تحليلات

تفاعلات وتداعيات خطة التعديلات القضائية داخل دولة الاحتلال

قراءة تحليلية

خاص– اتجاهات

تستمر تفاعلات خطة التعديلات القضائية بالسيطرة على المشهد الداخلي لدولة الاحتلال، وخاصةً مع قيام الائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو بإقرار قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية”، بهدف تقليص صلاحيات محكمة العدل العليا بالنظر في معقولية الأحكام والقوانين الصادرة عن الحكومة والكنيست، وقد أثار هذا الأمر موجة احتجاجات واضرابات كبيرة داخل دولة الاحتلال، بما في ذلك وحدات وفرق داخل جيش الاحتلال، مما أثار مخاوف كبيرة لدى قيادة جيش الاحتلال.

نقدم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث قراءة تحليلية في تفاعلات وتداعيات خطة التعديلات القضائية داخل دولة الاحتلال، والتي نستعرض خلالها طبيعة التعديلات، وما تم إقراره منها، مع تسليط الضوء على قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية” وما صاحبه من ردود أفعال، في محاولة للوقوف على تداعيات ذلك على الشأن الداخلي في دولة الاحتلال.

أولا: بنود خطة التعديلات القضائية

شملت خطة التعديلات القضائية أو ما يطلق عليها بالإصلاحات القضائية سبعة بنود أساسية جاءت على النحو الآتي:

  1. قانون “حصانة رئيس الحكومة”، وهو قانون تم إلحاقه بالخطة القضائية يقضي بمنع المستشارة القانونية للحكومة من الإعلان عن تعذر رئيس الحكومة عن القيام بمهامه وتنحيته من منصبه، وينص القانون على أن تعذر رئيس الحكومة من القيام بمهامه يكون فقط في حالة عدم قدرة جسدية أو نفسية، كما أنه يتعين على رئيس الحكومة الإعلان عن تعذره بنفسه أو من خلال تصويت الحكومة وتأييد 75% من الوزراء للتعذر، وفي حال عارض رئيس الحكومة التصويت يُنقل الحسم إلى الكنيست، حيث يجب أن يؤيد التعذر 90 عضو كنيست، وهذا القانون تم إقراره في الكنيست بتاريخ 22/3/2023، وبذلك نجح نتنياهو تأمين منصبه كرئيس للحكومة.
  2. قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية”، إذ تُعطي هذه الذريعة الصلاحية للمحكمة العليا بإلغاء إجراءات حكومية كونها غير منطقية، ويهدف هذا القانون إلى تقليص صلاحية الجهات القانونية في دولة الاحتلال– خاصةً صلاحية المحكمة العليا- في تطبيق ما يعرف “بالمعقولية” في إلغاء القرارات الحكومية، حيث تم تمرير القانون بشكل نهائي وفق صيغته الآتية “أولئك الذين لديهم سلطة الفصل في القانون، بما في ذلك المحكمة العليا بصفتها محكمة العدل العليا؛ لن يحكموا أو يصدروا أمراً ضد مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء أو وزير أو أي مسؤول منتخب آخر –أعضاء كنيست مثلاً- على النحو المُحدد في القانون، فيما يتعلق بمعقولية قراراتهم”، وقد تم إقرار هذا القانون في الكنيست بتاريخ 24/7/2023.
  3. تقييد تدخل المحكمة العليا في تشريع قوانين الأساس، هو قانون يمنع المحكمة العليا من ممارسة المراجعة القضائية لقوانين الأساس، والتي يتم تمريرها في الكنيست بأغلبية 61 عضو في الوقت الحالي، حيث ينص التشريع على أنه “لن تتمكن المحكمة العليا من مراجعة قانون أساس تم تشريعه ما لم يتعارض بشكل مباشر مع قانون أساس آخر، وإذا قامت بمراجعته، فلن يكون بإمكانها إلغاؤه إلا بإجماع قضاة المحكمة الخمسة عشر”، وهذا القانون تمت المصادقة عليه بالقراءة الأولى وبانتظار القراءة الثانية والثالثة.
  4. إضافة فقرة التغلب، والمقصود تعديل قانون أساس السلطة القضائية (قانون كرامة الإنسان وحريته)، بحيث يستطيع الكنيست إقرار تشريع جديد لقانون ألغته المحكمة العليا، وذلك بأغلبية 61 عضو كنيست، وهي أغلبية قليلة تسمح للائتلاف الحكومي عملياً بتشريع كل قانون تلغيه المحكمة العليا أو تطالب بتعديله، والذي يعني تحييد وظيفة المحكمة العليا في هذ الشأن.
  5. إلغاء طريقة “الأقدمية” في تعيين رئيس المحكمة العليا، حيث جرت العادة أن يكون رئيس المحكمة العليا هو الأقدم من بين قُضاة المحكمة العليا، إذ تقترح الخطة أن تُعين الحكومة رئيس المحكمة العليا، بل إنها تستطيع تعيين قاضٍ رئيساً للمحكمة حتى لو لم يكن قاضياً في المحكمة العليا.
  6. تغيير مكانة المستشارين القضائيين، حيث تقترح الخطة أن تكون وظيفة المستشار القضائي للحكومة، والمستشارين في الوزرات المُختلفة “وظيفة ثقة”؛ ويتم تعيينهم من قبل رؤسائهم في الأماكن الحكومية المختلفة.
  7. تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة، حيث تهدف الخطة إلى إضعاف موقف ممثلي المحكمة العليا في اللجنة وتعزيز قوة السياسيين فيها، وبحسب الخطة فإن عدد أعضاء اللجنة سوف يزداد ليصل إلى 11 عضواً، ويتضمن تمثيلاً متساوياً لكل السلطات، بحيث يُلغى تمثيل نقابة المحامين (ممثلان)، وإحلال ممثلين محلهم من الجمهور يختارهم وزير القضاء، وبذلك يزاد تأثير الوزير في تعيين القضاة، كما أن الخطة تقترح على المرشحين للمحكمة العليا المرور بلجنة استماع علنية في الكنيست وذلك للتعرف على مواقفهم.

ثانياً: قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية”

نجح الائتلاف الحكومي في دولة الاحتلال في إقرار قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية”، بعد المصادقة عليه بالقراءتين الثانية والثالثة، بأغلبية 64 عضواً في الكنيست، بالرغم من امتناع كُتل وأحزاب المعارضة عن التصويت، ومغادرتها جلسة الكنيست في ظل فشل مساعي الوساطة لتأجيل أو تعديل قانون عدم المعقولية، حيث يهدف القانون بشكل أساس إلى تقليص صلاحية المحكمة العليا في تطبيق ما يعرف “بالمعقولية” في إلغاء قرارات اتخذتها حكومة الاحتلال، ويصبح القانون نافذاً بعد نشره في الصحيفة الرسمية، في موعد يتم تحديده لاحقاً، وذلك بعد توقيع رئيس الحكومة ووزير القضاء ورئيس الدولة.

لقد عكس إقرار القانون حالة من التماسك داخل الائتلاف الحكومي، حيث أن جميع أعضاء الكنيست الـ 64 ممثلي الائتلاف الحكومي، صوتوا لصالح إقرار القانون، وذلك بالرغم من محاولات جهات في الائتلاف الحكومي يتقدمهم وزير الجيش يوآف غالانت؛ الدفع نحو تعديل أحادي الجانب وتخفيف صيغة القانون، وذلك على وقع موجة مظاهرات واحتجاجات امتدت إلى بعض مكونات جيش الاحتلال.

لقد أثار القانون موجة من ردود الفعل داخل دولة الاحتلال، لا زالت تفاعلاتها مستمرة، نرصد فيما يأتي أبرز تلك الردود:

  • اعتبرت أقطاب حكومة الاحتلال أنّ إقرار قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية” يُشكل ضرورة وبداية للديمقراطية في دولة الاحتلال، حيث صرح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قائلاً: “أقررنا تعديل بند المعقولية حتى تتمكن الحكومة المُنتخبة من تنفيذ سياسة تتماشى مع قرار غالبية مواطني البلاد“، من جانبه اعتبر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن “خطوة إقرار قانون عدم المعقولية هي الخطوة الأولى في خطة الإصلاحات القضائية، وهي تشكل بداية الديمقراطية في إسرائيل“.
  • اعتبرت قوى المعارضة داخل دولة الاحتلال أن خطوة إقرار قانون المعقولية “تشكل مقدمة لانهيار دولة إسرائيل الديمقراطية”، حيث صرح رئيس كتلة المعارضة يائير لابيد: “لن نستسلم ولن يقرروا متى سينتهي كفاحنا، سنستأنف أمام المحكمة العليا، على الرغم من الصعوبات القانونية التي تواجه تلك الخطوة”.
  • على الصعيد الجماهيري ارتفعت وتيرة الاحتجاجات والمظاهرات في شوارع دولة الاحتلال، وأعلنت العديد من الجهات داخل دولة الاحتلال (نقابة الأطباء، جنود احتياط، …) عن نيتها الانضمام للاحتجاجات حول إقرار قانون عدم المعقولية.
  • انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية دولة الاحتلال، حيث جاء في بيان صادر عن البيت الأبيض أنه “من المؤسف أن التصويت جرى اليوم بأغلبية ضئيلة جداً”، داعيةً أطراف الأزمة في دولة الاحتلال للحوار والوصول إلى تسويات حول خطة التعديلات القضائية.

ثالثاً: تداعيات إقرار قانون المعقولية

إن إقرار قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية” عزّز من موقف الائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو، الذي أكد على إصراره في تمرير المزيد من بنود خطة التعديلات القضائية، ونجح في فرض وقائع على الأرض من خلال إقرار قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية”، حيث قام بتحقيق العديد من الأهداف من وراء تلك الخطوة، أبرزها:

  • المحافظة على حكومته من الانهيار، حيث قام العديد من أقطاب الحكومة بالتهديد بإسقاط الحكومة في حال انصياع نتنياهو لدعوات الحوار وعدم إقراره للقانون المذكور أو إحداث تعديل عليه.
  • تقوية موقفه التفاوضي مع المعارضة، بعد أن بات إقرار قانون المعقولية أمراً واقعاً، ويمهد الطريق لقدرة الائتلاف على تمرير باقي بنود الخطة القضائية.

ومع ذلك، يبقى سلوك الائتلاف الحكومي في تمرير المزيد من بنود خطة التعديلات القضائية مرتبطاً بتطورات موجة الاحتجاجات داخل دولة الاحتلال، وطبيعة المكونات المنضوية في تلك الاحتجاجات.

في ضوء ما سبق، يُمكن إجمال تداعيات إقرار قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية” على تطورات المشهد الداخلي لدولة الاحتلال، على النحو الآتي:

  • سيعزز إقرار القانون حالة عدم الاستقرار الداخلي في دولة الاحتلال في ظل نجاح الائتلاف الحكومي في تمرير أحد بنود خطة التعديلات، في مقابل موقف قوى المعارضة المستمر في التحشيد ضد حكومة الاحتلال وأقطابها.
  • لن يكون الائتلاف الحكومي مُندفعاً لطرح المزيد من بنود خطة التعديلات للإقرار في الكنيست في الوقت الحالي، وسيعطي مساحة أكبر للوساطات؛ لمُحاولة التوصل إلى توافقات مع المعارضة حول خطة التعديلات القضائية، خاصةً في ظل موقف نتنياهو الذي صرح قائلاً: “نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع المعارضة حول خطة التعديلات القضائية”.
  • لا تزال الانعكاسات الاقتصادية نتيجة إقرار قانون المعقولية محدودة في الوقت الحالي، وسترتبط بطبيعة الفعاليات الاحتجاجية التي من الممكن أن تقدم عليها المعارضة، خاصة ما يتعلق بالإضرابات العامة، وشكل مشاركة الهستدروت فيها (النقابة العامة).
  • سيبقى زخم المظاهرات والاحتجاجات مسيطراً على المشهد الداخلي في دولة الاحتلال، سيما مع إعلان العديد من الجهات داخل دولة الاحتلال انضمامها لتلك الاحتجاجات، غير أن ارتفاع وتيرتها بشكل يؤثر على موقف الائتلاف الحكومي سيرتبط بتوسع الاحتجاجات والاضطرابات لتطال هيئات رئيسية ومؤثرة داخل الاحتلال (النقابات العامة “الهيستدروت”، وحدات من الجيش).
  • بالرغم من مشهد الاحتجاج ورفض الخدمة لدى بعض الوحدات في جيش الاحتلال من قوات الاحتياط إلا أن المشهد داخل الجيش لا زال في الإطار المضبوط حالياً، والبعيد عن إمكانية تأثر عمل أو تماسك الجيش، غير أن التأثير على عمل جيش الاحتلال قد يرتفع في حال تصاعد حالة المعارضة داخل وحدات الجيش، وتوسع حالة الرفض وانتقالها من قوات الاحتياط إلى القوات النظامية.

بشكل عام، فإن تمرير قانون “إلغاء ذريعة عدم المعقولية” خطوةٌ متقدمةٌ للائتلاف الحكومي في تمرير خطته القضائية، غير أن تلك الخطة من شأنها أن تضاعف من حجم وحدة الضغوط والانتقادات الداخلية والخارجية تجاه نتنياهو وحكومته من أحزاب اليمين المتطرف، خاصةً في حال وظّف الائتلاف الحكومي إقرار القانون في إلغاء بعض قرارات المحكمة العليا، مثل إعادة الوزير آرييه درعي للحكومة.

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى