تحليلات

عملية الاغتيال في نابلس.. السياقات والدلالات

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

أعلن جيش الاحتلال، صباح اليوم الخميس، أنه نفّذ عملية اغتيال لثلاثة نشطاء من المقاومة الفلسطينية، بعد حصار منزل في البلدة القديمة في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، واتهم جيش الاحتلال هؤلاء النشطاء بتنفيذ عملية فدائية أدت لمقتل 3 مستوطِنات قرب مفترق الحمرا في الأغوار الفلسطينية قبل شهر تقريباً، فيما أكدت وزارة الصحة الفلسطينية وصول جثامين ثلاثة شهداء إلى المستشفى جراء العملية، وأن اثنين منهما تشوهت ملامحهما بالكامل، جراء كثافة إطلاق النار عليهما.

نقدم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث قراءة تحليلية في سياقات عملية الاغتيال صباح اليوم الخميس في مدينة نابلس، ودلالاتها.

 

سياقات العملية

جاءت هذه العملية في سياقات مهمة، أبرزها:

1. أنها جاءت بعد فترة هدوء نسبي شهدته الضفة الغربية منذ منتصف شهر رمضان، حيث سجلت تراجعاً في عمليات المقاومة الفلسطينية، وكذلك تراجعاً في عمليات الاغتيال والتصفية التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد المقاومين.

2. تأتي هذه العملية بعد يوم واحد من انتهاء جولة قتال في قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، ردت فيها المقاومة على اغتيال الأسير المضرب عن الطعام خضر عدنان، وكثّفت فيها قوات الاحتلال غاراتها على القطاع، وسببت حالة من الإحباط في الأوساط الإسرائيلية، دفعت الوزير “إيتمار بن غفير” لانتقاد أداء حكومة نتنياهو في التعامل مع قطاع غزة.

3. عملية الاغتيال هذه تمت بعد حوالي شهر من ملاحقة الاحتلال للخلية المنفّذة لعملية “الحمرا”.

4.جاءت عملية الاغتيال كذلك في ضوء تصاعد الأزمة السياسية داخل دولة الاحتلال.

 

دلالات العملية

يمكن قراءة دلالات عملية اغتيال النشطاء الثلاثة في نابلس في مجموعة من النقاط، وهي على النحو الآتي:

أصبح العمل المقاوم في الضفة الغربية أكثر تنظيماً، بمعنى أن العمليات لم تعد فردية، بل انتقلت إلى شكل خلايا تستطيع تنفيذ العمليات بدقة، والتنفيذ في مكان ثم الاختفاء في مكان آخر، ما يعني أن هناك من يدبّر للمقاومين الأسلحة ومكان الإيواء وطرق التنقل، وهذا ما يفسّر طول المدة التي يستغرقها الاحتلال في العثور على منفذي العمليات الفدائية مؤخراً، حيث استغرق شهراً كاملاً في العثور على منفذي عملية “الحمرا” في الأغوار، وقبل ذلك، استغرق مدة 10 أيام للعثور على “عبد الفتاح خروشة” منفّذ عملية “حوارة”، الذي نفّذ العملية في نابلس وانتقل إلى جنين، وتم اغتياله هناك.

تدلل هذه العملية أن “إسرائيل” تفقد تدريجياً عنصر المبادرة، وأن هذا العنصر يزيد تدريجياً لدى المقاومة الفلسطينية، بمعنى أن المقاومة اليوم تبادر بالهجوم وتتحكم في الميدان، أما “إسرائيل” فأصبحت في موقع الدفاع ويخضع سلوكها لردّات الفعل وليس المبادرة بالفعل.

أراد الاحتلال من هذه العملية وبهذا الشكل الصاخب أن يصنع لنفسه ولجمهوره صورة نصر، خصوصاً بعد الصفعة التي تلقاها من قطاع غزة بإطلاق أكثر من 100 صاروخ في الجولة الأخيرة، وكذلك بعد الصفعة التي تلقاها من لبنان مؤخراً، والتي تسببت بـانتقادات لحكومته في تعاملها الأمني مع جبهات المقاومة.

بهذه العملية أراد المستوى الأمني الإسرائيلي حصر المواجهة في الضفة الغربية، وهي الساحة التي يبدو للاحتلال أنه مسيطر عليها مع تقليل الخسائر الإسرائيلية، وهذا يعطيه فرصة للقيام بعملياته وتطبيق سياساته دون الانزلاق إلى تصعيدٍ يجلب رداً قوياً من ساحات مختلفة، مثلما جرى في أحداث المسجد الأقصى في رمضان الماضي التي أدت إلى دخول جبهة لبنان وجبهة قطاع غزة على خط المواجهة، وهو ما أفقده السيطرة على المشهد.

جاءت هذه العملية وبهذا الشكل الصاخب، في محاولة من نتنياهو لإرضاء أطراف في الائتلاف الحكومي، تحديداً وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير” الذي هدد صراحة بالانسحاب من حكومة نتنياهو؛ بسبب ضعف الأداء الأمني الإسرائيلي على عدة مستويات، فأراد نتنياهو إثبات قوته أمام شركائه في الائتلاف.

يسعى الاحتلال من وراء هذه العملية إلى تثبيت معادلاته في الضفة الغربية، والتي تعطي الأولوية لاغتيال وتصفية منفذي العمليات الفدائية على حساب اعتقالهم.

 

الخلاصة:

في المجمل، تبقى ساحة الضفة الغربية ميداناً هو الأهم في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ويبدو أن المقاومة الفلسطينية تعطي أولوية لتنشيط هذه الساحة وضخ إمكانيات تسليحية ولوجستية فيها؛ لإبقاء جذوة المقاومة مستمرة هناك.

يفهم المستوى الأمني الإسرائيلي توجهات المقاومة الفلسطينية جيداً، لذلك، فإن المرجّح في الفترة القادمة هو استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية بنفس الوتيرة دون تغيير، وسنشهد ردود فعل إسرائيلية مشابهة لعملية اليوم في نابلس، في ظل قدرة المقاومة على تشكيل خلايا لتنفيذ العمليات في أكثر من مدينة.

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى