تحليلات

سيناريوهات الأزمة الإسرائيلية بعد وقف نتنياهو إقرار التشريعات القضائية

تقدير موقف

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

خلال مؤتمر صحفي مساء أمس الإثنين، وعلى وقع موجة الاحتجاجات والإضرابات الواسعة التي شهدتها مختلف أرجاء دولة الاحتلال، أعلن بنيامين نتنياهو تأجيل التعديلات القضائية التي كانت حكومته تسعى إلى إقرارها بالقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست خلال الأسبوع الجاري وقبل انتهاء الدورة الحالية للكنيست.

نتنياهو قال في مؤتمره الصحفي أنه قرر “تجميد التشريعات القضائية” بهدف “الوصول إلى إجماع واسع”، وأن قراره هذا جاء “من منطلق المسؤولية الوطنية والرغبة في منع الانقسام”، مردفاً بالقول: “لست مستعداً لتمزيق الشعب”.

نقدم لكم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث تقدير موقف يرصد سيناريوهات الأزمة الإسرائيلية بعد قرار بنيامين نتنياهو وقف إقرار التشريعات القضائية.

 

أسباب تراجع نتنياهو

إن تراجع نتنياهو عن الاستمرار في إقرار التعديلات القضائية جاء نتيجة ضغوط كبيرة مورست على حكومته بشكل عام، وعلى شخصه بشكل خاص، ويمكن تقسيم هذه الضغوط إلى عدة أقسام، كما يأتي:

1- ضغوط شعبية وجماهيرية: حيث تصاعدت المظاهرات والاحتجاجات وأعمال الشغب خلال الأيام الأخيرة، ووصلت ذروتها في أعقاب قرار نتنياهو بإقالة وزير الدفاع “يوآف غالانت” الذي دعا إلى الحوار مع المعارضة، حيث دخلت قطاعات واسعة من الدولة في إضراب احتجاجي (بلديات، مطارات، موانئ، مؤسسات اقتصادية، إضراب عمال.. إلخ).

2- ضغوط من المستوى الأمني والعسكري: حيث تصاعدت حالة العصيان العسكري داخل منظومة قوات الاحتياط، وبدأت تتسلل إلى القوات النظامية في الجيش الإسرائيلي، وهو ما رأى فيه قادة الجيش تهديداً سيؤثر سلباً على فاعلية وجهوزية الجيش في مواجهة التحديات على مختلف الجبهات، وظهر في التحذيرات المختلفة التي تناقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بهذا الخصوص.

3- ضغوط من شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي: خاصة داخل حزبه (الليكود) في ضوء مطالبة “غالانت” وزير الدفاع “الليكودي” بتجميد التعديلات، وتعالي الأصوات داخل الليكود لإجراء حوار موسع حولها، وبالرغم من محاولة نتنياهو إظهار تماسك ائتلافه الحكومي وقطع أصوات المعارضة داخله من خلال إقالته لـ “غالانت”، إلا أن حجم ردود الفعل وتصاعدها زاد من حجم الضغوط عليه ودفعه للتراجع عن الاستمرار في إقرار التعديلات.

4- ضغوط دولية وأمريكية على وجه الخصوص: حيث تصاعدت حالة الرفض الدولي لإقرار التعديلات القضائية دون وجود حالة توافق داخلية إسرائيلية، واعتبار ذلك يتعارض مع القيم الديمقراطية، وحالة الرفض هذه وإن جاءت من مختلف الدول كما جرى في إلغاء المؤتمر الصحفي بين رئيس وزراء بريطانيا ونتنياهو خلال زيارة الأخير إلى لندن، إلا أنها برزت بشكل مكثف أمريكياً، وهو ما ظهر مؤخراً في حث الرئيس الأمريكي بايدن لنتنياهو على ضرورة التوافق حول التعديلات خلال اتصال بينهما، ومن ثم توصية مسؤولين في إدارة بايدن لنتنياهو بعدم زيارة واشنطن في هذا التوقيت، وأخيراً حديث منسق البيت الأبيض للشؤون الخارجية والأمنية “جون كيربي” أمس عن اتصالات إدارة بايدن بكبار مسؤولي الحكومة الإسرائيلية؛ لإيضاح قلقها بشأن الخطة القضائية وحثهم على الوصول لحل وسط.

 

ترحيب دولي والمعارضة تشترط

لقي تراجع نتنياهو وإعلانه تجميد التعديلات ترحيباً داخلياً وخارجياً، فخارجياً رحبت الإدارة الأمريكية بذلك، وأصدر البيت الأبيض بياناً جاء فيه: “نبارك إعلان نتنياهو تأجيل التشريعات القضائية”، كما رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بالتأجيل واعتبرته فرصة لمزيد من الوقت للتسوية، وقالت أن واشنطن مستمرة في مراقبة التطورات في “إسرائيل” عن كثب، وهي على اتصال وثيق مع شركائها الإسرائيليين.

أما داخلياً فقد رحب عدد من أقطاب المعارضة (غانتس ولبيد) بالقرار مع التمسك بإجراء الحوار في ديوان رئيس دولة الاحتلال، وأعلن على إثره اتحاد العمال “الهستدروت” وقطاعات واسعة داخل الدولة إلغاء الإضرابات. بينما شكك آخرون في موقف نتنياهو واعتبروه مناورة لكسب مزيد من الوقت واتهموه بالكذب، ودعوا إلى الاستمرار في الاحتجاجات مثل زعيمة حزب العمل “ميراف ميخائيلي” وزعيم حزب إسرائيل بيتنا “أفيغدور ليبرمان”.

 

السيناريوهات المتوقعة للأزمة:

بعد الاستعراض السابق يمكن الحديث عن عدة سيناريوهات للأزمة، وهي كما يأتي:

السيناريو الأول – إقرار كامل للتشريعات القضائية وانتهاء الأزمة لصالح نتنياهو وائتلافه: وذلك بعد فترة تجميد تسمح لنتنياهو بالتقاط أنفاسه وسط هذه المعركة وتهدئة الشارع الإسرائيلي، ثم الذهاب لتثبيت التشريعات بعد ترتيب أوراقه داخل الائتلاف ومحاولة شق صف المعارضة، وهذا السيناريو مستبعد حالياً.

السيناريو الثاني- وقف تام للتشريعات القضائية وحل الأزمة لصالح المعارضة: وذلك بعد انخراط الأطراف كلها في حوار في ديوان رئيس الدولة، تنجح فيه المعارضة بالضغط على نتنياهو وائتلافه الحاكم لوقف التشريعات، وكتابة دستور للدولة يحل مشكلات التشريع والفصل بين السلطات، ويُعتبر هذا السيناريو مستبعداً في ظل الظروف الحالية، لكن يمكن لتطورات سياسية أو أمنية أن تقوي فرص تحققه عبر إطالة أمد تجميد التشريعات، بحيث يصبح من غير الممكن تمريرها في ظل تهديد أمني داهم أو تحول الائتلاف الحاكم إلى حكومة تسيير أعمال في حال التوجه لإجراء انتخابات مبكرة.

السيناريو الثالث- التوصل إلى “اتفاق وسط” يلبي رغبة جميع الأطراف: بحيث تستطيع المعارضة تسويقه كانتصار لها من جهة، ويلبي رغبة نتنياهو في الحد من صلاحيات المحكمة العليا ولو بشكل جزئي من جهة أخرى، وبالتالي يخرج دولة الاحتلال من الأزمة التي تعيشها حالياً، غير أن هذا السيناريو يصطدم بحاجة نتنياهو نفسه وائتلافه الحكومي لإقرار التشريعات من أجل تحييد المحكمة العليا؛ ليتمكن نتنياهو من الإفلات من المحاكمة، وليستطيع أقطاب اليمين الديني والمتطرف تمرير رؤيتهم فيما يتعلق بمسألة الدين والدولة وفيما يتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين.

السيناريو الرابع- بقاء الأزمة متجذرة دون حل: ويعني أنه لا الحكومة بقيادة نتنياهو ستستطيع إقرار التشريعات، ولا المعارضة ستنفك عن الضغط على الحكومة من خلال الشارع، وهو السيناريو المرجح لعدة أسباب:

  • أن المعارضة تريد كتابة دستور، وهذا ما طالب به زعيمها “يائير لبيد” أمام أنصاره في المظاهرات الأخيرة، وكتابة الدستور تعني ضبط عمليات التشريع وتعزيز الفصل بين السلطات بحيث تحافظ على استقلالية القضاء، وهو الأمر الذي لا يريده نتنياهو ولا ائتلافه.
  • أن المعارضة تريد أن يكون الحوار في ديوان رئيس الدولة “يتسحاق هرتسوغ” وهو المعارض للتشريعات، والقادم من صفوف معارضة نتنياهو، ما يعني أنه سينحاز لمطالب المعارضة “المنطقية” حسب وصفه، فيما لم يوافق نتنياهو بعد على طلب المعارضة بأن يكون الحوار برعاية الرئيس.
  • اشتعال أزمة الثقة داخل الائتلاف الحاكم، وهو ما رأيناه واضحاً في قرار نتنياهو إقالة وزير الدفاع “غالانت”، وما تبعه من مواقف داخل الائتلاف لا تتناسب مع موقف نتنياهو من التشريعات ومن إقالة “غالانت”.
  • عدم عودة “غالانت” للحكم، يدفع المعارضة للتشكيك في نوايا نتنياهو للإصلاح، خصوصاً أن “غالانت” كان يتبني وقف التشريعات القضائية لإضرارها بالأمن الإسرائيلي، وهو الموقف القريب من المعارضة.
  • بقاء نتنياهو تحت ضغط وابتزاز أعضاء الائتلاف الحاكم، خصوصاً من قبل وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”، والذي لا يمرر أي قرار لنتنياهو دون الحصول على مقابل، وهو الأمر الذي يرسخ صورة لدى المعارضة أن الائتلاف يسير وفق مصالح شخصية وسياسية ضيقة على حساب المصلحة الإسرائيلية.
  • التدخل الأمريكي الضاغط على نتنياهو، قد يجعل الأخير يتمترس أكثر وأكثر حول موقفه من التعديلات، وهذا سيعمّق الأزمة، ويمكن أن تذهب الولايات المتحدة الأمريكية إلى دعم المعارضة في مظاهراتها وإجراءاتها ضد نتنياهو.

للاطلاع على تقدير الموقف بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى