تحليلات

سياسات الاحتلال تجاه فلسطينيي الداخل

قراءة تحليلية

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

شكلت هبة الداخل المحتل عام 2021 فيما عُرف بهبة الكرامة، وما تبعها من تفاعل مع مجريات معركة سيف القدس، صدمة لدولة الاحتلال، واعتبرته بمثابة تهديد وجودي، دفع حكومة الاحتلال (لبيد- بينت) في حينه لتشديد إجراءاتها وسلوكها ضد فلسطينيي الداخل، والذي استمر مع حكومة نتنياهو في ظل مواصلة أقطاب حكومة الاحتلال من اليمين المتطرف (بن غفير، سموتيرتش) بتوظيف مهامهم ومناصبهم في حكومة الاحتلال في السعي لتغيير الواقع في الداخل المحتل (توسيع تدخل الأجهزة الحكومية والأمنية في موضوعات الداخل، طرح واقتراح تشريعات وقوانين تضييقية، …).

ترصد هذه الورقة سلوك حكومة الاحتلال وأبرز إجراءاتها تجاه فلسطينيي الداخل المحتل، وذلك ضمن محورين رئيسين، يتناول الأول إجراءات الاحتلال التي أعقبت معركة سيف القدس وتفاعل الداخل المحتل معها، فيما يتناول المحور الثاني توجهات حكومة نتنياهو في التعامل مع فلسطينيي الداخل المحتل.

 

أولاً: تحركات فلسطيني الداخل خلال معركة سيف القدس “هبة الكرامة” وسلوك الاحتلال في مواجهتها

شهدت العديد من مدن وبلدات الداخل المحتل احتجاجات غضب ودعم للمقاومة الفلسطينية خلال معركة سيف القدس؛ نجم عنها اشتباكات مع شرطة الاحتلال، واستخدام أساليب خشنة (إغلاق الطرق، إحراق إطارات سيارات، إلقاء حجارة على الدوريات)، حيث ابتدأت المواجهات في أكثر من 30 بلدة، وصلت ذروتها بعد رد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على الاعتداءات في القدس، فيما تميزت مدينة اللد بأعنف المواجهات بين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال، تخللها إحراق لنقاط ومراكز شرطة الاحتلال، فيما شهدت مدن الساحل والمدن المختلطة مواجهات بين الفلسطينيين وبين شرطة الاحتلال وعصابات المستوطنين (عصابة تدفيع الثمن، وعصابة أحفاد الكهانا)، وصولاً إلى الإضراب الشامل لكافة مناحي الحياة في كافة مدن وبلدات الداخل المحتل.

شكل ذلك نوعاً من “الصدمة” لدولة الاحتلال في ظل ما اعتبرته بعض الأوساط الإسرائيلية “تهديد وجودي”؛ نظراً لانخراط فلسطينيي الداخل المحتل على غير العادة مع القضايا الوطنية الفلسطينية، فيما كان السلوك الإسرائيلي لافتاً في مواجهة تحركات الداخل المُحتل خلال هبة الكرامة، حيث اتخذت أجهزة أمن الاحتلال إجراءات أمنية مباشرة لمواجهة تلك التحركات، والتي تمثلت في الآتي:

  • إعلان شرطة الاحتلال “حالة الطوارئ” في مدن الداخل المحتل، وتخصيص مدينة اللد بفرض حالة “الطوارئ الخاصة”.
  • القمع العنيف من قبل شرطة الاحتلال لفلسطينيي الداخل المحتل، وذلك باستعمال الرصاص المطاطي والحي، إلى جانب وضع حواجز على مداخل البلدات، ونصب حواجز أخرى في مناطق خلت من المظاهرات.
  • استدعاء سريع لعناصر الاحتياط في شرطة الاحتلال وحرس الحدود، حيث سحبت ثلاث كتائب قتالية من حرس الحدود في الضفة للعمل تحت قيادة شرطة الاحتلال في المدن المختلطة، وتم استبدالها بقوات عسكرية نظامية أو احتياطية.
  • منح نتنياهو حينها المفتش العام لشرطة الاحتلال صلاحية إدخال الجيش إلى المدن، وذلك لقمع المتظاهرين، مع توسيع صلاحيات شرطة الاحتلال بإمكانية فرض حظر التجوال في بلدات الداخل المحتل.
  • اعتقال عدد كبير من فلسطينيي الداخل المحتل -ما يزيد عن 1200 -خلال هبة الكرامة للثني عن مشاركة المزيد من فلسطينيي الداخل المُحتل في المظاهرات.

إضافة إلى ما سبق من إجراءات ميدانية مُباشرة للتعامل مع هبة الكرامة في الداخل المُحتل؛ سعت حكومة الاحتلال السابقة (بينت-لبيد) إلى تمرير عدد من التشريعات والقوانين “الاحترازية” الهادفة إلى احتواء أحداث هبة الكرامة، ومُحاولة تلافي أي تحركات مُشابهة، أبرزها:

  • المصادقة على قانون يسمح لشرطة الاحتلال بتفتيش المنازل والمحال التجارية دون أمر صادر عن المحكمة.
  • التعديل على القانون الجنائي الذي يتيح لشرطة وجيش الاحتلال اقتحام البيوت العربية وتفتيشها دون أمر محكمة كذلك.
  • المصادقة على بند يتيح لجيش الاحتلال إرسال قوات معززة للشرطة ومكتب رئيس الحكومة والوزارات في سياق تأدية مهام مدنية (قانون خدمة أهداف أمنية قومية) حتى نهاية 2024.

إلى جانب ذلك، قّدم مكتب المدعي العام للاحتلال  لوائح اتهام ضد فلسطينيين على خلفية أحداث هبة الكرامة، ونسبت نيابة الاحتلال إلى بعضهم تهمة إطلاق النار ومحاولة قتل عناصر شرطة خلال الهبة ذاتها.

غير أن السلوك الأبرز في إطار استخلاص العبر من أحداث هبة الكرامة، هو إعلان رئيس حكومة الاحتلال الأسبق “نفتالي بينت” تشكيل “الحرس الوطني الإسرائيلي”؛ كقوة تابعة لحرس الحدود في شرطة الاحتلال للتحرك في عدة ساحات بصورة مُتزامنة، والتعامل مع أعمال “الشغب” والسيناريوهات الطارئة، وهي القوة التابعة حالياً لوزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”.

 

ثانياً: توجهات حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو للتعامل مع فلسطينيي الداخل المحتل

تضمنت الاتفاقيات الائتلافية بين أقطاب حكومة الاحتلال (الليكود، الحريديم، الصهيونية الدينية)، العديد من الإجراءات والسياسات “المُتشددة” ضد الداخل المُحتل، سيما في ظل احتواء حكومة الاحتلال على شخصيات وأحزاب صهيونية مُتطرفة (بن غفير، سموتيرتش، …)، وفيما يأتي أبرز السياسات المُتفق عليها بين أقطاب حكومة الاحتلال تجاه الداخل المُحتل:

  • تعزيز الهوية اليهودية للدولة وإقامة عدد من المستوطنات في النقب والجليل وتعزيز التواجد اليهودي فيه تحت ذريعة حق “المهاجرين الجدد” في أراضي النقب، والتعديل على قانون لجان القبول في النقب والجليل لمنع المواطنين العرب من السكن فيه.
  • الدفع باتجاه سن قانون يحظر التلويح أو رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات التي تدعمها الدولة أو السلطات المحلية.
  • الاقتطاع من ميزانيات الخطة الخماسية المخصصة للعرب، وتحويل جزء كبير منها لشؤون دولة الاحتلال الأمنية.
  • السماح لجهاز الشاباك وتحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة في البلدات العربية بالتدخل في قضايا جنائية ومراقبة المواطنين العرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
  • تغيير أنظمة وقوانين تفريق المظاهرات، وإلغاء ما يعرف بـ “استخلاص العبر” بعد أحداث هبة القدس عام 2000 والتي حثت شرطة الاحتلال على تخفيف سياسة الضغط على الزناد وطالبت بدمج المواطنين العرب وسد الفجوات وتقليص الفوارق مع اليهود.
  • إعطاء صلاحية إضافية لما يعرف باسم “الدوريات الخضراء”، وسلطة تنفيذ القانون بكل ما يتعلق بالأراضي، التابعتين لوزارة الأمن القومي لزيادة الضغط على المجتمع العربي.
  • سن قانون منح امتيازات لليهود لشراء الأراضي بأسعار رخيصة في النقب والجليل بهدف التهويد.
  • وضع حكومة الاحتلال لمؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لفلسطيني الداخل المحتل في دائرة الاستهداف عبر فرض ضرائب على تمويل الجمعيات من الخارج بهدف تشديد الرقابة عليها.

 

بالرغم من وجود تفاهمات بين أقطاب الائتلاف الحكومي (الليكود، الحريديم، الصهيونية الدينية) تجاه سياسات حكومة الاحتلال في التعامل مع فلسطينيي الداخل المُحتل، وحاجتها لفترة من الوقت لتمرير وتشريع جزء من تلك السياسات، إلا أن حكومة نتنياهو المُتطرفة ومنذ تشكيلها سرّعت من وتيرة إجراءاتها ضد الداخل المُحتل، فكان أبرز تلك الإجراءات ما يأتي:

  • قرار منع رفع العلم الفلسطيني: أصدرت شرطة الاحتلال تعليمات بمنع رفع العلم الفلسطيني في الأماكن العامة، وذلك بعد أوامر مباشرة من وزير الأمن القومي “بن غفير”، حيث جاء القرار بعد رفع العلم الفلسطيني خلال الاحتفال باستقبال الأسير المحرر “كريم يونس”.
  • سحب الجنسية من الأسرى الفلسطينيين: صادقت الهيئة العامة للكنيست على مشاريع قوانين لسحب المواطنة أو الإقامة من كل أسير فلسطيني أُدين بـ “الإرهاب” والعمل ضد أمن دولة الاحتلال، وإبعاد كل أسير يحصل على مساعدات مالية من السلطة الفلسطينية، حيث أيّد المشروع 94 عضو كنيست.
  • استئناف مشروع تحريش النقب المُحتل: استأنف “الصندوق الدائم “كاكال” عمليات جرف أراضي المواطنين العرب في النقب وتحريشها، بهدف التضييق على سكان الداخل المحتل، وقطع أي تواصل جغرافي بين القرى البدوية عبر زرع المستوطنات والمزارع الفردية فوق الأراضي العربية التي تواجه التهويد الزاحف.
  • قانون يمس بوجود “نواب عرب” في الكنيست: قدّم رئيس الائتلاف الحكومي ورئيس لجنة الكنيست أوفير كاتس مشروع قانون يتيح شطب أي مرشح أو حزب من الترشح لانتخابات الكنيست تحت طائلة “دعم الإرهاب” أو “التعاطف مع منفذي العمليات” من خلال التصريحات، مستهدفاً بشكل مباشر النواب والأحزاب العربية في الكنيست.
  • التوجه لتشكيل “حرس وطني”: وافقت حكومة الاحتلال على مطلب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتشكيل “حرس وطني” الذي يستهدف فلسطينيي الداخل المحتل ونضالهم المشروع، وخصوصاً أنه جرى الحديث عنه بالارتباط مع أحداث هبة الكرامة إبان معركة سيف القدس، كما أطلق حرس الحدود حملة لتجنيد 300 جندي جديد في الحرس الوطني بما يتوافق مع زيادة هدف التجنيد السنوي للحرس من 600 إلى 1000 مجند، حيث إن الطبقة المستهدفة بهذه الحملة هم الجنود السابقون في جيش الاحتلال وحرس الحدود.
  • صادقت الهيئة العامة للكنيست على مشروع قانون يسمح لشرطة وجيش الاحتلال بإجراء تفتيش المنازل دون أمر صادر عن المحكمة كما هو معمول به وفقاً لأنظمة القانون الجنائي، وكذلك دخولها لمصادرة كاميرات أو أدوات توثيق في حال ارتكاب جرائم، وذلك تحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة.
  • التضييق على الفعاليات الطلابية المساندة للقضية الفلسطينية، حيث أقر الكنيست مشروع قانون ينص على أن “الطالب الذي يعرب عن دعمه لمنظمة إرهابية أو يعمد إلى رفع العلم الفلسطيني أو علم دولة معادية سوف يُقصى عن التعليم لمدة لا تقل عن 30 يوماً، وفي حال تكرار المخالفة يُستبعد الطالب نهائياً من الجامعة ويحرم من الحصول على لقب أكاديمي لخمس سنوات”.
  • إجراء تدريبات للتعامل مع التهديدات التي قد يشكلها الداخل المحتل، حيث أشار رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو إلى أن: “10 كتائب في الجيش تتدرب على سيناريو يحاكي انضمام الفلسطينيين داخل إسرائيل للقتال خلال حرب إسرائيلية على عدة جبهات”.

 

نتائج واستخلاصات:

  • تتصاعد إجراءات حكومة الاحتلال تجاه فلسطينيي الداخل المحتل في ظل استمرار سيطرة اليمين الصهيوني على أجندات الحكومة وموقفها المُتشدد من قضايا وحقوق الداخل المحتل، فضلاً عن تخوفات الاحتلال الحاضرة تجاه المهددات التي يُشكها عرب الداخل المحتل، على اعتبار أن الحضور الفلسطيني في الداخل المحتل – يقارب تعدادهم 2 مليون – يُشكل تهديداً استراتيجياً على دولة الاحتلال.
  • يُشكّل سلوك الاحتلال المُتصاعد تجاه قضم حقوق ومقدرات فلسطينيي الداخل المحتل فرصة لتحشيد الفلسطينيين في مناطق الداخل المحتل ضد إجراءات حكومة الاحتلال، والدفع باتجاه تنظيم خطوات ونشاطات مُناهضة لدولة الاحتلال.
  • بالرغم من أن إجراءات الاحتلال المتخذة ضد فلسطيني الداخل المحتل، تحد من قدرتهم على تشكيل حالة مشاغلة واسعة كما حدث إبان معركة سيف القدس، إلا أن حكومة الاحتلال تخشى من نجاح قوى المقاومة الفلسطينية في إحداث اختراق لهذه الحالة، لذلك لا تنفك عن ممارسة الضغوط على فلسطينيي الداخل المحتل من خلال استمرار عمليات الاعتقال والمداهمة تحت ادعاءات التواصل مع المقاومة الفلسطينية.

 

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى