تحليلات

تداعيات معركة “ثأر الأحرار”

خاص– اتجاهات

 

مقدمة

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وبين الاحتلال الإسرائيلي حيّز التنفيذ عند الساعة العاشرة من مساء السبت 13 أيار/ مايو 2023، وذلك بعد 5 أيام من جولة قتال بدأتها قوات الاحتلال باغتيال 3 من أبرز القادة العسكريين في حركة الجهاد الإسلامي في منازلهم، إلى جانب عدد من أقاربهم وجيرانهم، ثم بدأت المقاومة بالرد على هذه الجريمة، والتي عدّتها تجاوزاً إسرائيلياً للخطوط الحمراء، بمعركة قادتها غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية تحت اسم “ثأر الأحرار”، والتي انتهت بوقف إطلاق النار الذي أُعلن من قبل الوسيط المصري.

نقدم في مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث قراءة تحليلية في تداعيات معركة “ثأر الأحرار” على المستوى الفلسطيني وعلى الاحتلال، إضافة إلى الحديث عن تداعياتها على الإقليم.

 

أولاً – أهداف الاحتلال من جريمة الاغتيال

كانت “إسرائيل” تهدف من جريمة الاغتيال المتزامنة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، وكنا قد تطرقنا إلى هذه الأهداف في تحليل سابق خلال جولة التصعيد، ولكن يمكننا هنا عرض أبرز أهداف الاحتلال كما يأتي:

1- محاولة ترميم قوة الردع الإسرائيلية التي تآكلت خلال السنوات الأخيرة.

2- إرضاء وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير” الذي امتنع عن حضور جلسات حكومة نتنياهو وعن التصويت في الكنيست، وهو ما يهدد وحدة الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو.

3- الدخول في جولة تصعيد محدودة تحقق الهدوء قبل مسيرة الأعلام يوم الخميس 18 أيار/ مايو الجاري، ولكي يصل الاحتلال إلى هذا الهدف عَمَد إلى أمرين:

  • اختار التوقيت؛ لكي تنتهي الجولة وتداعياتها قبل حلول موعد مسيرة الأعلام، حيث كان بين تنفيذ الاغتيالات الثلاثة وموعد المسيرة حوالي 9 أيام.
  • اختار البداية، باغتيال القادة الثلاثة من فصيل واحد؛ ليكون عنوان الردّ الفلسطيني هو الانتقام لاغتيالهم وليس قضيةً مُجمعاً عليها وطنياً، كالاعتداء على القدس والمقدسات؛ فيؤثر بذلك على دخول فصائل أخرى في الجولة، وعلى اشتراك ساحات أخرى كالقدس والداخل المحتل فيها.

 

ثانياً – تداعيات المعركة على الفلسطينيين

يمكن تقسيم تداعيات المعركة على الفلسطينيين إلى تداعيات إيجابية وسلبية، وأهمها ما يأتي:

التداعيات الإيجابية على الفلسطينيين:

1- وحدة القرار الفلسطيني المقاوم، والذي سيشهد تطوراً خلال المستقبل القريب، حيث رأينا نموذجاً من هذا التوحّد في الجولة الأخيرة من خلال قيادة الغرفة المشتركة للمعركة مع تصدير حركة الجهاد الإسلامي في الواجهة؛ باعتبار أن الاغتيال استهدف قادة من “سرايا القدس”، مع التأكيد على الدعم السخي من كل الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها “كتائب القسام”، حسب ما أعلن عنه الناطق باسم سرايا القدس.

2- خرجت المقاومة الفلسطينية من المعركة بقوة كبيرة، رأيناها في الميدان من خلال إطلاق أكثر من 1400 صاروخ مختلفة في المدى والدقة والقوة التدميرية، وعليه فإننا سنشهد تطوراً للمقاومة في جولات لاحقة. ويحسب لحركة الجهاد الإسلامي التطور البارز في أدائها مقارنة بجولات التصعيد السابقة.

3- التأكيد على قدرة المقاومة الفلسطينية على فرض معادلاتها في الميدان أمام الاحتلال، وهذه القدرة نابعة من امتلاكها لعدد من الأدوات، العسكرية والأمنية والسياسية وغيرها، فالصواريخ المتفاوتة في المدى، أتاحت للمقاومة الضغط على الاحتلال من خلال قصف تل أبيب والقدس والمدن الكبرى من عسقلان وأسدود وغيرها لأكثر من مرة في اليوم الواحد، وهو ما يُبقي أكثر من 2.5 مليون مستوطن إسرائيلي في وضع القلق والتوتر، وبالإضافة للصواريخ، تحدثت تقارير إعلامية عن تعرض القبة الحديدية لهجمات سيبرانية قبل انطلاق الصواريخ من قطاع غزة؛ وهو ما أتاح وصول عدد كبير جداً من الصواريخ إلى أهدافها، محققةً الهدف والرسالة من هذا الوصول.

4- ازدياد الالتحام بين المقاومة والحاضنة الشعبية الفلسطينية، حيث أننا شهدنا في الميدان صبراً من المواطنين الفلسطينيين وتفهماً منهم للمعركة وأهدافها، بل تجاوز الأمر إلى درجة أنهم صاروا يطالبون المقاومة بالاستمرار في تسديد الضربات للعمق الإسرائيلي حتى موعد مسيرة الأعلام؛ للتأثير عليها وإلغائها. ولعل من أبرز أسباب التفاف الجمهور حول المقاومة هو نجاحها في إدارة المعركة بشكل يجنب قطاع غزة الدخول في مواجهة واسعة تترتب عليها تضحيات كبيرة.

التداعيات السلبية على الفلسطينيين:

1- محدودية الدور الرسمي الفلسطيني، ممثلاً في السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي لم تُبدِ مواقف قوية وحازمة في وجه العدوان الإسرائيلي، فقط ما كان من مواقف يمكن تصنيفها بأنها خجولة ومشتتة ولا ترقى إلى مستوى الطموح الفلسطيني وجاءت متأخرة، على الرغم من وجود تجارب سابقة قدمت فيها فصائل المقاومة استعدادها، بأن تخضع لتمثيل السلطة الفلسطينية للكل الفلسطيني في أي مفاوضات، شريطة أن تحقق مطالب المقاومة والشعب الفلسطيني في لجم العدوان وضمان عدم عودته لسياسة الاغتيالات.

2- خمول ساحة الضفة الغربية والقدس خلال العدوان على قطاع غزة، بما لا يلبي طموحات المقاومة بتوحيد الساحات، ويمكن القول إن المقاومة تتفهم خمول ساحة الضفة الغربية، لكن قيام المقاومة في الضفة بتنفيذ عمليات متزامنة مع العدوان على غزة كان سيُحدث أثراً واضحاً في مسار المعركة ضد الاحتلال، حينها سيفهم الاحتلال حجم الضغط عليه من أكثر من ساحة.

 

ثالثاً – تداعيات المعركة على الاحتلال

ويمكن تقسيمها كذلك إلى تداعيات إيجابية وسلبية، وأهمها ما يأتي:

التداعيات الإيجابية على الاحتلال:

1- ضبط حالة الخلاف التي شهدها الائتلاف الحاكم في “إسرائيل”، والتي وصلت ذروتها في امتناع وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير” عن المشاركة في جلسات الكنيست والتصويت فيها، ما يعني أن نتنياهو سيفقد سيطرته على الائتلاف الحكومي الذي يحتاجه في المرحلة المقبلة، لكن هذه المعركة جمّعت أقطاب الائتلاف حول نتنياهو، وأبدى كلٌ من “بن غفير” و”سموتريتش” تأييدهما لنتنياهو في اللحظات الأولى بعد اغتيال القادة الثلاثة من “سرايا القدس”.

لكن هذا الضبط قد لا يعني سيطرة مطلقة لنتنياهو على الائتلاف الحكومي، لأن هذا الائتلاف قائم على عقد الصفقات بين أقطابه المختلفة، وسيظهر حجم سيطرة نتنياهو الحقيقية على ائتلافه يوم 29 أيار/ مايو الجاري في التصويت على الموازنة العامة للدولة التي قدمتها حكومة نتنياهو للكنيست من أجل الاعتماد.

2- احتواء نتنياهو للمعارضة الإسرائيلية بشكل نسبي، وهو ما اتضح في مشهدين اثنين خلال المعركة:

  • الأول: تأييد زعيم المعارضة “يائير لبيد” لعملية اغتيال القادة الثلاثة، على الرغم من تحفظه على إطالة مدة القتال مع المقاومة في قطاع غزة.
  • الثاني: إلغاء المعارضة تظاهراتها التي كانت مقررة السبت الماضي، ضمن المظاهرات التي تنظمها كل سبت منذ 3 أشهر، احتجاجاً على التعديلات القضائية التي ينوي الائتلاف الحاكم إقرارها وتنفيذها.

التداعيات السلبية على الاحتلال:

1- الفشل في ترميم قوة الردع أمام المقاومة الفلسطينية، والتي تآكلت على مدار السنوات الماضية، بعد دخول “إسرائيل” في عشرات الجولات من القتال مع قطاع غزة ولبنان تطبيقاً لسياسة “المعركة بين الحروب”.

2- ازدياد الضغط الأمريكي على نتنياهو بشكل شخصي، بعد مخالفته للرغبة الأمريكية في تحقيق الهدوء في المنطقة، وبرز هذا الضغط في التدخل الأمريكي الجاد في جهود وقف إطلاق النار وخلال الساعات الأخيرة من المعركة، وهذا الضغط ربما سيزداد في المستقبل على نتنياهو وحكومته في ظل توجهاتها المتطرفة، واستمرار حاجة الولايات المتحدة الأمريكية للهدوء.

3- اهتزاز صورة “إسرائيل” أمام المجتمع الدولي، جراء انتهاكها لحقوق الإنسان واستهدافها المدنيين في بيوتهم، فبالرغم من استخدامها تقنيات عسكرية عالية الدقة، إلا أن اغتيالها للقادة العسكريين في بيوتهم خلّف أكثر من 12 شهيداً من المدنيين من ذويهم وجيرانهم، ولقد ظهرت مجموعة من الإدانات الدولية للاحتلال عقب استهداف المدنيين، أبرزها كان موقف الاتحاد الأوروبي الذي استنكر هذه الهجمات ودعا لوقفها.

 

رابعاً – التداعيات على الإقليم

لم يكن الإقليم بمعزل عن تداعيات المعركة الأخيرة في قطاع غزة، ويمكن الحديث عن التداعيات على كل من مصر كوسيط يتدخل لوقف إطلاق النار، وعلى “محور المقاومة” كحليف لفصائل المقاومة الفلسطينية، وتفسير تلك التداعيات كما يأتي:

التداعيات على مصر:

عملت مصر كوسيط بين المقاومة الفلسطينية وبين الاحتلال للوصول إلى تهدئة، لكن حجم جريمة الاحتلال وتطور ردّ المقاومة صعّب المهمة على مصر، فالمقاومة تمسكت بإلزام الاحتلال بوقف الاغتيالات، والأخير تمسك بموقفه المتمثل في إحلال الهدوء مقابل الهدوء دون التعهد بأي التزاماتٍ للمقاومة.

لقد انعكست هذه المعركة إيجابياً على مصر من جهة تعزيز دورها كوسيط حصري في ملف التهدئة بين المقاومة الفلسطينية وبين الاحتلال.

ولكن هناك تداعيات سلبية تتعلق باهتزاز ثقة الفلسطينيين في قدرة مصر على إلزام الاحتلال بما يتم الاتفاق عليه، سيما أن الاحتلال قد نفذ جريمته بعد أقل من أسبوع على وقف إطلاق نار بين المقاومة الفلسطينية وبين الاحتلال، عقب جولة التصعيد التي فجرها اغتيال الأسير خضر عدنان في سجون الاحتلال.

وعلى الوسيط المصري أن يُلزم الاحتلال بالعودة للتفاوض بعد إحلال الهدوء في غزة، وأن يضغط على الاحتلال لعدم العودة إلى سياسة الاغتيالات، وهذا اختبار حقيقي للوسيط المصري.

التداعيات على “محور المقاومة”:

لم يتدخل “محور المقاومة” بشكل مباشر في المواجهة العسكرية بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وبين الاحتلال، وهو ما دفع الجمهور إلى التشكيك بمبدأ “وحدة الساحات” الذي عملت المقاومة على ترسيخه، خصوصاً بعد الضربة الصاروخية التي كانت من جنوب لبنان تجاه شمال فلسطين المحتلة في رمضان الماضي.

ولكن يمكننا القول أن هناك فهماً خاطئاً من الجمهور لمبدأ “وحدة الساحات”، فلا يعني بالضرورة أن تتدخل كل مكونات “محور المقاومة” عسكرياً عندما يتعرض قطاع غزة أو الضفة الغربية أو أي ساحة لعدوان إسرائيلي، خاصةً إذا ما تعلق الأمر بقضايا لا تحظى بإجماعٍ وطنيٍ مثل القدس، بل يمكن أن يكون التدخل بـ “تنسيق معلوماتي” أو “هجمات سيبرانية” أو تقديراتٍ للموقف، مع توحيد الخطاب الإعلامي وزيادة النشاط الدبلوماسي والاتصالات للضغط على الاحتلال.

وقد سبق أن نظم مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث حلقة نقاش بعنوان “وحدة الساحات.. الفرص والتحديات“، شارك فيها مجموعة من الباحثين، وعرضوا رؤيتهم وتفسيراتهم لمبدأ “وحدة الساحات”، ففسره بعضهم بتشكّل محور يمنع تصفية القضية الفلسطينية، وفسره آخرون على أنه تدخل في نطاق المعقول لدعم المقاومة في فلسطين دون الانجرار إلى استدعاء ضربات إسرائيلية لهذه الدولة أو تلك.

 

 

للاطلاع على التحليل بصيغة PDF اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى