تحليلات

نقاط التحول المهمة لصالح المقاومة الفلسطينية في معركة جنين

خاص– اتجاهات

 

بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر الإثنين 3 يوليو الجاري، عملية عسكرية ضد مدينة جنين ومخيمها استمرت قرابة 48 ساعة، وخلفت 12 شهيداً فلسطينياً و140 جريحاً، وتدميراً واسعاً على صعيد المنازل والبنية التحتية والخدماتية، أما الاحتلال فاضطر قبل انسحابه إلى الاعتراف بمقتل أحد جنوده مع تضارب الروايات حول طريقة مقتله، بينما صدَرت عدة بيانات من المقاومة الفلسطينية تتحدى الاحتلال أن يعترف بمقتل عدد من جنوده في عدد من الأحداث التي وقعت مع مرور ساعات العملية.

لقد أراد الاحتلال من عمليته العسكرية ضد جنين التأثير على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية لجهة وقف مسارها المتصاعد منذ سنتين تقريباً، إلا أن هذه العملية أظهرت عدة نقاط تحول مهمة لصالح المقاومة الفلسطينية في مواجهتها مع الاحتلال في الضفة الغربية، حيث سيكون لنقاط التحول هذه تداعياتها على مشهد المواجهة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني.

نقدم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث هذه القراءة التحليلية، للوقوف على أهم نقاط التحول لصالح المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي أظهرتها العملية العسكرية الأخيرة ضد جنين، وذلك على النحو الآتي:

 

1. لقد أظهرت هذه المعركةُ جنينَ بؤرةً حصينةً للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، يعجز الاحتلال عن اقتحامها، أي أن جنين أصبحت بالفعل “غزة ثانية”، وهذا يؤيده سلوك الاحتلال الذي بات يحسب كثيراً من أجل الدخول إلى جنين ومخيمها تحديداً، فاضطر إلى زيادة حجم قواته المقتحمة كماً، فأدخل عدداً أكبر من الآليات العسكرية مقارنة بالسابق، ونوعاً بتدخل الطيران المروحي والطائرات المسيرة الهجومية وآليات هندسية أكبر وأكثر، ووضع مجنزراتٍ على حدود جنين متأهبة للدخول وإسناد قواته.

ومن الطبيعي ألا يسلّم الاحتلال بذلك؛ لأن “عدوى جنين” ستنتقل إلى مدن أخرى في الضفة الغربية، وعليه من المتوقع أن يعاود الاحتلال مهاجمة جنين، ومن المؤكد أنه سيغير في الأساليب والتكتيكات، وسيحاول اعتماد سياسات أخرى، كالحصار مثلاً.

إلا أن السنوات الأخيرة من عمر المواجهة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، أظهرت قدرة الشعب الفلسطيني ومقاومته على استنزاف الاحتلال وجيشه، وهذا ما تشير إليه حقيقة أن أكثر من نصف جيش الاحتلال موجود بالفعل في الضفة الغربية، وفق اعتراف “غانتس” وزير جيش الاحتلال السابق، وأن كل هذه القوة على الأرض لم تمنع تصاعد المقاومة في الضفة الغربية رغم البطش وإجراءات الاعتقال والقتل والتضييق.

 

2. لم ينجح الاحتلال في تدمير ميزان القوى الذي وصلت إليه المقاومة الفلسطينية حتى اللحظة في صراعها الطويل مع الاحتلال، فالمقاومة الفلسطينية رسّخت قاعدتها في قطاع غزة وفرضت على الاحتلال قواعد اشتباك، تعني إمكانية اشتعال الوضع كاملاً إذا ما قام الاحتلال بانتهاكٍ تجاه قطاع غزة، ومن ثم نجحت هذه القاعدة في مدّ منطقة نفوذها عام 2021 إلى القدس والمسجد الأقصى بعد معركة سيف القدس، وذاتُ المعركة كانت منطلق الحالة التي تشكلت في جنين وصولاً إلى نابلس، وأصبحت الانتهاكات ضد مناطق النفوذ هذه تجاوزاً للخطوط الحمراء ما يهدد باشتعال الأمر برمته.

والعدوان الأخير على جنين استهدف كسر الخط الأحمر الخاص بجنين، التي كانت النموذج الأول في الحالة المتصاعدة للمقاومة في الضفة الغربية، والذي سارت على خطاه باقي المدن: نابلس فأريحا فطولكرم وغيرها، وإذا ما كُسر هذا الخط فهذا سيقضي على المقاومة المتصاعدة في الضفة ويعيد الأمور إلى الوراء كثيراً، ومن هنا يمكن فهم موقف “الغرفة المشتركة” في قطاع غزة، والتي وقفت على أهبة الاستعداد لمساندة المقاومة في جنين، إلا أن الأخيرة أثبتت حضورها على الأرض ما اضطر الاحتلال إلى إيقاف عمليته.

 

3. أظهرت المعركة حجم الاحتضان الشعبي الفلسطيني للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وبرزت بوضوح في هذه المعركة كما في كل المعارك والمواجهات السابقة على مدار عامين وأكثر، مظاهر الاحتضان والإسناد والدعم الشعبي والمجتمعي للمقاومة والمقاومين، كما لا يخفى حجم الاحتفاء الشعبي برموز وشهداء المقاومة الذين ارتقوا خلال الفترة الماضية.

هذه الحالة تعني فشل جهود الاحتلال، ومن خلفه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وبالاعتماد على أطراف محلية وإقليمية، في “غسل دماغ” الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ ليكفروا بالمقاومة ومواجهة الاحتلال، وليركنوا إلى التعايش مع الواقع الذي يفرضه الاحتلال ومستوطنوه يوماً بعد يوم مقابل الفتات الذي يُقدم لهم تحت مسمى “تسهيلات”، وليقفوا هم في وجه المقاومين بذريعة الحفاظ على هذه التسهيلات، أو خوفاً من مواجهة العقوبات الجماعية التي يعتمدها الاحتلال.

الواقع أن الحاضنة الشعبية للمقاومة والمقاومين في الضفة الغربية في ازدياد، وأن الجماهير الفلسطينية في جنين التي أراد الاحتلال – بتدميره للبنية التحتية والخدماتية – أن تخرج في وجه المقاومة والمقاومين لم تفعل ذلك.

 

4. أظهرت معركة جنين فشل الحرب التي شنها الاحتلال ضد تنظيمات المقاومة الفلسطينية التقليدية في الضفة الغربية، فمنذ حملة “السور الواقي” عام 2002 وما بعدها، يشن الاحتلال بشكل سرّي وعلني حرباً ضد تنظيمات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية؛ بهدف القضاء على بنية هذه التنظيمات، ومنعها من تشكيل تهديد حقيقي على جيش الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية، وعلى المدن والبلدات الإسرائيلية كما جرى في انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000.

ويمكن الوقوف على مظاهر فشل هذه الحرب في نقطتين:

  • أن غياب هذه التنظيمات عن الساحة بما يسمح بوجود مقاومة مسلحة منظمة ضد الاحتلال، دفع الشعب الفلسطيني إلى أسلوب العمليات الفردية، ومن ثم تشكلت حالات ومجموعات بديلة للتنظيمات التقليدية (مثل “كتيبة جنين”، و”عرين الأسود” في نابلس، و”الرد السريع” في طولكرم وغيرها).
  • أن تنظيمات المقاومة الفلسطينية التقليدية وإن نجح الاحتلال في إضعافها، إلا أن العملية العسكرية ضد جنين وما قبلها على مدى السنة الأخيرة أثبت أن هذه التنظيمات عادت للعمل وبقوة.

 

5. لقد بدأت نتائج هذه المعركة في إعاقة جهود الاحتلال للتمهيد لعودة الاستيطان إلى شمال الضفة الغربية، فقد كانت العملية العسكرية التي شنها الاحتلال ضد جنين تمهيداً لتنفيذ مخططات حكومة نتنياهو المتطرفة لإعادة المستوطنين إلى المستوطنات الأربعة التي تم إخلائها عام 2005 وهي: “غانيم”، و”كاديم”، و”صانور” و”حوميش”، بعدما نجحت هذه الحكومة قبل عدة أشهر في الحصول على مصادقة الكنيست على إلغاء ما يعرف بـ “قانون فك الارتباط” الذي أخليت بموجبه هذه المستوطنات عام 2005.

وهذا ما أوضحته صحيفة هآرتس، التي قالت أنه من الصعب على حكومة نتنياهو تنفيذ مخططها في ظل وجود قوة عسكرية في جنين، وبالتالي تم إعداد هذه العملية العسكرية “لإخضاع من يحاول التشويش على مخطط العودة للمستوطنات”، بحسب ما ذكرته هآرتس.

إلا أن اضطرار الاحتلال إلى إنهاء عمليته قبل تحقيق هدف “إخضاع” أو إضعاف المقاومة الفلسطينية في جنين يعني أنه سيواجه صعوبات في سبيل تحقيق مخططاته.

 

في المجمل، فإن العملية العسكرية ضد جنين إعلانٌ بفشل عملية “كاسر الأمواج” التي أطلقها الاحتلال قبل عام تقريباً، فعملية “كاسر الأمواج” التي بدأها الاحتلال من جنين، فشلت في تحقيق هدف الاحتلال بكسر موجات المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية، وهذه النتيجة قائمة منذ أن تعالت الأصوات داخل الاحتلال بضرورة تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، وتأكدت فور شروع الاحتلال في عمليته العسكرية الأخيرة ضد جنين، والتي اضطر إلى إنهائها دون تحقيق أهدافه.

 

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى