تحليلات

العملية العسكرية في جنين

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر أمس الإثنين بدء عملية عسكرية واسعة في مدينة جنين ومخيمها، وبدأ بقصف جوي لعدد من المنازل والمواقع التي قال إنها تستخدم من قبل المقاومة الفلسطينية لتخزين السلاح وإطلاق عمليات مسلحة ضد المصالح الإسرائيلية، بالإضافة لاستخدامها كمراكز تدريب وتصنيع ورصد على حد وصف جيش الاحتلال.

فجر اليوم الثلاثاء ذكرت تقارير أن الاحتلال دفع بتعزيزات عسكرية إلى مخيم جنين عبر المدينة، ونقلت صحيفة يديعوت أحرنوت عن مصادر أن نحو ألف جندي سيبدؤون المرحلة الثانية من عملية جنين.

نستعرض في هذه الورقة أهداف العملية وسياقاتها ودوافعها والمسار المتوقع لها خلال الساعات القادمة.

 

أهداف الاحتلال من العملية

في سياق إعلانه عن بدء العملية العسكرية في جنين، حدد جيش الاحتلال هدفه منها، حيث قال إنه يهدف إلى تحييد قدرات المقاومة والبنية التحتية التي تؤسس لأعمال المقاومة، خصوصاً بعد تفجير عدد كبير من العبوات في مجموعة من الآليات العسكرية المصفحة بعد اقتحامها مدينة جنين قبل أسبوعين، وأوقعت عدداً كبيراً من الإصابات في صفوف قوات الاحتلال في تطور نوعي غير مسبوق للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.

لكن ثمة أهدافٍ أخرى يريد الاحتلال تحقيقها من هذه العملية، أهمها:

1. ترميم قوة الردع الإسرائيلي التي تآكلت على مدار العامين الأخيرين جراء اشتداد عمليات المقاومة الفلسطينية، وتحول مدينة جنين ومخيمها إلى رمز للمقاومة، حيث تشكلت في جنين نواة كتيبة كاملة من المقاتلين ومنفذي العمليات، وتصنيع العبوات والأسلحة والاشتباك مع القوات الاحتلال وإطلاق النار على المستوطنين والحواجز العسكرية وحتى إيواء المطاردين من المدن الأخرى، كل هذا ساهم في تآكل قوة الردع الإسرائيلية.

2. كي وعي الحاضنة الشعبية للمقاومة في جنين، حيث بدأت عملية جيش الاحتلال بتدمير البنية التحتية في جنين ومخيمها، فقطعت الكهرباء عن المدينة وجرّفت الشوارع لكي تُبقي صورة الدمار حاضرةً في أذهان المواطنين الفلسطينيين؛ لدفعهم إلى الامتناع عن تقديم الدعم والاحتضان للمقاومة.

3. مسح رمزية جنين ومخيمها، حيث بدت جنين نموذجاً للمقاومة ورمزاً للتحدي والاستمرارية، وهذا ما لا يطيقه الاحتلال، وسيعمل جاهداً على مسح هذه الرمزية.

4. إضعاف قدرات المقاومة الآخذة بالتطور، خصوصاً سلاح المتفجرات والعبوات الناسفة، والتي خلقت تحدياً أمنياً وعسكرياً أمام جنود الاحتلال عند دخولهم إلى جنين ومخيمها لاعتقال مطلوبين أو غير ذلك من المهام، لذلك تعمل قوات الاحتلال في هذه العملية على إضعاف قدرات المقاومة من خلال تحييد سلاح العبوات الناسفة.

 

سياقات العملية

تأتي هذه العملية في سياق مجموعة من المتغيرات والأحداث، وهي:

  1. استمرار عملية كاسر الأمواج، وهي العملية التي أطلقها جيش الاحتلال مطلع إبريل من العام 2022، لمنع العمليات الفدائية الفلسطينية التي وصلت إلى العمق الإسرائيلي في تل أبيب والخضيرة وبئر السبع، لكن العملية التي جاءت على شكل اقتحامات واعتقالات واغتيالات في مدن شمال الضفة الغربية، قد فشلت حتى اللحظة في تحقيق أهدافها بشكل كامل؛ بدليل أن العمليات الفدائية ما زالت مستمرة ومتصاعدة ووصلت إلى مدن جديدة مثل القدس. وتشكل العملية الجديدة للاحتلال في جنين، وما سبقها من مطالبات إسرائيلية بشن عملية عسكرية في شمال الضفة الغربية، أوضح دليل على فشل عملية كاسر الأمواج.
  2. جاءت هذه العملية العسكرية في سياق اشتداد عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية، والتي كان آخرها عملية إطلاق نار قرب نابلس قتل فيها 4 مستوطنين قبل 10 أيام، وعملية تفجير العبوات الناسفة في آليات الاحتلال في جنين، وعملية إطلاق صاروخ محلي الصنع من جنين باتجاه إحدى المستوطنات.
  3. تأتي العملية العسكرية في جنين في إطار الصراع الإقليمي بين “إسرائيل” وإيران، حيث أصبحت صورة الدعم الإيراني للمقاومة في الضفة الغربية المحتلة واضحة، وبالتالي تعتبر “إسرائيل” هذا الدعم الإيراني بمثابة تحدٍ أمني كبير يجب مواجهته.

 

دوافع العملية

في إطار السياقات المذكورة أعلاه، يمكن استنتاج الدوافع التي دفعت الاحتلال إلى القيام بهذه العملية وإجمالها في دافعين، دافع سياسي وآخر أمني:

  • الدافع السياسي: يتمثل في إرضاء نتنياهو لمطالب شركائه في الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال، وبالتحديد وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير” ووزير المالية “بتسلائيل سموتريتش” الذين يعتمدان على قاعدة جماهيرية كبيرة من المستوطنين المتطرفين، والذين لا يمكن تجاوز مطالبها خصوصاً في مسألة الأمن.
  • الدافع الأمني: والذي يتمثل في تآكل قوة الردع الإسرائيلية، وتحول مدن الضفة الغربية إلى قنبلة موقوتة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وهذا دفع المستوى الأمني إلى القيام بهذه العملية.

وعلى الرغم من وضوح الأهداف والدوافع وراء العملية العسكرية في جنين، إلا أن مسار العملية يشوبه شيء من الغموض، ولعل هذا الغموض مقصود من قبل الاحتلال في إطار الدروس التي تعلمها من حرب لبنان الثانية بعدم إعلان أهداف محددة يمكن أن تكون مدخلاً لمحاسبة قادة الجيش حال عدم تحقيقها..

ومن خلال متابعة وتحليل سلوك جيش الاحتلال خلال الساعات الماضية من العملية وتصريحات قادة الاحتلال، يمكن توقع مسار العملية العسكرية في جنين خلال الساعات القادمة من خلال الآتي:

  1. نحن أمام عملية محدودة وغير موسّعة، بمعنى أن جيش الاحتلال لن يذهب إلى اجتياح كامل مدينة جنين ومخيمها؛ لأن المعدات المستخدمة محدودة (150 آلية عسكرية)، وكذلك لأن الاجتياح الموسع والشامل يعني أن جنود الاحتلال سيتعرضون للخطر بشكل أكبر وهذا ما لا يريده الاحتلال.
  2. الآليات المشاركة في العملية هي سيارات وشاحنات عسكرية مصفحة وليست دبابات، إضافة إلى آليات عسكرية هندسية مهمتها تفجير العبوات المزروعة في جوانب الطرق في جنين ومخيمها، واقتصار الأمر على هذه الآليات فقط لا يناسب عملية عسكرية واسعة، كما أن دخول سلاح الجو وقصفه أهدافاً في جنين في الساعة الأولى للعملية وخلال الساعات الماضية كان هدفه تحقيق عنصر المفاجأة وقتل عددٍ من المقاومين وتدمير مخازن السلاح، إضافة لإسناد القوات العاملة على الأرض خلال معاركها مع المقاومة، وليس الهدف من دخول سلاح الجو على خط العملية أن العملية ستكون موسّعة.
  3. التصريحات الإسرائيلية تربط توسيع العملية العسكرية في جنين بالتطورات الميدانية ومدى الحاجة لتوسيعها، ما يدلل على عدم وجود رغبة في توسيع العملية.
  4. الهدف العام من العملية العسكرية في جنين هو إضعاف قدرات المقاومة وليس إنهاءها، لأن حالة المقاومة لا تنتهي بالمطلق.
  5. العملية يراد منها الخروج بصورة النصر، وهي تتمثل في عدد كبير من الشهداء مقارنة بالعمليات العسكرية السابقة، وتفجير عدد من مخازن السلاح ومعامل التصنيع وتصويرها ونشر الصور عبر الإعلام، وتخريب البنية التحتية من شوارع وشبكات كهرباء في جنين ومخيمها، فإذا ما تحققت هذه الصور الرمزية سينهي لاحتلال عمليته العسكرية معلناً تحقيق أهدافها.

 

في المجمل، يمكن القول إن العملية العسكرية في جنين ستستمر لساعات فقط ولن تدخل في مرحلة الاجتياح الكامل لمدينة جنين ومخيمها، لكن استمرارها من عدمه يتوقف على تطورات الميدان في جنين ومخيمها بين المقاومة والاحتلال.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى