تحليلات

تطورات الأوضاع على الجبهة الشمالية بين لبنان وفلسطين المحتلة

تقدير موقف

خاص– اتجاهات

تسود الجبهة الشمالية حالة من التوتر المضبوط بين دولة الاحتلال وحزب الله، في ظل إجراءات حزب الله الأخيرة التي وصفها قادة الاحتلال بالاستفزازية (إقامة خيام، اقتحام للحدود، …)، والتي جاءت كرد من قبل حزب الله على محاولات الاحتلال بسط سيادته على قرية الغجر الواقعة على الحدود بين سوريا ولبنان، حيث ارتفعت معها مستوى التهديدات المتبادلة بين الجانبين، عدا عن تكثيف الاحتلال الإسرائيلي تحركاته للتحشيد ضد حزب الله (لقاءات ومشاورات أمنية، رفع حالة التأهب، الادعاء بقطع القنوات الدبلوماسية).

نقدم لكم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث تقدير موقف يرصد تطورات الأوضاع على الجبهة الشمالية، وما صاحبها من تهديدات متبادلة بين حزب الله ودولة الاحتلال، للوقوف على مستقبل تطورات الأوضاع على الحدود الشمالية بين لبنان وفلسطين المحتلة.

سلوك وإجراءات حزب الله:

رأت دولة الاحتلال في إقامة حزب الله للخيام قرب الحدود اللبنانية استفزازاً كبيراً لها، لما يمثله من جُرأة غير مسبوقة من قبل حزب الله، وذلك ضمن سلسلة من الاستفزازات قام بها حزب الله خلال الأشهر الأخيرة، كان أبرزها:

  1. نقل حزب الله قواته الخاصة إلى مقربة من الحدود.
  2. إقامة حزب الله عشرات نقاط المراقبة الثابتة على طول الحدود.
  3. تنفيذ “استفزازت” يومية تشمل دخول عناصر من حزب الله إلى داخل الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال.
  4. تنفيذ عمليات انطلاقاً من الحدود اللبنانية (عملية مجدو، إطلاق صواريخ،..) وعلى الرغم من تجنب الاحتلال توجيه الاتهام المباشر لحزب الله بالوقوف خلف تلك العمليات خاصة عملية إطلاق الصواريخ، واكتفى بتوجيه الاتهام لفصائل فلسطينية، فهو يدرك أن هذه الأحداث لم تكن لتحدث لولا موافقة حزب الله.
  5. قيام حزب الله بين فترة وأخرى بنشر مقاطع مصورة تحمل تهديدات لدولة الاحتلال وقادته، والتي كان آخرها نشر فيديو لتدريبات تحاكي اقتحام عناصر من الحزب لموقع عسكري “إسرائيلي” والسيطرة عليه، وبث مقاطع فيديو تظهر رصد رئيس هيئة الأركان هراسي هاليفي خلال جولة له على الحدود الشمالية، في رسالة تحدي من قبل الحزب وإعلان للجهوزية.

بموازاة ذلك أطلق الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عدة تصريحات حذر فيها دولة الاحتلال من مغبة القيام بأي سلوك استفزازي من شأنه أن يستدعي رداً من حزب الله، قائلاً: “إن المقاومة في لبنان لن تتهاون وستكون جاهزة للرد والمواجهة والتحرير، أمام أي حماقة إسرائيلية”، مضيفاً “إن المقاومة في لبنان لن تتخلى عن مسئولياتها”.

الموقف الإسرائيلي:

لقد شكّلت إجراءات حزب الله واستفزازاته المتكررة على الحدود الشمالية حالة ضاغطة على دولة الاحتلال، ساهمت في التأثير على موقف حكومة الاحتلال داخلياً، وعلى حالة الردع الإسرائيلي، وهو ما دفع بالمستويات الرسمية داخل دولة الاحتلال بتوجيه تهديدات ضد حزب الله وأمينه العام، نرصد فيما يلي أبرز تلك التهديدات:

  • رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وجه تهديداته للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ودعاه ألا يختبر إسرائيل، قائلاً: “بخصوص تهديدات القبو من قبل حسن نصر الله، فإننا لا نتأثر بها، يوم الاختبار سيجدنا موحدين جنبا إلى جنب، ونصر الله يدرك أن من الأفضل له وللبنان عدم وضعنا أمام هذا الاختبار”.
  • رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنبغي، هدد قائلاً: “سيتم إخلاء خيمة حزب الله، لا أنصح أحد هناك بالبقاء في الخيمة، لن نخبر العدو بموعد تنفيذ العملية، كما لم نفعلها من قبل في غزة”.
  • ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت صادق على خطط عملياتية حال تدهورت الأوضاع الأمنية على الجبهة الشمالية؛ تتضمن مسارات الرد على خيام حزب الله، حتى لو امتد الأمر لمواجهة واسعة ومفتوحة.
  • كشفت القناة 13 “الإسرائيلية” أن الجيش الإسرائيلي عزز قواته عند الحدود مع لبنان تحسباً لأي مواجهة محتملة مع حزب الله.
  • نقلت القناة 12 “الإسرائيلية” عن جهات سياسية وحكومية “أن إسرائيل وجهت رسالة قوية لحزب الله عبر الأمم المتحدة بأنها ستزيل الخيام لو استدعى اندلاع جولة قتال تستمر لأيام، معتبرة أن الخيمة المأهولة بعناصر حزب الله باتت رمز للحزب، وتزيد احتمالات التصعيد مع مرور الوقت”.

يرى قادة الاحتلال في سلوك حزب الله بمسألة الخيام جزءاً من محاولات الحزب لاستغلال الأزمة الداخلية في دولة الاحتلال، وذلك من خلال شروعه في العديد من الإجراءات “الاستفزازية” على الحدود الشمالية، على اعتبار وجود نوع من الثقة لدى حزب الله بعدم الوصول إلى عتبة التصعيد، حيث تقدر المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال “أن حزب الله يرى في حالة التغير الاجتماعي والسياسي داخل إسرائيل بأنه نقطة ضعف كبيرة وفرصة محتملة للإضرار بإسرائيل، وأن حزب الله يرى أن لديه مساحة أكبر للمناورة دون الوصول إلى عتبة التصعيد.

إن موقف الاحتلال في مواجهة ما يعتبره استفزازات من حزب الله على الحدود اللبنانية جاء في إطار مطالبة بعض المستويات الإسرائيلية بالإبقاء على القنوات الدبلوماسية للضغط على حزب الله، وما بين البعض الآخر الذي يطالب بالرد عسكرياً على تلك الاستفزازات، حيث نقل موقع واللا الاخباري بأن “رئيس الموساد وقائد المنطقة الشمالية وبعض قادة الجيش يضغطون من أجل الرد على استفزازات حزب الله، لكن المستوى السياسي لا يزال يعطي فرصة للدبلوماسية، لكن ما هو معلوم أن المواجهة مع حزب الله أصبحت أقرب من أي وقت مضى”.

وساطة دولية:

يشار في هذا الجانب أن عدة جهات دولية من بينها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا بالإضافة لقوات اليونيفل تبذل جهوداً للوساطة بين دولة الاحتلال وحزب الله لمنع التصعيد على الحدود الشمالية.

التقدير:

بشكل عام، من غير المتوقع أن تشهد الجبهة الشمالية تصاعداً في حالة التوتر وصولاً إلى مواجهة مفتوحة في ظل حالة الردع المتبادلة بين الجانبين، ناهيك عن عدم رغبة الجانبين في الوصول إلى ذلك، لعدة اعتبارات خاصة بكل طرف، نجملها في الآتي:

  • على الصعيد اللبناني: فالأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها لبنان تشكل أحد الكوابح الرئيسة أمام حزب الله من الذهاب لمواجهة واسعة مع الاحتلال في هذه المرحلة، خاصة أن تداعياتها ستكون تدميرية على لبنان وبنيته التحتية والاقتصادية.
  • على الصعيد الإسرائيلي: استمرار تفاعلات أزمة التعديلات القضائية داخل دولة الاحتلال وما صاحبها من احتجاجات ومظاهرات تلقي بتأثيرها على فاعلية جيش الاحتلال في ظل تنامي ظاهرة رفض الخدمة العسكرية، ناهيك عن وجود خشية حقيقية لدى قادة للاحتلال من سيناريو معركة متعددة الجبهات في ظل سخونة الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة ووجود حالة ترقب من قبل إيران، تشكل اعتبارات وازنة تجعل دولة الاحتلال غير معنية بالدخول في مواجهة واسعة مع حزب الله في التوقيت الحالي.

بالرغم من اعتبارات كل طرف ورغبته في عدم الذهاب بعيداً إلى مواجهة شاملة، إلا أن الجبهة الشمالية ستبقى جبهة متوترة سيكون فيها العامل الميداني وتعاطي كل طرف مع الأحداث والتطورات الميدانية على تلك الجبهة عاملاً حاسماً في تحديد مستقبل الأوضاع على الحدود، الأمر الذي يفتح المجال أمام حدوث عمليات فعل ورد فعل سيرغب الطرفان بعدم تطورها لمواجهة واسعة، غير أن أي خطأ أو سوء تقدير من أحد الطرفين، سيكون كفيلاً بإشعال مواجهة قد يتعذر السيطرة على مجرياتها.

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى