإيرانية من هذه الاتفاقيات الأمنية.

وكنا قد ناقشنا في ورقة سابقة عودة العلاقات السعودية الإيرانية، واستعرضنا فيها دوافع الأطراف (إيران، السعودية، الصين) والتداعيات بشكل عام.

 

الأهداف الإيرانية من توقيع الاتفاقيات الأمنية

تهدف إيران من توقيع هذه الاتفاقيات الأمنية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، يمكن عرض أبرزها كما يأتي:

تأمين الجبهات المحيطة والمحاذية لإيران:

يعمل أعداء إيران، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، على تحويل دول الخليج العربي والعراق إلى قواعد أمنية وعسكرية ضد إيران؛ للتجسس عليها أو توجيه ضربات عسكرية لها، وتأمل إيران بهذه الاتفاقيات أن تحدُّ من استخدام أعدائها لأراضي هذه الدول كمنصة انطلاق لأي هجمات عسكرية أو أمنية ضد إيران.

 

توجه جديد لدى إيران نحو حلحلة الأوضاع في الإقليم خصوصاً في اليمن وسوريا:

بعد استتباب الأمر في سوريا لصالح النظام، وبعد عدم قدرة كل الأطراف الفاعلة في الملف اليمني على تجاوز الحوثيين، رأت إيران في نفسها وفي محورها قوة إقليمية تستطيع فرض معادلاتها السياسية والأمنية على الجميع، بما يعزز من مكانة حلفاء إيران في كل من سوريا واليمن.

 

تنشيط التجارة وتقوية السوق بين إيران ودول الخليج:

تسعى إيران من هذه الاتفاقيات مع محيطها الخليجي العربي إلى تنشيط السوق ما بينها وبين هذه الدول؛ بما يسهم في كسر العزلة المفروضة حول إيران، ويسهم في تجاوز أثر العقوبات الاقتصادية المفروضة من الغرب.

وقد يفتح ذلك الطريق نحو تطوير قطاعات اقتصادية مشتركة مثل تجارة النفط، والأمن المائي، بحيث تصبح السعودية وإيران والعراق، مع تركيا وباقي دول المنطقة، كتلة اقتصادية قوية وصلبة يجب على العالم التعامل معها كاملة، خصوصاً في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا وتأثر العالم من إمدادات الطاقة والغاز والحبوب وغيرها.

 

قطع الطريق أمام “إسرائيل” في ملفات أمنية إقليمية:

تسعى إيران من خلال هذه الاتفاقيات الأمنية إلى قطع الطريق على “إسرائيل” في ثلاثة ملفات أمنية على المستوى الإقليمي وهي:

• التطبيع مع السعودية:

لا يخفى سعي “إسرائيل” إلى تطبيع علاقاتها مع السعودية، كما فعلت مع الإمارات والبحرين، ومن المعروف أن “إسرائيل” تعطي أولوية كبيرة لحاجتها الأمنية من اتفاقيات التطبيع، وهذه الحاجة الأمنية من اتفاق التطبيع مع الإمارات والبحرين كانت تحويل البلدين إلى قاعدة أمنية وعسكرية ودفاعية متقدمة لصالح “إسرائيل” ضد إيران، وهو ما تريده كذلك من التطبيع مع السعودية، لكن الاتفاق الإيراني مع السعودية وتفعيل العلاقات الدبلوماسية والاتفاقيات السابقة – بما فيها الاتفاق الأمني – بين المملكة وإيران، سيسهم في قطع الطريق أمام “إسرائيل”.

• التطبيع مع العراق:

يمكن القول أن ما ينطبق على التطبيع مع السعودية من مصلحة إسرائيلية، سينطبق على العراق، حيث إن “إسرائيل” تسعى جاهدة لتطبيع العلاقات مع العراق، لكن الأخير يرفض هذا التوجه، نظراً لحساسية المكانة السياسية للعراق في الإقليم المتوتر، وإيران ستعمل على تعزيز هذا التوجه والمحافظة عليه كأحد أهم الأسباب من وراء توقيعها اتفاقية أمنية مع العراق.

• ملف دعم جهاز الموساد للمليشيات الكردية والإيرانية المعارضة لإيران:

تنفذ المليشيات الكردية والإيرانية المعارضة المتواجدة في شمال العراق بين الحين والآخر هجمات ضد إيران انطلاقاً من مواقعها في شمال العراق، وحيث إن الحرس الثوري قد وجّه ضربات متكررة نهاية العام الماضي لهذه المليشيات، فيزداد خطر انزلاق المواجهة إلى تصعيد كبير يستنزف إيران، ويزيد نفوذ الموساد في تلك المنطقة، التي تعتبرها إيران منطقة رخوة نظراً لطبيعتها وزيادة حركات الانفصال فيها، لذلك كانت إيران تهدف من وراء هذا الاتفاق، أن تحد من نشاط الموساد في شمال العراق، والذي يستهدف بالأساس إيران.

 

ختاماً:

لا يعني التركيز على الأهداف الأمنية لإيران إغفال الأهداف الأمنية لكل من السعودية والعراق، فكلاهما يشتركان بهدف النأي بالنفس عن التجاذبات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وعدم تحويل أراضي الدولتين إلى مسرح للصراع، بالإضافة إلى الخصوصية السعودية في الملف اليمني.

في المجمل، فإن الأطراف كلها قد توصلت إلى قناعة بضرورة الاتفاق حول مختلف القضايا في الإقليم، بعد أكثر من 10 سنوات على الخلاف منذ بداية “الربيع العربي” نهاية 2010، مروراً بالثورات المضادة والصراع المذهبي في سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي أنتج حالة من عدم الاستقرار، كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيدة الأكبر منها.

ومع تضرر مصالح هذه الأقطاب الإقليمية فقد توصلت إلى هذه القناعة، التي تم ترجمتها بالاتفاقيات التي وقعتها إيران مع كل من السعودية والعراق، والتي لا بد أن ترخي بظلالها على ساحات الصراع في سوريا واليمن وغيرها من الساحات.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى