تحليلات

تطورات المشهد الأمني على الساحة الفلسطينية والجبهة الشمالية

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

شهدت الساحة الفلسطينية والجبهة الشمالية لدولة الاحتلال في الآونة الأخيرة جُملة من الأحداث والتطورات التي ألقت بظلالها على الأوضاع الأمنية، حيث تزامنت هذه الأحداث مع حالة من التوتر في المسجد الأقصى خلال عيد الفصح اليهودي، واستمرار أجواء شهر رمضان المبارك، كما ألقت هذه الأحداث بظلالها على المشهد الإسرائيلي الداخلي.

نقدم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث قراءة تحليلية في التطورات الأخيرة وانعكاساتها على المشهد الإسرائيلي الداخلي، ومحاولة استشراف تطورات الأوضاع خلال المرحلة المقبلة.

 

تطورات المشهد الأمني

يمكن استعراض تطورات المشهد الأمني على مختلف الجبهات، على النحو الآتي:

• على صعيد جبهة القدس: سعت شرطة الاحتلال خلال عيد الفصح اليهودي إلى تهيئة ساحات المسجد الأقصى لتوافد المستوطنين صباحاً؛ عبر العمل على إخراج المُعتكفين من المسجد الأقصى، وما ترتب عليه من الوصول إلى حالة من الاشتباك بين المُعتكفين وشرطة الاحتلال، حيث تم إفراغ ساحات الأقصى واعتقال الكثير من المعتكفين وإبعادهم عن المسجد الأقصى، خاصة مع الصورة الفجة التي تصدرت لمشهد الاعتداء على المعتكفين.

• على صعيد جبهة قطاع غزة: تم إطلاق عدة صواريخ من قطاع غزة باتجاه مستوطنات الغلاف، حيث أصاب أحد الصواريخ مصنعاً في “سديروت”، الأمر الذي رد عليه جيش الاحتلال بقصف عدة أهداف للمقاومة في القطاع، كما شهدت منطقة السياج الحدودي أعمال إرباك ليلي بالتزامن مع الأحداث في القدس.

• على صعيد جبهة الضفة الغربية: شهدت مناطق الضفة الغربية (نابلس، الخليل، أريحا) عمليات إطلاق نار بالتزامن مع اقتحامات شرطة الاحتلال للأقصى، حيث أسفرت تلك العمليات عن عدد من القتلى والجرحى الإسرائيليين، وقد كان أبرزها تنفيذ عملية الأغوار التي أسفرت عن مقتل 3 مستوطنين، وفي ضوء ذلك، قام الاحتلال بتعزيز قوات الجيش الاحتياط وحرس الحدود في مناطق الضفة الغربية، ونفذ جيش الاحتلال عدداً من الاقتحامات لأجزاء من مناطق الضفة الغربية (نابلس، طولكرم، الخليل).

• على صعيد الداخل المحتل: تم تنفيذ عملية داخل مدينة تل أبيب أدت إلى سقوط أحد القتلى، وقد كان المنفذ من فلسطينيي الداخل من بلدة كفر قاسم، وقد بثت هذه العملية تخوفات لدى الاحتلال من الرجوع إلى مسلسل العمليات التي نُفذت من قبل فلسطينيي الداخل في العام الماضي، فضلاً عن تنظيم عدد من الاحتجاجات والمسيرات المنددة بالسلوك الإسرائيلي تجاه المسجد الأقصى.

• على صعيد الجبهة الشمالية: جرى إطلاق ما يقارب 34 صاروخاً من نوع “غراد” و”كاتيوشا” من لبنان تجاه المستوطنات الواقعة في شمال فلسطين المحتلة، حيث صرحت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنه لم يكن هناك إنذار مسبق بإمكانية إطلاق صواريخ بهذا العدد من داخل لبنان، كما شهدت الجبهة الشمالية إطلاق عدد من الصواريخ من الأراضي السورية تجاه الجولان المُحتل، حيث رد جيش الاحتلال في أعقاب ذلك بقصف عدد من مواقع الجيش السوري.

لقد شكّل التزامن – إلى حد ما – في الفعل المُقاوم (إطلاق صواريخ، احتجاجات ومظاهرات، عمليات فدائية، تصريحات قادة المُقاومة، …) حالةً ضاغطةً على حكومة نتنياهو، باعتباره جاء مُرتبطاً بتطورات الأحداث في المسجد الأقصى، وبالرغم من ذلك فإن سلوك الاحتلال في الرد على المُقاومة انحصر في الرد على عمليات إطلاق الصواريخ في كل من الجبهة الشمالية وقطاع غزة، مع إبداء رغبة إسرائيلية في عدم الوصول إلى مواجهة واسعة، وهو ما أكده نتنياهو في تصريحه “أن إسرائيل لا تريد معركة واسعة وتعمل كل ما يجب لمنعها”، وهو سلوك يأتي في ضوء عديد الاعتبارات، أبرزها:

  • انشغال الاحتلال في العديد من الجبهات التي تُعد أولوية بالنسبة لمنظومته الأمنية، سيما إيران وبرنامجها النووي، حيث تستمر التقديرات الإسرائيلية بالإشارة إلى ضرورة التركيز على “الخطر الإيراني”، والمُتمثل في جهود إيران بامتلاك القنبلة النووية، وتعزيز تموضعها على الحدود الشمالية مع دولة الاحتلال.
  • الأزمة السياسية التي تشهدها دولة الاحتلال في ضوء التعديلات القضائية المزمع مواصلتها في الدورة الصيفية للكنيست، وما رافقها من احتجاجات واسعة ضد حكومة نتنياهو، وانعكاساتها على طبيعة علاقات دولة الاحتلال بالمجتمع الدولي.
  • توجهات إدارة بادين بشأن تبريد المنطقة، وتجنب حالة من التوتير في الملف الفلسطيني، والتي من شأنها أن تنعكس على حالة الهدوء في الشرق الأوسط.
  • الخشية الإسرائيلية من تأثيرات اتساع موجة التصعيد على الجبهة الداخلية، سيما في ظل التحذيرات المستمرة من قدرات المُقاومة الفلسطينية وحزب الله الصاروخية.

 

ترسيخ معادلة “وحدة الساحات”

يُمكن قراءة تطورات الأوضاع الأمنية الأخيرة وما رافقها من سلوك إسرائيلي وحالة الفعل المُقاوم، على أنها عززت موقف المُقاومة الفلسطينية للمُضي قدماً في ترسيخ مُعادلة وحدة الساحات، وذلك في ضوء الآتي:

  • رسّخ التوتر الأمني المُقترن بالسلوك الإسرائيلي تجاه القدس والمقدسات من تصدير صورة المسجد الأقصى كأحد أدوات التفاعل والاشتباك المستمر مع الاحتلال، وأعاد الاعتبار للقدس كقضية مركزية عربياً وإسلامياً.
  • عكست صورة الاشتباك بين المُعتكفين وشرطة الاحتلال من قدرة المُقاومة على التحشيد في الأقصى، وقطعت الطريق أمام الاحتلال لتسويق حالة من الهدوء مدفوعة بالترويج لتسهيلات ممنوحة للصلاة فيه، وفرضت واقعاً على الأرض من شأنه الإبقاء على المُعتكفين بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.
  • فرض التصعيد في الأوضاع الأمنية نوع من المُعادلات الجديدة، فلم يتصدر قطاع غزة لوحده واجهة الرد على الاعتداءات الإسرائيلية في القدس، بحيث تم تفعيل ساحات جديدة كالضفة الغربية والجبهة الشمالية، وهو ما أثر على طبيعة وشكل الرد تجاه المُقاومة الفلسطينية ومقدراتها في قطاع غزة، وبصورة بعيدة عن التأثير في ملف تفاهمات التهدئة والتسهيلات المنبثقة عنه.
  • أثرت التفاعلات (الاشتباك بين المُعتكفين وشرطة الاحتلال في القدس، اقتحامات المستوطنين، التوتير في قطاع غزة، تنفيذ عمليات فدائية في الضفة الغربية.. إلخ) على جهود الأطراف المختلفة في تهدئة الأوضاع الأمنية، واحتواء الفعل المُقاوم في الضفة الغربية والقدس، وعكست ضعف نتائج قمتي العقبة وشرم الشيخ في التأثير على الأوضاع على الجبهة الفلسطينية.

 

انعكاسات حالة التصعيد على الشأن الداخلي الإسرائيلي

أفضى التصعيد العسكري إلى حالة من التوتر أو التباين بين نتنياهو وشركائه في الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف، خاصةً في ضوء الرد الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة ولبنان، حيث:

  • انتقد زعيم الصهيونية الدينية “سموتيرتش” شكل وطبيعة الردّ قائلاً: “قيادة الجيش الإسرائيلي ما زالت مُتلبسة لروح أوسلو”، كما اعتبر زعيم القوة الصهيونية “بن غفير” أن “الرد على صواريخ حماس يتطلب رداً يتجاوز قصف الكثبان الرملية والأماكن غير المأهولة؛ حان الوقت لإزالة رؤوس في قطاع غزة”.
  • أثار انتقاد كل من “سموتيرتش” و”بن غفير” حفيظة رئيس الحكومة نتنياهو ووزراء الليكود، حيث نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مُقربين من نتنياهو وعن الوزراء استياءهم بالقول “إن انتقادات سموتيرتش وبن غفير على إطلاق الصواريخ تسهم في إضعاف قوة الردع الإسرائيلي”.
  • من جهته، طلب ديوان رئيس الحكومة نتنياهو من وزراء الليكود “التعبير بمواقف متناقضة عن بن غفير وسموتيرتش والإشادة بردة الفعل الإسرائيلية”.
  • أشارت هيئة البث الإسرائيلية أن “سموتيرتش وبن غفير وجها الانتقادات لطابع الرد الإسرائيلي على الرغم من أنهما أيداه خلال جلسة الكابينت التي تقرر فيها طابع الرد”.

ساهم سلوك “بن غفير” و”سموتيرتش” في انتقاد طبيعة وشكل الرد الإسرائيلي على عمليات إطلاق الصواريخ من لبنان وقطاع غزة في حدوث حالة من التقارب بين رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع “يوآف غالانت” على اعتبار أن كلاً منهما أيد الرد بشكل محدود على إطلاق الصواريخ، وقد أفضى هذا الأمر إلى تصريح نتنياهو ببقاء غالانت في منصبه كوزير للدفاع.

انعكس توتر الأوضاع الأمنية نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية تجاه القدس والمُقدسات على توجهات الاحتلال في التعامل مع مطالبات المستوطنين بمزيد من الاقتحامات للأقصى، حيث قرر نتنياهو تعليق اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ابتداءً من 12/4 وحتى نهاية شهر رمضان، وذلك بناءً على توصية أجمع عليها قادة ورؤساء الأجهزة الأمنية، وهو ما لاقى مُعارضة وزير الأمن القومي “بن غفير”.

استغل نتنياهو التصعيد الأمني لمهاجمة المعارضة الإسرائيلية بالقول “إن أعداءنا فسروا المطالب برفض التجنيد أن هناك ضعف في حصانتنا الوطنية”، وأضاف “إن الحكومة السابقة وقعت اتفاقاً مع حزب الله سلمت بموجبه أراضي الدولة واحتياطات الغاز للعدو دون الحصول على أي شيء”.

جاء سلوك المُعارضة الإسرائيلية في التفاعل مع تصاعد الأوضاع الأمنية في إطار توظيف حالة التصعيد من أجل مُراكمة الضغط على حكومة نتنياهو، سيما في ظل موقف الائتلاف الحكومي من خطة التعديلات القضائية، وهو ما يُمكن مُلاحظته من خلال الآتي:

  • بُعيد إطلاق الصواريخ من لبنان، أكد أقطاب المُعارضة الإسرائيلية “يائير لبيد” و”بيني غانتس” دعمهما لتوجه “المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في أخذ كافة التدابير اللازمة للحفاظ على أمن إسرائيل”، دون الإشارة إلى جهود نتنياهو والائتلاف الحكومي.
  • هاجم زعيم المُعارضة “يائير لبيد”، بعد اجتماعه مع رئيس الحكومة نتنياهو في إحاطة حول تطورات الأوضاع الأمنية، وزيرَ الأمن القومي “بن غفير”، مُطالباً بإقالته على اعتبار “تم تولية أكثر الملفات المتفجرة وهو القدس لوزير مُهرج ومهتم بالتيك توك”، مُضيفاً أنه “دخل الاجتماع قلقاً وخرج أكثر قلقاً”.
  • اعتبر زعيم حزب إسرائيل بيتنا “أفيغدور ليبرمان” أن التصعيد الأمني جاء “نتيجة سياسات وسلوكيات الائتلاف الحكومي الذي يترأسه نتنياهو وعرض أمن إسرائيل للخطر”.

 

تطورات الأوضاع خلال المرحلة المُقبلة

تُركز الحكومة الإسرائيلية على مسألة “استعادة الردع” في مُحاولة لتجاوز مشهد التصعيد مُتعدد الجبهات الذي رافق الاعتداءات الإسرائيلية في القدس، حيث سعى رئيس الحكومة نتنياهو – في مُكالمة جماعية مع رؤساء مجالس مستوطنات غلاف غزة والجليل – للتأكيد على قدرة الحكومة على استعادة الردع، وتحقيق حالة الأمن لغلاف غزة والجليل، زاعماً أن “إسرائيل لم تقل كلمتها بعد”، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُعزز من توجه الاحتلال لتنفيذ عمليات – عسكرية وأمنية – تجاه المُقاومة ومقدراتها في الجبهات (لبنان، غزة).

سيسعى الاحتلال إلى منع تعاظم قوى المقاومة الفلسطينية في لبنان وسوريا، من خلال الشروع بموجة من العمليات التي ربما تكون صامتة وهادئة، وسيحرص الاحتلال على ألا تؤدي تلك العمليات إلى نشوب حرب واسعة (مشاركة حزب الله، مشاركة غزة)، وقد بدا هذا الأمر واضحاً في خطاب نتنياهو الأخير الذي أوضح فيه قائلاً: “دولتنا تتعرض لهجوم إرهابي وسنصد كافة التهديدات التي نتعرض لها، وقد عملنا ضد أهداف إيرانية في سوريا، ولن نسمح بإقامة بنية تحتية إرهابية لحركة حماس في لبنان”، مُضيفاً “لا نريد معركة واسعة ونعمل كل ما يجب لمنعها”.

ستستمر تطورات الأحداث في المسجد الأقصى بالسيطرة على وتيرة الأوضاع الأمنية في الجبهة الفلسطينية، وهو ما من شأنه أن يساهم في تجديد حالة التوتير خلال مسيرة الأعلام المُقررة بتاريخ 19/5/2023، سيما في حال جاء السلوك الإسرائيلي أكثر فجاجةً في تمرير المسيرة والاعتداء على المُقدسات.

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى